الرئيسية / ملفات / ملف الفلاحة / من يلتقط بذور الاستعمار يقع في فخّ الانتحار
من يلتقط بذور الاستعمار يقع في فخّ الانتحار

من يلتقط بذور الاستعمار يقع في فخّ الانتحار

ماهر الزعق

تكتسي مسألة البذور أهمية بالغة، ليس فقط لأنّ البذور هي حجر الزاوية في المنظومة الغذائية بل لأنّ للمسألة تداعيات اقتصادية واجتماعية وثقافية وصحية وبيئية عديدة ولأنّ لها انعكاسات خطيرة على حقوق الأجيال القادمة وعلى الأمن القومي وعلى السيادة الوطنية. هذه الورقة هي ملامسة لهذا الموضوع الشائك والمتشعب وهي دعوة لإعطائه الأهمية التي يستحق.

معطيات حول قطاع الفلاحة في تونس

– حوالي 32% من المساحة الجملية للبلاد هي أراضي فلاحية، أي ما يعادل 5.3 مليون هكتار. تمثل الغابات 12% من مساحة البلاد. وتتوزع الأراضي الفلاحية كما يلي: 2 مليون هكتار للأشجار المثمرة، منها 1.6 مليون هكتار لأشجار الزيتون، 2 مليون هكتار للزراعات الكبرى، 300 ألف هكتار مُخصّصة لزراعات مختلفة ومليون هكتار أراضي مُهملة.
– حولي 80% من الفلاحين لا يملكون سوى 20% من الأراضي الفلاحية، بمعدّل مساحة لا تتجاوز 2.5 هكتار، 20% من الفلاحين يملكون 80% من الأراضي، كما أنّ 20% من بين هؤلاء يملكون 75% من مجموع الأراضي التابعة لهذا الصنف.

– 54% من المستغلاّت الفلاحية لا تتجاوز 5 هكتارات و75% منها لا تتجاوز 10 هكتارات، 80% من قطع الأراضي التي تشتغل في إنتاج الحبوب لا تتجاوز 20 هكتارا.
– يساهم الإنتاج الفلاحي بـ12% من الناتج المحلي وبـ11% من مجهود التصدير ويوفّر 16% من مواطن الشغل القارة.

– تقدّر نسبة صغار الفلاحين بـ60%، أي قرابة 150 ألف فلاح، 12 ألف فلاّح غادروا العمل الفلاحي خلال سنة 2018 بسبب عدم القدرة على تحمّل تكاليف العمل الفلاحي وبسبب المردودية المنخفضة والمديونية المرتفعة.

– تقدّر مديونية الفلاحين بـ400 مليون دينار و2% فقط من الفلاحين لهم الحق في التمتّع بالقرض الموسمي.
– تُعتبر مردودية قطاع الحبوب ضعيفة فالهكتار الواحد في تونس لا يُنتج سوى 14 قنطار بينما معدل الإنتاج العالمي للهكتار هو 38 قنطار.
– تُخصّص الدولة سنويا 600 مليون دينار لتوريد الحبوب و100 مليون دينار لتوريد البذور
– لا توفِّر تونس سوى خُمس احتياجاتها من القمح اللين المستعمل في إنتاج الفارينة للخبز، أي أنّ الشعب يورِّد 4 خبزات على 5 يستهلكها.
– تُقدَّر تكاليف الوقود بـ 60% من مصاريف الفلاح في القطاع الزراعيّ و70% من مصاريفه في قطاع الصيد البحريّ.
– تبلغ نسبة أميّة الفلاحين 46%.
– يتراوح معدّل أعمار الفلاحين بين 48 و55 سنة ويتجاوز عمر 43% منهم الستّون عاما.
-تعاني الأوساط الريفية من تدنّي البنية التحتية ومن افتقار للمرافق الأساسية (طرقات، كهرباء، ماء صالح للشراب، مدارس، معاهد، مستشفيات، دور ثقافة، ملاعب رياضية، فظاءات ترفيهية)

هذه مجموعة من الأرقام التي تنطق من تلقاء نفسها ولا تحتاج إلى تعليق بل تدعونا إلى الاستنتاج والتقييم.

من يتحكّم في البذور يسيطر على الغذاء ومن يسيطر على الغذاء يتحكّم في الشعوب

أحد الفِخاخ التي تنصبها الدول الإمبريالية للشعوب المُفقّرة وللبلدان المُتخلّفة من أجل الإيقاع بها ونهبها وإخضاعها هو فخّ البذور الهجينة والمعدلّة جينيا.

بتواطؤ مع أنظمة الدول التابعة تقوم الشركات المتعدّدة الجنسيات والمهيمنة على قطاع البذور في العالم والتي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، (بعد أن اندمج عملاق البذور”مونسانتو” مع شركة “بيــار” بتكلفة 65 مليار دولار) والتي تحتكر 3/2 من إنتاج وتوزيع البذور وتتحكّم في 4/3 من أسواق المبيدات والأسمدة الكيميائية والأدوية والمُخصّبات. تقوم هذه الشركات بالإغراق التدريجي للأسواق بالبذور الهجينة لتعوّض شيئا فشيئا البذور المحلية. في البداية تُروّج البذور بأسعار معقولة وبمردودية مُغرية، تقوم هذه الشركات أيضا بنهب البذور المحلية وبالاستيلاء على المشاتل الأصلية لتُعدّل جينيا بشكل طفيف لكن حاسم. ثم يتمّ تسجيلها في سجّل الابتكارات فتضمن بذلك حقوق الملكية الفكرية واحتكار إنتاجها وتوزيعها وتكتسب الحقّ في ملاحقة كلّ من يتجرّأ على تبادل أو توزيع البذور المحلية.

بعد أن تتأكد من أنّ الفلاحين قد استغنوا عن بذورهم الأصلية ولم يعودوا إلى تخزينها ولا يمكنهم توزيعها، تكون حينئذ قد حقّقت الهيمنة الخالصة والتامّة على سوق البذور، حينها تصطنع النُدرة كلّما تشاء وترفع الأسعار مثلما تريد وبذلك تتحكّم في غذاء المليارات من البشر وترهن سيادة العديد من البلدان وتراكم أرباحا خيالية لتضاعف الهيمنة والاحتكار والتوسع.

تخسر البذور الهجينة مناعتها بسرعة ويتراجع مردودها بحدّة وتحتاج إلى كميات كبيرة من الأدوية والمبيدات والأسمدة والمخصّبات وبصدفة تشبه العمد، نجد أنّ شركات البذور هي من يتحكّم في إنتاج وتجارة هذه الملحقات ثم نكتشف العلاقة الوثيقة بينها وبين شركات المساحات التجارية الكبرى التي تسوّق الأغذية وكذلك تبرز العلاقة المتينة بينها وبين المؤسسات الدعائية التي توجّه الميولات الاستهلاكية وتحدّد الاختيارات الغذائية.

هذا الأخطبوط الذي استولى على إرث البشرية من النباتات الطبيعية والذي يوجّه عاداتنا الاستهلاكية ويقولب أذواقنا الغذائية، هو العصب الرئيسي الذي يتحكّم في غذاء البشر من البذرة إلى الفم.

النتائج الكارثية لاستخدام البذور الهجينة

من الضروري وضع النقاط على الحروف بخصوص استعمال البذور الهجينة

* البذور الهجينة تُنتج عن استخدام جينات نهائية أو تقنيات تقييد الاستخدام الجيني، لذلك هي بذور عقيمة، محاصيلها لا تنتج بذور جديدة، تحطّم الدورة الزراعية، لا تُمكّن الفلاح من زراعة ممّا يحصد وتجبره على شراء بذور جديدة كل سنة وتضّطر الدول لاستيرادها باستمرار.
*تؤدّي هذه البذور إلى التصحّر الجيني 75% من التنوع الجيني، فقد تراجع عدد أصناف بذور القمح التونسي من 100 صنف قبل 1956 إلى 9 أصناف في الوقت الحاضر، في الفيليبين مثلا تراجعت أصناف بذرة القطن من 4000 صنف إلى 3 فقط.
*تحتاج البذور المورّدة، ذات المناعة الضعيفة إلى كميات كبيرة من المواد الكيميائية والأدوية والأسمدة والمبيدات والمخصّبات ممّا يضاعف أعباء المزارعين ويزيد من حجم الأموال المهدورة.
*تؤدي هذه المواد الكيميائية إلى انتهاك البيئة وتدهور التربة وتلوّث الماء وإلى آفات زراعية متتالية.
*تحتاج هذه البذور إلى كميات وافرة من الماء لتؤمن محاصيل جيدة، ممّا يسبب في هدر متواصل للمخزون المائي.
*إغراق السوق بالبذور الهجينة يؤدي إلى اندثار البذور المحلية، إلى اندثار بذورنا المتأقلمة والمتكيفة مع المناخ والتربة ذات المناعة العالية والكلفة المتواضعة التي تحافظ على التنوع البيولوجي ولا تحتاج إلى الكثير من الأسمدة والأدوية، تراجع استعمال بذورنا من 65% سنة 1975 إلى 25% سنة 2004 إلى 5% في الوقت الحاضر ولم يقتصر التوريد على بذور الحبوب. بل امتد ليشمل بذور الخضروات والعلف والزيتون بعد أن تمّ الاستغناء عن أصول الزيتون التونسي المُعمّر ليُستبدل بالزيتون الاسباني.
*تكاليف البذور الهجينة لا تُطاق وأرباحها ضعيفة ونوعيتها رديئة، استيرادها يكلّف الدولة سنويا 100 مليون دينار، البذرة الواحدة للفلفل أو الطماطم تتكلّف بـ300 مليم وسعر الكيلو الواحد من بذور الدلاّع تصل إلى 3 آلاف دينار.
*تُعرّض البذور الهجينة المزارعين إلى أنواع من التسمّم الحادّ والمزمن وتتسبب في التشوّهات الخلقية والأمراض السرطانية وأمراض التوحّد والزهامير والبركنسون والعقم وتخلّف النمو الذهني والجسماني… وبصدفة تشبه العمد، نجد أنّ شركة “بيــار” المهيمنة على قطاع البذور وملحقاته تمتلك أحد أكبر المخابر العالمية في صناعة الأدوية والفيتامينات.

من يحمي الفلاح التونسي أمام تغوّل تجّار البذور وتوابعها؟

هذا الفخّ ما كان له أن يُفضي إلى نتائج كارثية لولا مساعدة السلطات المحلية المتواطئة مع الرأس مال الفاسد وذلك عبر مختلف الأساليب والتدابير، نذكر منها:

* دور رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد والذي كان يشتغل في السفارة الأمريكية مُكلّف بالملف الفلاحي، دوره في مساعدة السلطات الأمريكية في فهم ما يجري في تونس في مجال الزراعة ومجال قوانين السلامة الإحيائية ممّا مكّن الشركات العالمية من توسيع قاعدتها من الفلاحين الذين يشترون بذورها عن طريق وكيلها المحلي شركة “كوتيقران”.
*لا تقدّم السلطات التونسية يد المساعدة للفلاحين للقيام بتسجيل البذور المحلية في بنك الجينات، بينما القانون يحمي البذور الهجينة بدعوى حقوق الملكية الفكرية ويمنع الفلاحين من تبادل أو توزيع البذور التي يجنونها من حقولهم.
*لا يوجد قانون يمنع تهريب البذور المحلية، بذورنا وغاباتنا مستباحة والعديد من البذور مُصنّفة من الخارج رغم أنّ 70% من جيناتها تونسية.
*قانون السلامة الإحيائية ينتظر النظر والمصادقة من نواب الشعب. هذا القانون لا ينوي منع استيراد والتجارة في الأغذية المُحوّرة جينيا
*غياب استراتيجية وطنية لاسترجاع وحفظ وتثمين الموروث الجيني الوطني للبذور والمشاتل، ما أدّى إلى ضعف عدد الأصناف المحلية المسترجعة من بنوك الجينات الأجنبية وما جعل الموروث الجيني للنباتات والمشاتل المحلية يضيع ويتمّ إتلافه.
*لا تتمّ محاسبة الشركات العالمية على تجاوزاتها العديدة والمتكرّرة، علما وأنّ عملاق تجارة البذور شركة “موسانتو” قد اضطرّت لدفع 160 مليون دولار للدولة الأمريكية إثر اتهامها بممارسات احتيال وتلاعب ومنافسة غير شريفة.
*خوصصة قطاع توريد وتوزيع البذور.
*التقصير في مراقبة ملفات التوريد وفي متابعة مصير البذور المرفوضة (حسب تقرير دائرة المحاسبات).
*افتقار الجديّة في اختبار البذور قبل توزيعها، ممّا أدّى إلى تراجع مردوديتها وإلى ظهور أمراض جديدة وإلى إتلاف محاصيل كاملة في مرّات عديدة.
*لا تخلو تجارة البذور من الغشّ والتهريب والاحتكار (70%من تجارة البذور بين أيدي أباطرة السوق السوداء) ما فاقم من أعباء المزارعين وضاعف مديونيتهم.

في الخلاصة، فإنّ مخلّفات وأضرار بذور الموت لا تقتصر على الفلاحة وعلى الفلاّح ولا على صحّة المواطن وقدرته الشرائية ولا على تدمير البيئة وإتلاف الثروات الجينية ولا على إهدار مقدّرات البلاد ومواردها المالية، بل هي انتهاك صارخ للأمن القومي وللسيادة الوطنية.

السّياسة الفلاحيّة في تونس: هشاشة الأمن الغذائي وانعدام الاكتفاء الذّاتي

ضمن التوجّهات العامّة للاقتصاد التونسي تندرج التوجّهات العامّة للقطاع الفلاحي والتي تعبّر عن مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي ومجتمعي مرتهن للخارج وفي خدمة أقلية محلية من كبار مالكي الأراضي والمستثمرين الفلاحيين، مشروع قائم على تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي وبنود اتفاقيات الشراكة وشروط الاقتراض.

من تجلّيات هذه السياسة في المجال الزراعي نذكر:

*رفع الحواجز الجمركية على واردات المنتجات الزراعية الأساسية.
*التخلي عن الزراعة الغذائية وتحويلها إلى زراعة ريعية منتجة للسوق الدولية.
*انتهاج سياسة مركّزة على التصدير، دون الأخذ في الاعتبار الحاجيات المحلية، ما يعني إنتاج ما يحتاجه المُستعمر(تمور، زيت الزيتون، قوارص..)
*القضاء على تنوع النشاط الفلاحي وتشجيع الفلاحة الأحادية والمتخصّصة.
*التفويت في الأراضي الدولية لحفنة من كبار المستثمرين الأجانب والمحليين.
*التعويل على التوريد لتوفير الحاجيات الغذائية الأساسية والتخلّي التدريجي على دعم إنتاجها.

إنّ تبني هذا النمط من الإنتاج وتطبيق هذه التوجهات أدّى ويؤدِّي إلى جملة النتائج المدمّرة من أهمّها:

-تدمير الإمكانيات الزراعية لصغار ومتوسطي المزارعين، مما زاد في تفقيرهم وأفضى إلى إفلاسهم وتركهم العمل الفلاحي.

– استنزاف الثروات الطبيعية والموارد المائية وتخريب المخزون الوطني من البذور المحلية.
– ارتفاع أسعار المواد الغذائية ممّا تسبّب في تراجع استهلاك المواد الأساسية وخلق حالة من الغبن الاجتماعي إزاء العديد من المنتوجات التونسية المتوفرة بكثرة. لكن يتمّ ترويجها بأسعار مستحيلة.(التمور وزيت الزيتون مثالا)
– تواتر عمليات مشبوهة متعلّقة بحرق المحاصيل أو بصعوبة تخزينها أو بافتقادها من الأسواق، ما يخدم مصالح لوبيات الفساد وأباطرة التهريب والتوريد والمضاربة والاحتكار.
– إهدار مقدّرات البلاد من العملة الصعبة وتوجيهها إلى الاستيراد وتسديد الديون.
– تحطيم التجارب التعاونية للجمعيات الفلاحية عبر تعميق صعوباتها الهيكلية والمادية.

في مجمل القول إنّ التوجه القائم على تبنّي مقولة الأمن الغذائي، أي توفير الغذاء دون اشتراط ارتباطه بعملية الإنتاج الفلاحي المحلي ودون الخوض في سبل وإمكانيات توفيره، هو تبنّي مقولة مخادعة وخطيرة، هو تبنّي نمط إنتاج يضمن مصالح المستثمرين العالميين في تجارة الغذاء، مقابل تجويع الشعوب وتفقير صغار ومتوسطي الفلاحين وتخريب البيئة والتفريط في السيادة الغذائية والسيادة الوطنية بشكل عامّ.

السّيادة الغذائيّة وزراعة بذور الأمـل

يقع مصطلح السيادة الغذائية على طرف النقيض من مصطلح الأمن الغذائي. فالسيادة الغذائية تستوجب بلورة خطط واستراتيجيات كفيلة بتحقيق سيادة فلاحية، يكون الفلاحون عمودها الفقري ويكون توفير الاحتياجات الغذائية الضرورية هو هدفها الأوّل وترتكز السيادة الغذائية على جملة من المقوّمات منها:

*إعطاء الأهمية المطلقة للإنتاج المحلي لكي يلبّي الحاجيات الغذائية لعموم أفراد الشعب.
*الاعتراف لصغار ولمتوسطي الفلاحين المنتجين الحقيقيين للغذاء والذين يؤمّنون دورا رئيسيا في الإنتاج الزراعي والغذائي بحقّهم في النفاذ إلى الأرض والماء والبذور لضمان تغذية سليمة وملائمة للخصوصيات الثقافية والمنتجة بطرق مستدامة ومحترمة للبيئة.
*ضمان حقّ المواطن في تحديد توجهات السياسة الزراعية واختيار الأولويات الغذائية وفي حقّهم في اختيار ما يريدون استهلاكه ومعرفة مصدره وكيفية إنتاجه.
*التمسك بحق الدولة في اتخاذ إجراءات حمائية للواردات الزراعية والغذائية وضرورة ربط أسعار المواد الغذائية بتكاليف الإنتاج حتى يضمن صغار ومتوسطو الفلاحين إمكانيات العيش الكريم واستدامة نمط إنتاجهم الفلاحي.
*صياغة سياسة غذائية بديلة تناقض منطق الربح والاحتكار والاستغلال المفرط للثروات الطبيعية كالماء والأرض والبذور، سياسة تقوم الدولة فيها بدور محوري في عملية الإنتاج الفلاحي، سياسة تقوم على إعادة توزيع الأراضي وعلى تشجيع العمل المشترك لأصحاب الأراضي الصغيرة، سياسة تقوم على تجديد البنية التحتية وعلى مراجعة التوجّه التصديري وعلى المحافظة على مصالح الأجيال القادمة.

إيلاء منظومة البذور دورا مركزيا في تأمين السيادة الغذائية وذلك بـ:

– دعم إنتاج وتخزين البذور بالتعاون مع صغار ومتوسطي الفلاحين والمرأة الريفية والدفع نحو الاقتصاد التشاركي في هذا المجال.
– وضع استراتيجية وطنية لاسترجاع البذور المحلية من بنوك الجينات الأجنبية.
– تشديد المراقبة على البذور المورّدة ومكافحة تهريب ونهب واحتكار البذور المحلية.
– سنّ منظومة قانونية كفيلة بحماية البذور المحلية من تغوّل وسطوة الشركات العالمية.
– تشجيع البحث العلمي الفلاحي في إيجاد أصناف جديدة من البذور.

في المحصّلة، نعتقد أن تبنّي مقولة السيادة الغذائية عوضا عن مقولة الأمن الغذائي هو تعبير عن موقف من الاستعمار الغذائي، وهو الخطوة الأولى في مقاومة أقلية من المستثمرين والمضاربين الماليين في مجال الزراعة والغذاء والمحتكرين لأغلب ضروريات الإنتاج الفلاحي ونعتقد أنّ الحلقة الرئيسية في هذه المقاومة تكمن في قلب المعادلات والقوانين المتحكمة في منظومة البذور من أجل استبدال تفشي بذور الموت بزراعة بذور الأمل.

مع الأليكـا، ختـامها قحـــــط

ليست الأليكا(اتفاقية التبادل الحرّ والشامل والمعمّق مع الاتحاد الأوروبي) سوى حلقة إضافية في سلسلة آليات النهب والإخضاع للشعوب المُفقّرة والبلدان المُتخلّفة، مثلها مثل بقيّة اتفاقيات الهيمنة وتدخلاّت المؤسسات المالية الدولية والدول الإمبريالية التي:

ـ تعمل على تعميم نمط الفلاحة التجارية الذي يجعل الغذاء سلعة تخضع لمنطق العرض والطلب والمضاربات في البورصة وأداة لإدارة الحروب والحصار الاقتصادي.
ـ تروّج لمفهوم الأمن الغذائي الذي يعبّر عن مشروع ينتصر لمصالح أقلية من المستثمرين العالميين في تجارة الغذاء مقابل تجويع أغلبية البشر وتفقير صغار ومتوسطي الفلاحين وعرقلة تحرّر الشعوب.
ـ تحتكر البذور والمبيدات والأدوية والأسمدة وتُؤمِّن هيمنة المساحات التجارية الكبرى على قطاع توزيع الأغذية تؤدي إلى انهيار الفلاحة والمجتمعات الفلاحية.
ـ تتسبّب في الارتفاع المفرط لأسعار المنتوجات الغذائية وفي التسريحات الكثيفة للعمّال والموظفين وفي تدمير الخدمات الاجتماعية لتحرم مئات الملايين من الحق في التعليم والصحّة وفي الغذاء السليم.
ـ تكرّس الاستعمار الغذائي والمُتاجرة بالمجاعات حيث أنّ تبعيّة بلدان الجنوب في مجال الأغذية تبلغ 90% وحيث أنّ مليار من البشر يعانون من المجاعة وكلّ أربع ثواني يموت إنسان من الجوع بينما يشتكي من السمنة وزيادة الوزن 1.3 مليار من البشر.

*علينا إدراك آليات الاستعمار الزراعي وأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية.
*علينا إدراك أنّ المجاعة لا يسبّبها نقص الغذاء، بل إنّ فوائض الغذاء العالمية تُستعمل لزعزعة الإنتاج الزراعي في البلدان المتخلفة.
*علينا إدراك أنّ زيادة الإنتاج لا تحمي من الجوع وأنّ المشكل ليس في توفير الغذاء بل إمكانية الوصول إليه.
*علينا النضال من أجل وضع حدّ للسياسات المدمِّرة في مختلف المجالات والعمل من أجل إرساء فلاحة بديلة تنتصر لصغار ومتوسطي الفلاحين ولحقّ الشعوب في التغذية الصحية وغير المشروطة.
*علينا احترام التربة، ذلك الحليف الصامت للبشرية لأنّ عطاء الأرض لا حدود له عندما نحترم قوانينها أمّا إذا أطعمناها سموما فستردّها إلينا بشكل أو بآخر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×