الرئيسية / ملفات / ملف الفلاحة / عجز اتّحاد الفلاحة عن الدّفاع عنهم، هل حان الوقت لصغار وفقراء الفلاحين للتنظّم وحدهم؟
عجز اتّحاد الفلاحة عن الدّفاع عنهم، هل حان الوقت لصغار وفقراء الفلاحين للتنظّم وحدهم؟

عجز اتّحاد الفلاحة عن الدّفاع عنهم، هل حان الوقت لصغار وفقراء الفلاحين للتنظّم وحدهم؟

علي البعزاوي

يضمّ اتّحاد الفلاحين والصّيد البحري كلّ الفئات في القطاع من كبار الفلاحين المالكين للضّيعات الكبرى والمتوسّطين والصغار بمن فيهم الأكثر فقرا. ومحمول على هذه المنظّمة أن تدافع عن كلّ هذه الفئات وتتبنّى مطالبها وتحمي مصالحها. لكن الواقع أثبت وجود تعارض في المصالح بين هذه الفئات. فالفلّاحون الكبار الذين يشكّلون جزءً من البورجوازية الكمبرادورية يُهيْمِنون على أهمّ وسائل الإنتاج ويتمتّعون بالقروض والتّسهيلات المختلفة بما فيها الواردة بمجلّة الاستثمارات ويهيمنون على السّوق ويفرضون الأسعار ويجدون التسهيلات الضرورية لتسويق إنتاجهم خارج البلاد بدعمٍ من الدولة. هؤلاء مرتبطون بكبار الصناعيّين من أصحاب المعامل أو هم ينشطون على الواجهتين الصّناعية والفلاحية معا، ومطالبهم تختلف جذريّا عن مطالب بقيّة الفئات التي أمْست ضحيّة غطرستهم وهيمنتهم على السّوق.

إنّ متوسّطي وصغار وفقراء الفلّاحين بحاجة إلى القروض الميسّرة وإلى تسهيل اقتناء معدّات العمل والتزوّد بالبذور والأسمدة بما يساعد على الإنتاج وتوفير الأرباح والصمود في السوق. وهم لا يحصلون بسهولة على هذه المطالب ويضطرّون إلى الارتهان لشركات التّزويد للحصول على حاجياتهم من السّلع مقابل أسعارٍ مضاعفة، ممّا يجعلهم دائما في دائرة مُغلقة من الاقتراض والتّداين والعمل من أجل خلاص هذه الدّيون. وهم يعجزون في الغالب عن الإيفاء بمستحقّات المزوّدين فيضطرّوا إلى بيع أراضيهم والالتحاق بصفوف جيوش العمّال أو ترك النشاط الفلاحي والبحث عن عملٍ هنا أو هناك لتوفير مستلزمات العيش وإعالة الأسرة التي تنخرط بدورها نساءً وأطفالًا في العمل من أجل البقاء على قيد الحياة.

ويعجز اتّحاد الفلاحة والصيد البحري عن تقديم الدّعم لهذه الفئة ولا يُعِيرها الاهتمام الضّروري، رغم قوّتها العدديّة، مثلما يفعل مع كبار الفلاحين الذين، رغم قلّة عددهم بالقياس مع الفئات الأخرى، يسيطرون مِهَنيّا على القطاع ويوظّفونه كقوّة منظّمة لخدمة مصالحهم دون باقي الفئات التي رغم انخراطها في هذه المنظّمة إلّا أنّها لا تجني منها إلّا الفتات.

لقد لعب اتّحاد الفلاحة والصيد البحري منذ تأسيسه دورًا سياسيًّا داعما لنظام الحكم بدءً بالحزب الدستوري برئاسة بورقيبة وانتهاءً بالائتلاف الحاكم الحاليّ، مرورا بالتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، وهو دعمٌ محكومٌ بالمصالح المتبادلة: الولاء السّياسي مقابل خدمة المصالح الطبقيّة. والعديد من قيادات الصفّ الأوّل لهذه المنظمة تحمّلوا مسؤوليات متقدّمة في الحكم.

هذه الحقائق والواقع المزدوج من جهة وتعطّل مصالح الفلاحين من جهة ثانية ساهم في تدمير جزء مهمّ من قِوَى الإنتاج في القطاع وإحالتهم على البطالة القسريّة ودفع بالبعض مباشرة بعد الثّورة (ديسمبر 2011) إلى تأسيس النقابة الوطنية للفلّاحين التي سعت إلى الدفاع على كلّ فئات القطاع، لكنّها لم تنجح في فرض نفسها كمنظمة بديلة عن اتّحاد الفلاحة والصيد البحري. ونفس هذه الازدواجية في المهام هي التي قادت إلى فشل النقابة وإضعاف حظوظها في فرض نفسها كمعبّر فعليّ عن مصالح الفلاحين بكل فئاتهم. ولعلّ النقابة الوطنية للفلاحين تجد نفسها اليوم أمام خيارين: إمّا التّلاشي والتّهميش أو اختيار وجهة الدّفاع عن مصالح صغار وفقراء ومتوسّطي الفلاحين والبحّارة دون سواهم.

إنّ مصالح صغار وفقراء الفلاّحين تختلف جذريًّا عن مصالح كبار الفلّاحين. بل إنّ هذه المصالح مُتعارضة في الغالب. وبالتّالي فالحلّ الأفضل والجذريّ بالنسبة إلى هاتين الفئتين هو التنظّم في اتّحادٍ مستقلٍّ مختلف من حيث أهدافه مع اتّحاد الفلاحة والصيد البحري الخادم لمصالح البورجوازية الفلاحية، اتّحادٌ يعبّر عن مصالح صغار وفقراء الفلاحين وينظّم الدفاع عنهم في وجه تهميش الدّولة من جهة، وجشع واستغلال كبار الفلّاحين والمزوّدين من جهة أخرى.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

تسعة + أربعة =

إلى الأعلى
×