الرئيسية / صوت الوطن / سيرك المشاورات واللّعب على الحافّة
سيرك المشاورات واللّعب على الحافّة

سيرك المشاورات واللّعب على الحافّة

عمار عمروسية

يواصل السيّد “المشيشي” جولة مشاوراته لتشكيل “الحكومة” ضمن “مارطون” لقاءات وخليط غريب من الشخصيات التّي تدوالت في عهود مختلفة على تنظيم تقهقر البلاد وخرابها.
فالرّجل أعاد إلى “قصر الضيافة” حركية تجاوزت جميع سابقيه ونفض الغبار عن وجوه خرجت أو تكاد من ذاكرة الجزء الأكبر من التّونسيات والتّونسيين.
فاللّقاء يتبعه لقاءات والصّورة تعقبها صور وتصريحات مقتضبة.
“قصر الضيافة” جمع القلّة الباقية على قيد الحياة من عهد الرّاحل “بورقيبة” إلى “رجالات بن علي” مرورا بطبيعة الحال بأباطرة ثوّار الرّخاء الدّيموقراطي المعطّر بالمال الفاسد والمحكوم بالولاء لما وراء البحار!!!
قطار مشاورات المكّلف الجديد يسير دون ضوابط سياسيّة وأهداف واضحة من تلك اللقاءات ممّا يفتح الباب واسعا أمام قراءات متّعددة ومتباينة لهذا المسار ومآلاته بانتهاء المهلة الدستورية.
فمشاورات هذه الأيّام شبيهة بـ”كاركوز” “الحبيب الجملي” الذي انتهى إلى فشل ذريع غير مسبوق في بلادنا.
وهي مختلفة جوهريا عن سابقتها لأنّ مكلّف اليوم يداعب كلّ ضيوفه من شرفة قصر “قرطاج” المتعالية عن أحزاب الرّيح الانتخابيّ ونواب “باردو”.
مثلما أسلف “دار الضيافة” تعجّ بزوّارها ويكاد الأموات وحدهم لا يحضرون، غير أنّ الغموض سيّد الحضور في القضايا الأساسيّة مثل هوية الحكومة القادمة وبرنامج عملها والبعض من شخوصها الخ…
كلّ الأمور مبهمة، فالمكلّف يسمع ولا يتكلّم إلاّ بما يزيد المشهد تشويشا وإرباكا مثل قوله “البرنامج حاضر من قبل!!! وهو – أي البرنامج” في خدمة النّاس!!!
غموض “دار الضيافة” هو جزء من السبورة السوداء في “قرطاج” تلك الظلمة التي تحكمها حسابات سياسيّة دقيقة بدأت بعض مفاصلها الأساسية في الانكشاف والتّبلور نحو جمهورية الرئيس وشعب الرئيس ونحت ديموقراطيّة بلا أحزاب ودون جمعيات مستقلّة وسط إعلام خاضع لحكم الفرد وشعب صامت ذليل يقتات من صدقة “الفاروق” وإحسان “الزعيم “.
فالغموض الذي نتحدّث عنه قد يكون وضوحا لدى صاحب التّكليف وقلّة من مريديه ممّا يجعل من حكاية المشاورات عبثا وفي أحسن الحالات ذريعة لوضع أحزاب المشهد الرّسميّ ونوابهم أمام شرب كأس قرطاج كما هو أو المرور إلى انتخابات مبكّرة خلال 90 يوما أو أكثر فالمداخل الدّستوريّة تسمح بالتّجاوز وبراعات تأويل النّصوص الدّستوريّة جاهزة وفي الخدمة في ظلّ غياب المحكمة الدّستوريّة.
فالمعطيات الحاصلة تدفع إلى الاعتقاد بأنّ مشروب “الرئيس” حكومة غير سياسيّة ومن الممكن جدّا أنّ هيكلتها وطاقمها جاهزان منذ مدّة وما على الجميع سوى الانخراط من جديد في سياقات الغشّ والتّحايل على شاكلة “المصلحة العليا” و”الضّرورة”!!!
فالمشهد السيّاسي مزدحم بمافيات المال والوصوليين وجماعة “ميحي مع لرياح”.
فالرّيح في ظاهرها شعبويّة مع طواحين قرطاج ومن الممكن أن يسايرها ولو إلى حين نوّاب التّمعش الدّيموقراطي. ومن الممكن أيضا أن تعاكسها الحسابات الضيّقة والهابطة لجبهة “حزب النّهضة “.
فموازين القوى بين جبهتي الصّراع في البرلمان متقاربة والحسابات دقيقة ومخيفة لهما، الأمر الذي يجعل تطّور الأوضاع مفتوحا نحو أكثر من سيناريو، غير أنّ كلّ تلك المآلات ليست في صالح تونس وشعبها.
فأطراف الحكم المتصارعة تقود معاركها لحسابات بعيدة عن القضايا الحارقة لعمّال تونس وفلاّحيها وشبابها ونسوتها.
فالبلد في أسوإ حالاته على جميع الأصعدة كما لم يحدث من قبل باعتراف الجميع. وجميع المؤشرات الموضوعيّة تدفع إلى الاعتقاد أولاّ بأنّ الأمور لاعتبارات وطنية ودوليّة تسير نحو مزيد التّقهقر الذي يذهب ضحيّته السّواد الأعظم من الشعب.
فحروب الفوق على السلطة ومنافعها تضع الوطن والشعب والحرية في مخاطر كبرى.
فالبلاد في العشر سنوات الماضيّة جرّبت كلّ أنواع الحكومات (ترويكا، كفاءات، وحدة وطنيّة…) وانتهت جميعها إلى مآزق وضع الدّولة في نهاية المطاف في مربع الدّول الفاشلة ورمى بها في أتون الإفلاس.
فالقادم من ألعوبة المشاورات والضّحك على الذّقون لن يكون سوى تعفينا جديدا للأزمة العميقة والشاملة التي تردّت فيها البلاد والخلاص لن يكون مرّة أخرى إلأّ من خارج المنظومة الفاسدة وعلى أنقاضها.
عمار عمروسية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×