الرئيسية / صوت الوطن / من بوادر النّهوض إلى الإطلالة القويّة
من بوادر النّهوض إلى الإطلالة القويّة

من بوادر النّهوض إلى الإطلالة القويّة

عمار عمروسية 

“الرّيح عاتية وبيوتهم قش
والكفّ عالية وزجاجهم هشّ”
أولاد احمد

يبدو أنّ الحركة الاجتماعيّة قد التقطت بسرعة أنفاسها ومرّت إلى تسريع مناواشاتها ضدّ خيارات منظومة التّفقير والتّهميش. فالحصيلة العامّة لهذا اليوم ذات دلالات كبيرة تدفع إلى الاعتقاد بأنّ الحراك الشعبي قد انتقل إلى طور جديد من شأنه أن يضيّق الخناق على القائمين على إدارة شؤون البلاد.

فاحتجاجات اليوم مختلفة عن الأيّام الفارطة. فهي أوسع من زاوية دخول قوى وشرائح اجتماعيّة إلى حلبة المطالبين بالحقوق. وهي أعمّ من ناحية المساحات الجغرافية.

ففعاليّات الغضب في السّاحات العامّة وأمام مؤسسات الحكم تكاد تكون شاملة من الجنوب إلى الشمال وقوى رفض سياسات الخراب متعدّدة فيها جيش الميدعات البيضاء ونعني الإطار شبه الطبي وجامعتهم العامّة وفيها فيالق المعطلّين من ذوي الشهادات العليا وغيرهم وفيها أصحاب المهن الحرّة (أصحاب اللواجات، مدارس السياقة بحارة الخ…).

المعدمون والمهمّشون والكثير من ضحايا سياسات التّوحشّ نهضوا اليوم لنفض الغبار عن أنفسهم والالتحاق من النّاحية الموضوعيّة بمدينة النّسيان و”الحقرة” “حاجب العيون”.

كلّ طور، وكلّ عشريّة تقريبا لها قراها ومدنها الصّامدة وأحكام التّاريخ وحيثيات واقع الصّراع الطبقي هذه الأيّام دفعت ببلدة “الحاجب” المنكوبة وأهاليها إلى مرتبة المثال في كسر الهدوء المغشوش وتحمّل أعباء الشموع التّي تحترق لإنارة الدّرب والطّريق أمام نهوض الحركة الاجتماعيّة والشعبيّة.

فإطلالة اليوم ثمرة اعتمال عوامل عديدة مرتبطة بالأزمة العميقة والشاملة التي تعصف بالبلاد وهو أمر منتظر من كلّ متابع نزيه لأوضاع البؤس الكبير الذي أضحى عليه السّواد الأعظم من شعب تونس حتّى قبل جائحة “كورونا”.

وفوق ذلك فتجربة بلادنا في العشرية الماضية أظهرت بما لا يدع للشكّ أنّ الحركة الاجتماعيّة رغم نقائصها الكبيرة في الوعي والتّنظيم وغيرهما مثلّت حجر العثرة المهمّ وأحد خطوط الدّفاع القويّة أمام هجوم الحكومات المتعاقبة.

ومثلما أسلف، فإطلالة اليوم مرتقبة ونذرها الأولى بادية للعيان غير أنّ متّنفذي اليوم مثل سابقيهم يمارسون سياسة التّجاهل وإدارة الوجه عن واقع الرّمال المتّحركة تحت كراسيهم البالية والمهتزّة.

تختنق الحياة الاجتماعية والسياسية وتنحو نحو الانفجار الواسع وجماعة “الدّولة العادلة والقويّة”!!! يسقطون في أبشع مربعات تعميق الفوارق الطبقية والاختلالات الجهويّة ضمن ضعف وخضوع أمام لوبيات الفساد والإثرإء الفاحش على حساب العمّال والأجراء وصغار الفلاحين وجيوش العاطلين.

تبدي الدّولة وهنها أمام المفسدين وتحتضنهم في كلّ الجرائم وبالتّوازي مع ذلك تكشرّ عن أنيابها أمام طالبي الحقوق المشروعة ومعارضيها.

فالوقائع بيّنت أنّ منظومة الحكم سريعة في نجدة أصحاب الثّروات الكبرى (تعويضات عن أضرار،) متثاقلة في تخفيف أعباء ضائقة الكادحين والمهمّشين.

أفضع من ذلك فحكومة “الوضوح” والشفافية” و”الانتصار للشعب”!!! أماطت اللثام في منشور رئيس الحكومة المتّعلق بميزانية 2021 عن إصرارها على سلخ ماتبقّى من جلود صانعي الثروة.

وعلى أيّ حال فمعزوفة غضب اليوم هي بداية سنفونية طويلة لأصحاب كلّ الحقوق المغتصبة وسط أزمة مستفحلة لمنظومة حكم وضعت نفسها في مرمى السّواعد الجبارّة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×