الرئيسية / ملفات / 1 ماي / أوضاع الطبقة العاملة في العالم على ضوء جائحة الكورونا
أوضاع الطبقة العاملة في العالم على ضوء جائحة الكورونا

أوضاع الطبقة العاملة في العالم على ضوء جائحة الكورونا

منذر خلفاوي

اليوم والبشريّة جمعاء تمرّ باختبارٍ من أصعب الاختبارات على سلامتها وعلى وجودها أصلا، اختبار النّجاة من جائحة كورونا، حريّ بنا التمعّن في علاقات الصراع الطبقي الشائكة، تلك التي تقابل عادة بين المستغِلّين والمستغَلّين، المضطهدِين والمضطهَدين، لنفهم موقع كلّ شقّ منهما في هذا الصراع، وإن كان هذا الوباء قد ساوى في بعض الجوانب، بين كلّ الفئات والطبقات، رغم كون إحداها، البرجوازية العالمية، قد تكون أقلّ ضررا من نقيضها، الطبقة العاملة والفئات الكادحة من المجتمع.

أوضاع الطّبقة العاملة والشّعوب المفقّرة قبل الجائحة

لم تكن أوضاع العاملات والعمال وشرائح عديدة من الموظفين في مختلف القطاعات مريحة أو مستقرّة قبل انتشار وباء كوفيد 19، لأنّ وتائر الاستغلال الرأسمالي في ظلّ العولمة تتّسم بالحدّة والانتشار في كل بقاع العالم ويعمل أصحاب رؤوس الأموال والحكومات التي تمثّلها على تكثيف النهب والاعتماد أكثر فأكثر على المناولة والعمل الهش وعقود الشغل الوقتيّة دون ضمانات في المجالات الصحّية والاجتماعية والتأمين من الحوادث والسلامة المهنية…الخ. كما تتزايد كل يوم أعداد جيوش المعطّلين عن العمل والمهمّشين إثر خوصصة القطاعات العمومية وتطبيق سياسات التطهير وبرامج الإصلاح الهيكلي المُملاة من صناديق النّهب العالمي، وهي نتيجة طبيعية للأزمات الدّورية للرأسمالية الامبريالية مثل ما حصل في أزمة 2008.

وكانت وما تزال الشعوب الفقيرة والتابعة هي المعرّضة الأكثر لهذه السياسات بشكل مضاعف، فهي مصدر نهب الخيرات والمواد الأولية والفلاحية وسوقًا لترويج السّلع واستغلال اليد العاملة الرخيصة.

لقد سبقت جائحة كورونا عديد الانتفاضات والثورات في عدة بلدان بالوطن العربي وأوروبا وأمريكا اللاتينيّة في الأشهر الأخيرة من سنة 2019 ضدّ السّياسات النيوليبرالية ومن أجل تحسين الأوضاع المعيشيّة، ممّا اضطرّ مختلف الحكومات في فرنسا والشّيلي والإكوادور وكولومبيا والعراق والجزائر ولبنان…الخ إلى التنازل حينًا والقمع في غالب الأحيان. انتشر الوباء في مثل هذه الأوضاع المتّسمة باختلال موازين القوى لصالح القوى الامبريالية والقوى الشعبويّة واليمينيّة التي تستهدف ملايين العمال والعاملات في مختلف أرجاء العالم. فما الذي طرأ على أوضاع الطبقات المضطهدة والمسْحوقة في خضمّ هذه الفترة العصيبة الرّاهنة؟

الكورونا: انعكاساتها عميقة وتداعياتها خطيرة على الطّبقة العاملة

عديد الدّراسات والأبحاث التي صدرت مؤخّرا، بما فيها إحداها نشرت على أعمدة “نيويورك تايمز” كشفت واقع أنّ الطبقات الأكثر عرضةً لوباء الكورونا هي الطبقة العاملة وخاصّة العاملات. إنّ مليار ومائتي مليون من العمال، أي 38% من اليد العاملة، يشتغلون في القطاعات الأكثر عرضة للتقلّبات والعدوى، ونذكر منهم عمّال الصحة المعرّضون بصفة مباشرة للفيروس وعددهم يفوق 136 مليون، وكذلك عمّال المساحات التجارية وعمال المصانع المكدّسين في أماكن عمل لا تتوفّر على أدنى شروط السلامة وعاملات وعمال الفلاحة المُجبَرون على العمل دون أدنى حماية لعدم توفّرهم على إجازاتٍ وعطلٍ وعددهم 880 مليون، مثلهم مثل عمال المناولة والعمال الوقتيّين والموسميّين، لأنّ الشركات وأصحاب رؤوس الأموال يسرّحون من يتعرّض للعدوى ولا يعوّضونه إلاّ منحة زهيدة في أحسن الأحوال. فمثلا أعلنت شركة ايبار (uber) أنّ عمالها من سائقين ومُسْدي الخدمات لن ينالوا سوى أجرة أسْبوعين في حال تعرُّضِهم إلى العدوى.

وجاء في تقارير المنظمة العالمية للعمل أنّ نسبة البطالة في العالم ازدادت بـ20% خلال هذه الجائحة أي بإضافة خمسة مليون عاطل عن العمل إلى العشرين مليون سابقا وستفقد البلدان العربيّة خمسة مليون موطن شغل ويزداد عدد العاطلين بـ1.7 مليون، كما تراجعت مداخيل الطبقة العاملة بـ3 تريليون و400 مليون دولار، وتؤكد إحصائيات المنظمة أنّ الانعكاسات الكارثية للأزمة ستمسّ مليار و600 مليون عامل وعاملة في الاقتصاد الموازي، علما وأنّه بالنسبة للثلاثي الأوّل لسنة 2020 سجّل نقص في وقت العمل بـ6.7 بالمائة، وهو رقم فاق أزمة 2008 ليشمل 195 مليون عامل لوقت كامل نظام 48 ساعة أسبوعيا .

إلى جانب ذلك لا تخفى كذلك المؤشّرات الأخرى لتدهور ظروف الشّغل والتي يُجْبر العمّال على قبولها بالنّظر إلى الحاجة الملحّة لنفقات العيش، فإمّا القبول بها رغم المخاطر وإمّا الموت جوعا.

كما يتعرّض العمال أيضا زمن الوباء إلى إجراءاتٍ تفرضها المؤسّسات على العمّال والأجراء وهي التنقيص في ساعات العمل دون تعويضٍ والطّرد المؤقّت أو اللامحدود والنهائي، فينضافون إلى جيش المعطّلين الذين ستتواصل بطالتهم وتؤجّل لمدة أطول ممّا كان منتظرا.

وتشير الأرقام الأوّلية والأكثر تفاؤلا أنّ الفقر سيزداد وأنّها ستكون في حدود 4.9 %بإفريقيا و6.3% بأمريكا و8.1% بالبلدان العربية و7.8% بأوروبا، ونفس المصادر تؤكّد انخفاض الاقتصاديّات في العالم بين أفريل وجوان القادم ستكون بين 14 و24%. وبينما تتكدّس كمّيات هائلة من رؤوس الأموال بين أيدي الملياردارات، تتراكم الدّيون العمومية في العالم التي وصلت إلى 253.000 مليار دولار سنة 2019 أي 322% من الناتج الداخلي الخام، ويكون نصيب الدول التّابعة والمُهيْمَن عليها الأكثر ارتفاعا والأكثر دمارا على اقتصاديّاتها، كما نلاحظ خلال الأزمة الحالية هجرة رؤوس الأموال من البلدان النامية والفقيرة وارتفاعها إلى 55 مليار دولار خلال أسابيع فقط.

تسعى الحكومات إلى الاستجابة إلى ضغط اللّوبيات المالية اللّاهثة وراء جنْيِ الأرباح لإعادة عجلة الإنتاج بغضّ النظر عن عدم توفّر الإجراءات الوقائيّة من كمّامات ومواد تعقيم وغيرها، في الوقت الذي تتجمّع فيه كمّيات هائلة من الأموال بين أيْدي أصحاب الشركات المتعدّدة الجنسيّات وأباطرة التهريب الرّافضين للمساهمة في تخفيف مُعاناة المتضرّرين من الوباء عبر القُبول بدفْع نسبة ضئيلة من ثرواتهم (ولو بـ5%) كضريبة استثنائية، والتي يمكن أن توفّر آلاف المليارات تخصّص لمنَحِ بطالة لمن لا دخل لهم وللمتضرّرين من الأزمة الصحّية. لكن كيف لهؤلاء أن يقوموا بذلك في حين حكوماتهم عاجزة حتى عن التضامن فيما بينها على الأقل في المجال الصحي. لقد رأينا الانغلاق الذاتي والتنكّر لاتفاقات سابقة بينها كما حصل بين بلدان الاتحاد الأوروبي حيث تُرِكت إيطاليا وإسبانيا لمصيرهما ووصل الأمر حدّ الاستيلاء على المساعدات الإنسانية الموجّهة لبعض البلدان.

طيلة مدة الحجر الصحي وحظر الجولان وانقطاع السفر، ظهرت للعيان أهمية وقيمة الطبقة العاملة التي دونها توقّف وتداعى النشاط الاقتصادي أو تقلّص بشكل كبير. إنّ هذا التعطّل هو بمثابة الإضراب العام الذي شلّ الأنشطة الاقتصادية وجعل رأس المال يستغيث، ممّا يثبت بما لا يدع مجالا للشكّ في أنّ الطبقة العاملة هي خالقة فائض القيمة والثّروة التي بفضلها تُدار عجلة الاقتصاد. وهو ما يجب عليها إدراكه والوعي به استعدادا لمرحلة ما بعد الكورونا.

الطبقة العاملة والشّعوب تدفع فاتورة الأزمة مجدّدا

كما هو الحال في كلّ أزمة اقتصادية سيقع تحميل أعباء الأزمة الاقتصادية من عرق ودم الطبقة العاملة لأنّ أصحاب رأس المال وممثّليهم بالبرلمانات والحكومات يستعدّون لتكثيف وتائر الاستغلال في الفترة القادمة ولا يفكّرون إلاّ في كيفيّة تدارك ما فات لجنْي الأرباح وإن تطلّب الأمر خرق الحجر الصحي والدّوس على تحذيرات أهل الاختصاص في المجال العلمي والطبي. وسيمضون في مخطّطاتهم إذا لم يجدوا المقاومة والتصدّي، بعد أن منحتهم الدّول الحوافز والامتيازات مع ما يقتضيه ذلك من هتك للحريات لتلجيم الأفواه.

لا خيار أمام عمّال العالم وشعوبه إلّا الوحدة

لقد كشفت جائحة الكورونا بالمقابل أهمّية القطاعات العموميّة مثل القطاع الصحّي التي أجبرت بعض الحكومات الليبراليّة على تأميمها في خطوة تكتيكيّة لإنقاذ نظامها. كما تستعدّ الامبرياليّة العالمية إلى إعادة إثارة الصّراعات فيما بينها والاعتداء على الشّعوب واستفزاز الأنظمة المستقلّة الخارجة عن دائرة سيطرتها، وهو ما يطرح على القوى الثّورية وطلائع الطبقة العاملة وحركات التحرّر للشعوب المُهيمَن عليها الاتّحاد لإنقاذ الإنسانية من وباء الرأسمالية والتوحّش وتحرير الإنسان من عبوديّة رأس المال والحفاظ على البيئة في أفق بناء المجتمع الاشتراكي المنشود.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×