الرئيسية / ملفات / 1 ماي / عاملات المنازل: معاناة يوميّة وحقوق منسيّة..
عاملات المنازل: معاناة يوميّة وحقوق منسيّة..

عاملات المنازل: معاناة يوميّة وحقوق منسيّة..

أسرار بن جويرة

يُعتبر العمل في المنازل من بين أقدم المهن في التاريخ. وقد تزامن ذلك مع ظهور التقسيم الطبقي وارتبط تاريخيا بالعبودية والاستغلال. أمّا في السنوات الأخيرة، فقد أصحبت الاستعانة بخدمات عاملي وعاملات المنازل حاجة ضرورية لدى عائلات الطبقات الوسطى بعدما كان محصورا في أوساط الطبقات البورجوازية والارستقراطية.

يُمثّل عاملو وعاملات المنازل حصة كبيرة من قوّة العمل العالمية، حيث قدّرت منظمة العمل الدولية عددهم/ن في العالم بـ55 مليون، معظمهم من النساء والفتيات و90% منهم مهاجرون ومهاجرات. ويُعتبر العمل في المنازل في تونس ثاني أكبر قطاع مشغّل للنساء بنسبة 77%، ويمثل ثاني قطاع نسائي بعد قطاع النسيج. ورغم أهميته والإقبال عليه فما يزال هذا القطاع هشا وغير منظم.

رغم التّغيرات العميقة التي شهدتها تونس في السنوات الأخيرة فيما يتعلّق بالقوانين، ما تزال عاملات المنازل تعانين من التجاهل. فيعتمد هذا القطاع على استغلال القاصرات المنحدرات من المناطق الريفية وغالبا ما يكون ذلك عبر شبكات منظّمة للسّمسرة بهنّ إن لم نقل بالاتّجار بالبشر، أو على نساء وضعيّتهن الاجتماعية والقانونية ضعيفة كالمهاجرات واللاجئات اللاتي يسقطن أحيانا هن أيضا ضحايا لشبكات الاتّجار بالبشر، أو على نساء من الأحياء الشعبيّة يفتقدن المهارات المهنيّة التي تؤهّلهن للعمل في قطاعات مهيكلة.

ونظرا لهذه الهشاشة فهنّ لا يستفدن من التّغطية الصحية ولا تحدّد ساعات عملهنّ اليومية ولا يحقّ لهن الحصول على يوم أو يومين كراحة أسبوعية أسوة بكافة العاملين والعاملات في مختلف المهن والقطاعات الأخرى، بل يخضع الأمر لرغبات أرباب المنازل. أمّا عن الأجور فهي ضعيفة وغير ثابتة لا تكفيهن العناية بظهورهنّ المنحنية طوال الوقت وربما حتى مداواة أجسادهن المتضرّرة المعنّفة من قبل مشغّليهن باعتبار أنّ معظمهنّ يتعرّضن للعنف الجسدي ولا تستطعن حتى الدفاع عن أنفسهنّ ولا مغادرة ذلك الجحيم خوفا من فقدان مورد الرزق الوحيد الذي يمكّنهن من النجاة، وأحيانا يعاملهنّ مشّغليهنّ كما لو أنّهن كنّ عبيدا فيعتنين بمنازلهم لساعات طويلة وهن يستمعن إلى سمفونيّة من الشّتم والسبّ والتّمييز على أساس الجنس والطبقة الاجتماعية وحتى على أساس الجهة. ولا تتمتّع أخريات بالحرمة الجسدية فيستغلّ أعرافهن سلطتهم المعنويّة والمادية ووجودهن في فضائهم الخاص للتحرش بهن وحتى اغتصابهن إن أتيحت لهم الفرصة مستبطنين ملكيتهم لهن.

وتبقى ظروف عملهن وما يحدث في عالم شغلهن غير قابل للإثبات لأنه يستحيل على متفقدي الشغل النفاذ إلى المنازل باعتبارها فضاءً خاصا لا يخضع لقانون الدوائر الشغلية وتبقى قضاياهن مرجع نظر قاضي القرب، هذا إن تمالكن قواهنّ وأردن التظلم لدى القضاء.

هذا ما سمعناه وعاينّاه في أيامهنّ العادية، معاناة متواصلة وتطبيع مع كل أنواع العنف مقابل ملاليم يسعيْن بها إلى تحقيق كرامة مهدورة. فكيف يكون حالهنّ في زمن جائحة أوقفت العالم وأفقدتهنّ مواطن شغلهن ”الهشة” فبقين حبيسات المنازل لا تشملهنّ حتى المنحة الاجتماعية ولا تذكرن في أيّ من الاستراتيجيات الوطنية.

وفي ظلّ تملّص الدولة من مسؤولياتها تجاه هذه الفئة الهشة وفي ظلّ غياب إطار تشريعي يحمي عاملات المنازل اجتماعيا وشغليّا وفي ظلّ عدم الاعتراف بهذا القطاع قطاعا شغليّا حيويا وفاعلا.. تبقى صرخاتهنّ مكتومة وحالتهنّ مأزومة ومورد رزقهن مهدد في كلّ آن وذواتهن معرّضة لكلّ ألوان العنف. ألم يحن الوقت لرفع هذه المظلمة عنهن؟ خاصّة وأنّ الاتفاقية 189 من منظمة العمل الدولية مازالت تراوح مكانها في انتظار مصادقة الدولة التونسية عليها رغم أنها ستحقق قفزة نوعية في ما يخصّ ضمان حقوق عاملات المنازل الماديّة والمعنوية والنقابية ولن يكلفها ذلك سوى مجهودا تشريعيا عادلا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×