الرئيسية / صوت الوطن / الاتفاقيّة العسكرية الأمريكية التونسية والسيادة الوطنية المهدورة
الاتفاقيّة العسكرية الأمريكية التونسية والسيادة الوطنية المهدورة

الاتفاقيّة العسكرية الأمريكية التونسية والسيادة الوطنية المهدورة

حبيب الزموري

أدى وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر زيارة إلى تونس يوم الأربعاء 30 سبتمبر 2020 في إطار جولته المغاربية التي قادته أيضا إلى الجزائر والمغرب. وتأتي هذه الزيارة في سياق وضع إقليمي ودولي شديد التعقيد والتوتر، حيث احتدّ الصراع بين القوى العالمية والاقليمية حول ترتيبات الوضع النهائي في ليبيا. كما نزلت الإدارة الأمريكية بكل ثقلها في المنطقة لدفع عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني في المنطقة وإدماجه في المجال العربي والمتوسطي. كما أصبحت إفريقيا مسرحا لصراع مفتوح بين القوى الكبرى في العالم وأساسا الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وفرنسا حول مناطق النفوذ والهيمنة الذي تبدو فيه فرنسا إلى حد الآن الخاسر الأكبر. وفي سياق وضع محلي تفاقم فيه عجز الائتلاف الحاكم في تونس عن الحد من تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الشاملة ناهيك عن إيجاد الحلول لمعالجتها. أما على المستوى الخارجي فإنّ السياسة الخارجية للائتلاف الطبقي الحاكم في تونس منذ 2011 قد كرس تبعية البلاد للقوى الامبريالية ولوكلائها الاقليميين من الأنظمة الرجعية. وفي ظل الخراب الذي ألحقه هذا الائتلاف بكافة الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية فقدت البلاد حتى هامش المناورة والتفاوض واقتصرت علاقاتها الخارجية مع هذه القوى على الإذعان والخضوع.

في ظل هذا السياق المحلي والاقليمي والدولي جاء وزير الدفاع الأمريكي حاملا معه اتفاقية عسكرية طويلة الأمد (10 سنوات) للتوقيع وليس للتشاور أو التفاوض رغم محاولة وسائل الإعلام الرسمية إخراج احتفالية التوقيع على الاتفاقية إخراجا يحفظ ماء وجه الائتلاف الحاكم وهو ما يبرز من خلال التعامل الانتقائي مع بنود الاتفاقية وإخفاء بعض بنودها وأهدافها عن الشعب التونسي. ولكن خطاب وزير الدفاع الأمريكي في مقبرة العسكريين الأمريكيين بتونس والتقارير الإعلامية الصادرة عن أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا) فضحت تهافت رؤوس السلطة في تونس ومغالطتهم للرأي العام وللشعب التونسي وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية الذي اكتفى كالعادة بالشقشقات اللغوية للتغني “بعراقة العلاقات التونسية الأمريكية وعمق الأواصر التي تجمع بينهما ودور الفكر الحر والثقافة والتعليم في المساهمة في القضاء على الإرهاب”.

لقد تم الإعلان من قبل وزير الدفاع التونسي ووزير الدفاع الأمريكي عن بعض بنود الاتفاقية مركزين مجال التدريب والتكوين العسكري لا سيما في حال قررت تونس شراء أسلحة دقيقة. ولكن هذا التعاون في مجال التدريب والتكوين لم ينقطع بين تونس والولايات المتحدة بل تم دعمه بالاتفاقية الممضاة سنة 2015 التي أكدت أنّ اهتمام البنتاغون بتونس هو اهتمام استراتيجي في ظل تنامي نشاط الجماعات الإرهابية في ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي. وبالفعل فقد كان التكوين والتدريب والمناورات المشتركة الغطاء المثالي لتواجد القوات الأمريكية على الأراضي التونسية في ظل تواتر التخمينات والأخبار غير المؤكدة حول نشاط عسكري أمريكي على الأراضي التونسية مرتبط بتسيير ومراقبة الطلعات الجوية للطائرات الأمريكية دون طيار. وهو ما نفته السلطات التونسية رغم إعلان أفريكوم في بيان لها في ماي 2020 اعتزامها إرسال قوات دعم إلى تونس لمواجهة تأزم الأوضاع في ليبيا مما سبب إحراجا كبيرا للسلطات التونسية التي سارعت بتكذيب الخبر .

وتواصل تهافت السلطات التونسية وارتباكها مع إمضاء الاتفاقية الأخيرة بإعلان وزير الدفاع الأمريكي عما حاول رموز السلطة التستر عنه وإخفائه عن الرأي العام والشعب التونسي بتصريحه أنّ هذه الاتفاقية موجهة للتصدي “للمتطرفين والذين يمثلون تهديدا”. وأيضا “منافسينا الاستراتيجيين الصين وروسيا “بسلوكهما السيئ”، أي أنّ هذا الائتلاف الطبقي الحاكم وبعد أن زجّ ببلادنا في أحلاف ومحاور إقليمية رجعية ها هو يمعن في نفس التوجه بتوريط تونس في صراع دولي وفي المعسكر الأكثر وحشية ودموية ومعاداة لحقوق الشعوب.

لم يعد للائتلاف الحاكم والقوى التي يعبر عنها ما يقدمونه لتونس ولشعبها سوى مزيد من تخريب حياته وإهدار سيادته الوطنية وتعفين النظام السياسي بالصراعات المحتدمة بين مكوناته من أجل الاستئثار بالحكم والانفراد برتبة “العميل المتميز” التي تترجم في اللغة الديبلوماسية الرجعية الفضفاضة إلى “علاقات وطيدة واستراتيجية” وتمتين “جسور التعاون والحوار” و”علاقات الأخوة والصداقة”…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×