الرئيسية / صوت الوطن / قبل أيام من الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة: هل هي تباشير نهوض ثوري جديد؟
قبل أيام من الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة: هل هي تباشير نهوض ثوري جديد؟

قبل أيام من الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة: هل هي تباشير نهوض ثوري جديد؟

علي الجلولي

يبدو أنّ الأوضاع في بلادنا بدأت تسير وبسرعة قياسية نحو الانفجار، فأيام قليلة مع حكومة المشيشي التي تبعها لغط كثير بكون “التكنوقراط” هم الحل لمعضلات البلاد، وأنّ الأحزاب والسياسيين قد فشلوا في إخراج البلاد من الأزمة، والآن جاء دور “أبناء الإدارة” المتحررين من كل “ضغوط السياسة ” بما يؤهلهم للقيام بدور حاسم في عملية الإنقاذ، بدأت الأمور تتّجه نحو القهقرى. فها هي كل عناصر الأزمة العميقة تتحد بشكل غير مسبوق.

فالأزمة المالية أصبحت خانقة وها هي الحكومة تتقدم بمشروع ميزانية تعديلية تطلب فيه جرعة مالية داخلية بـ100 ألف مليار، رفضه البنك المركزي الذي أصبح بمقتضى قانونه الأساسي الجديد مستقل الإرادة والقرار، كما رفضته أيضا لجنة المالية بالبرلمان التي أعادت المشروع برمته إلى الحكومة بإجماع أعضائها. وهذا في حد ذاته غير مسبوق. علما وأنّ ذات اللجنة لوّحت بذات المصير لمشروع قانون المالية للسنة القادمة 2021 والذي شرع في نقاش أبوابه في اللجنة البرلمانية.

وها هي اليوم حكومة المشيشي تتخبّط في وضع عصيّ، فنسبة العجز في الميزانية وصلت 14°/°، وخطر الإفلاس أصبح اليوم حقيقة ماثلة أمام صناع القرار، علما وأنّ هذا اللفظ لم يعد حكرا على “المعارضة الراديكالية” بل أصبح كلمة مفتاح في الخطاب الرسمي لمحافظ البنك المركزي ورئيس الحكومة ووزرائه وأعضاء البرلمان. وهي، أي الحكومة، تتّجه نحو الاقتراض من جديد بطلب قرض هو الأكبر في تاريخ البلاد، إذ وصل المبلغ المطلوب 600 ألف مليار دولار، وهو قرض لن يعرّض البلاد للإملاءات فحسب، فهذا حاصل منذ سنة 1986 أي سنة الشروع في “الإصلاح الهيكلي” بإشراف صندوق النقد الدولي، بل سيعرّضها إلى وضع اليد نهائيا على قرارها المالي والاقتصادي والسياسي، تماما مثل ما فعل بها مع فساد البايات حين بعثت فرنسا “الكومسيون المالي” الذي أصبح من خلاله الفرنسيون يسيّرون تفاصيل الإدارة والحكم.

علما وأنّ الخروج اليوم إلى السوق المالية العالمية بحكم الأزمة العميقة التي تمرّ بها هذه السوق بفعل تداعيات الكورونا، وبفعل التصنيف السيادي السلبي لتونس، وبحكم اهتزاز سمعتها في السوق من جهة عدم الإيفاء بالالتزامات تجاه تطبيق الإملاءات، كلّه سيعسّر المهمة على منظومة الحكم التي ستجد نفسها قريبا جدا عاجزة عن سداد حتى أجور موظفي الدولة وأعوانها.

إنّ وطأة هذه الأوضاع وتداعياتها لن تكون إلاّ مدمّرة على الأوضاع المعاشية لأغلب طبقات وفئات الشعب. فتدهور هذه الأوضاع وصل مستوى قياسي في السوء بفعل التضخم وضعف الأجور وغلاء الأسعار التي يتحكم فيها المحتكرون والمافيا التي وضعت يدها على مسالك التوزيع. ينضاف إلى ذلك تردّي الخدمات وتراجعها في مجال الصحة والتعليم والنقل…، وقد عرّت تداعيات الكورونا زيف ادّعاءات السلطة في هذه الجوانب الاجتماعية الحيوية.

المقاومة تستمر، المقاومة تتصاعد
مقابل تعسّف السلطة ومنظومة الحكم التي تنافست فرقها على حجم الفشل وحجم الأذى الذي ألحقوه بهذا الشعب، فإنّ هذا الأخير لم تفتر عزيمته. وظل منذ قرابة عشر سنوات وهو مرابط في الشوارع والساحات دفاعا عن مطالبه واستحقاقاته. صحيح أنّ حركة الاحتجاج تصعد وتهبط، وينتابها مرات بعض الفتور بمنطق الانتظارية و”تسبيق الخير” خاصة بمناسبة تشكيل الحكومات. لكن هذه المرة يبدو أنّ “السكين قد وصل العظم” كما يقال، فصبر الناس نفذ. وها هي الجماهير تخرج اليوم بأعداد غفيرة في الكاف للاحتجاج والمطالبة، وها هي توزر تستعد للخروج، وذات الأمر في كل الجهات، كلها دون استثناء، من كانت تسمى “محظوظة” ومن كانت بطبعها مرتبطة بالفقر المدقع. لقد استوعب الجميع درس الكامور في أبعاده الاجتماعية والنضالية، فهذه المنظومة لا تفهم إلاّ لغة واحدة هي لغة النضال والاحتجاج. إنها ملامح شتاء قارس وشديد على منظومة الفشل التي يبدو أنّ القناعة ترسخت عند جزء مهم من شعبنا أنها “لا تَصلح ولا تُصلح”، وأنّ الوقت قد حان لتغيير خط السير وتصحيح الأوضاع وإعادة الثورة والثروة إلى أصحابها الأصليين.

هذا وقد عزّز تقرير محكمة المحاسبات التي لا يمكن اتّهامها البتّة بأنّها تناوئ المنظومة، هذه القناعة حول منظومة الحكم التي وصلت درجة عليا من السقوط السياسي والأخلاقي، ينضاف إلى ذلك هذا الإسفين في شرعيتها القانونية التي شملت الرئاسة والأغلبية البرلمانية، بما يشكّل عنصرا آخر من عناصر الأزمة السياسية العميقة وتأكيد الجوهر الفاسد والمافيوزي للمنظومة السائدة برمّتها وتمامها بما يعطي مشروعية إضافية لمطلب ترحيلها واعتبار ذلك شرطا لازما لتغيير الأوضاع لصالح الشعب، دونا عن ذلك فإنّ الأوضاع ستبقى تراوح مكانها.
فهل تكون الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة انطلاقة جديدة لمسار جديد يحقق ما عجز عنه مسار العشر سنوات السابقة؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×