الرئيسية / ملفات / 1 ماي / هل يحقّ للعامل المعطّل عن العمل بموجب الحجر الصّحّي المطالبة بأجر؟
هل يحقّ للعامل المعطّل عن العمل بموجب الحجر الصّحّي المطالبة بأجر؟

هل يحقّ للعامل المعطّل عن العمل بموجب الحجر الصّحّي المطالبة بأجر؟

الأستاذ محمود مطير
المحامي لدى التعقيب والمستشار الجبائي

قرّرت السلطات العمومية بمقتضى مرسوم، فرض الحجر الصحي العام كوسيلة وقاية من وباء “كورونا”. واضطرّ نتيجة لذلك أغلب عمّال القطاع الخاص إلى بطالة إجبارية. وهو ما طرح إشكالية خلاص أجور هؤلاء العمال في فترة البطالة. مع العلم أنّ الإشكالية لم تطرح في القطاع العمومي نظرا لاستعداد الدولة والمؤسسات العمومية تحمّل عبء أجور ومرتبات منظوريها.

وقد سارع الاتحاد العام التونسي للشغل إلى إيجاد حلّ مناسب للإشكالية. فتم يوم 14 أفريل 2020 إمضاء اتّفاق مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بمشاركة وزارة الشؤون الاجتماعية يقضي بخلاص كامل أجور عمّال القطاع الخاص لشهر أفريل (2020) وتتولّى وزارة الشؤون الاجتماعية دفع 200د على أن تتكفّل المؤسّسة المشغّلة بباقي الأجر (بيان الاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 21 أفريل 2020)

ولكن منظمة الأعراف سرعان ما تراجعت عمّا ورد صراحة بالاتفاق معتبرة بعد إمضاء الاتفاق أنّ خلاص أجر شهر أفريل من سنة 2020 مثلما سبق ذكره “سلفة أو قرضا أو تسبقة على العطلة السنوية أو الساعات الإضافية”.

ويكون من البديهي التساؤل: هل يحقّ للعامل المعطّل عن العمل بموجب الحجر الصحي المطالبة بأجر؟ وفي صورة الجواب بالإيجاب فمن يتحمّل هذا الأجر؟
المبدأ العام هو أنّ الأجر يكون مستحقا عند إنجاز العمل لكن في الظرف الاستثنائي الحالي ألا يصحّ تحميل الدّول مسؤولية خلاص أجور العمّال المعطّلين عن العمل بموجب قرارها؟

الأجر مقابل العمل المنجز

إنّ التشريع التونسي واضح وصريح وينصّ على أنّ الأجر لا يصبح مستحقا إلاّ بعد إنجاز العمل. إذ ينصّ الفصل 134 من مجلة الشغل صراحة على أنه “يقصد بالأجر ما يستحقّه العامل من مؤجّره مقابل العمل الذي أنجزه”. كما ينصّ الفصل 839 من مجلة الالتزامات والعقود أنه “على المؤجّر أن يؤدّي أجر العامل حسب الاتّفاق أو العرف وإلاّ كان الأداء عند إتمام العمل المتّفق عليه” ويستنتج من النصين السابقين أنّ الأجر لا يصبح مستحقا إلاّ بعد إنجاز العمل، ويعتبر مبدأ “الأجر مقابل العمل المنجز” مبدأ أساسيا في العلاقات الشغلية بما في ذلك في الوظيفة العمومية. 

لكنّ هذا التشريع يتعلق بالوضع العادي والطبيعي، في حين نعيش ظرفا استثنائيا أي ظرف الوباء وقرار الدولة فرض الحجر الصحي العام. وهو ما يعني أنّ العامل لا يقوم بإنجاز عمله لأنه مجبر على ذلك بموجب قرار من السلطة العمومية، وبالتالي فإنه لم يتقاعس عن القيام بعمله وليس مسؤولا عن هذه البطالة القسرية. ولكنه خضع لقوة قاهرة خارجة عن نطاقه. لذا فالسؤال المطروح: هل يمكن للعامل المطالبة بأجر في هذا الظرف كما تمّ ذكره؟.

للإجابة عن هذا السؤال يمكن الالتجاء إلى أحكام الفصل 282 من مجلة الالتزامات والعقود التي تنصّ على ما يلي:” لا يلزم المدين بتعويض الخسارة إذا أثبت أنّ سببا غير منسوب إليه منعه من الوفاء أو أخّره عنه كالقوّة القاهرة والأمر الطارئ ومماطلة الدائن”

ويعرّف الفصل 283 من مجلة الالتزامات والعقود “القوة القاهرة التي لا يتيسّر معها الوفاء بالعقود “بأنها” كلّ ما لا يستطيع الإنسان دفعه كالحوادث الطبيعية من فيضان ماء وقلّة أمطار وزوابع وحريق وجراد أو كغزو أجنبي أو فعل الأمير. ولا يُعتبر السبب الممكن اجتنابه قوّة قاهرة إلاّ إذا أثبت المدين أنه استعمل كلّ الحزم في درئه وكذلك السبب الحادث من خطا متقدم من المدين فإنه لا يعتبر قوة قاهرة”

هذا الفصل يُعفي تماما المؤجّر من أيّ مسؤولية إذا اعتبرنا أنّ وباء “كورونا” وقرار الحجر الصحي يدخل في باب القوة القاهرة، ذلك أنّ المؤجّر لم يوقف العامل عن العمل. بل اضطرّ إلى إيقاف العمل نتيجة لقوة قاهرة تتمثل في قرار السلطات العمومية فرض الحجر الصحي وبالتالي فإنّ العامل لا يمكنه مطالبة مؤجّره بدفع أجر مقابل عمل لم ينجزه ونتيجة لتوقف العمل بقرار خارج عن نطاق هذا المؤجر.

هل يمكن القول إنّ الدولة هي المسؤولة وبالتالي يجب أن تتحمّل نتيجة قرارها وتقوم بخلاص أجر المعطّلين قسرا عن العمل؟

الأجر مسؤوليّة الدّولة

إنّ قرار الحجر الصحي هو قرار صادر عن السلطة العمومية. وقد فرض على المشغّل إيقاف الأشغال وفرض على العامل بطالة قسرية. وهذا يعني أنّ المشغّل لا يتحمّل أيّ مسؤولية في حين أنّ العامل سيكون متضرّرا دون قدرة على مجابهة الضرر ماديا وقانونيا.

ما هو الحل في هذا الوضع؟ هل يبقى العامل دون دخل خاصة إذا طالت مدة الحجر الصحي؟

إنّ الاطّلاع على تجارب بلدان أخرى يبيّن أنّ الدولة تقوم بدور حمائي للعمال في الأوضاع الاستثنائية مثل الوضع الذي نعيشه الآن.

فقد اعتبرت فرنسا مثلا أنّ العمال الذين أُجبروا على البطالة نتيجة الحجر الصحي في “وضع بطالة جزئية” (أو بطالة فنية) وفي هذه الحالة يتمتع العامل بنسبة من أجره تساوي 70% من الأجر الخام يدفعها المؤجر ولكن الدولة هي التي تتحمّل هذا العبء وتقوم فيما بعد بالتعويض للمؤجر.

في بلادنا لا يوجد حاليا حلّ قائم مماثل. وقد تمّ في وقت ما التفكير في بعث صندوق لضمان الشغل يموّل من العمال والأعراف والدولة وتُصرف موارده في حالات البطالة الفنية. غير أنّ هذا المشروع لم ير النور.

لذا فإنّ الحلول الممكنة حاليا ليست عديدة، ولكن يمكن أن نتصور أحد الحلين التاليين:

– اتفاق “أخلاقي” بين الشغالين والأعراف (عبر منظمتيهما) وهو ما تمّ فعلا بتاريخ 14 أفريل 2020 بين اتحادي الشغل والأعراف. غير أنّ منظمة الأعراف تراجعت عما ورد بالاتفاق وهذا يبيّن أنّ القانون هو الوحيد الفيصل وأنّ هذه المسائل لا تُحلّ أخلاقيا.

ولكننا نعتقد أنّ مصلحة المؤجّر نفسه تفرض عليه المحافظة على عمّاله وحمايتهم. فالعامل يمثّل الرأس المال الحقيقي للمؤسسة الاقتصادية. ومن حقنا أن نتساءل: أين هي الوحدة الوطنية التي كثيرا ما رفعوا شعارها في وجه العمال؟ أم أنّ الوحدة الوطنية ذات اتجاه واحد قصد حماية راس المال؟

لقد سارعت الحكومة باقتطاع يوم عمل من أجور ومرتبات العمال والموظفين دون غيرهم، في حين يمثل العمال أكبر متضرر من الأزمة الحالية وهو دليل على انحياز السلطة الطبقي.

– تحمّل الدولة عبء قرارها وتمكين العمال المعطلين بموجب قرارها من جزء من أجورهم يغطي العناصر المعيشية الأساسية.

ولكننا نعلم جميعا الوضع المالي الذي تعيشه البلاد من جهة وتوجّه الحكومة الحالية الليبرالي والمنحاز طبقيا من جهة أخرى ممّا يجعل هذا الحل بعيد المنال.

في النهاية يجد العامل في القطاع الخاص نفسه أمام وضع صعب، وهو ما يطرح على الاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب اليسار في تونس إحدى القضايا المهمة التي يجب النضال والعمل على إيجاد حل تشريعي مناسب لها مستقبلا لأنّ الكوارث قد تتعدد وتتجدد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×