الرئيسية / أقلام / أيّ دور للإعلام في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة؟
أيّ دور للإعلام في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة؟

أيّ دور للإعلام في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة؟

 66المتابع للشّأن الوطني يلحظ دون عناء الحملة التي تشنّها عديد وسائل الإعلام، من فضائيات وإذاعات وجرائد، قصد تبرير تحميل الطبقات الشعبية وعموم الشغالين تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة. فلئن كانت عناية وسائل الإعلام والإعلاميين بالأوضاع الاقتصادية خطوة إيجابيّة دالّة على تحقّق هامش مهمّ لحرية التعبير، ناتج عن تضحيات أبناء الشعب التونسي في مواجهة الديكتاتورية، فإنّ عقلية بعض الإعلاميين لم تشهد تطوّرا كبيرا ولم تقطع لا مع النهج الإعلامي التقليدي ولا مع الخيارات السياسية القديمة التي باءت بالفشل وقادت البلاد إلى هذه الازمة الخانقة. لقد أصبحت منابر “الحوار” التي تنظّمها عديد الفضائيات والإذاعات ملتقى لخبراء الاقتصاد السياسي البورجوازي، فضاء  يتبارزون فيه لتقديم وصفات استعجاليه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المنظومة الرأسمالية المتآكلة في نسختها التونسية.

 لقد التقت جلّ الوصفات المقترحة حول ضرورة مزيد الضغط على الجماهير الشعبية وتحميلها تبعات تردّي أوضاع البلاد رغبة في إعدادها للقبول بكلّ الإجراءات “التقشّفيّة” التي ستلجأ إليها حكومة مهدي جمعة آجلا أم عاجلا، من رفع كلّي للدّعم عن المواد الاستهلاكيّة الأساسيّة وجعل الأسعار خاضعة لكلفة الإنتاج التي يحدّدها الماسكون بدواليب السّوق والتّرفيع في سنّ التّقاعد من ستين إلى اثنين وستّين سنة بسبب عجز صناديق التقاعد ورفع الدّعم عن سعر المحروقات ومضاعفة الضرائب المستخلصة والتّفويت في ما تبقّى من الشركات والمؤسّسات العموميّة لصالح الخواص مقابل أسعار رمزية بعد أن تمّ تفليسها عنوة، إلى جانب الإجهاز على ما تبقّى من مجانيّة الصّحّة وبعض الخدمات الاجتماعية الأخرى. هذا إضافة إلى ما أعلن عنه رئيس الحكومة الحالي من إيقاف الانتدابات والتشغيل في إطار الوظيفة العمومية بتعلّة تضخّم عدد العاملين في هذا القطاع وخطر إفلاس خزينة الدّولة، في ظرف يشهد فيه التّشغيل في القطاع الخاص ركودا غير مسبوق بسبب تعطّل حركة الاستثمار وتواصل عمليّات طرد وتسريح العمّال من طرف العديد من الأعراف رغبة في التّضييق على الحقّ النّقابي ومحاصرة نفس المقاومة لديهم.

 الآلة الإعلاميّة ومغالطة الرّأي العام    

إنّ الهجوم على قوت المواطنين ليس بالنّهج الجديد على الدّوائر الحاكمة في تونس، فقد افتتحه بورقيبة من قبل وواصله بن علي ثم أخذت عنهما المشعل حكومة “الترويكا” بزعامة حركة النهضة إثر سقوط الديكتاتورية “النوفمبرية”. وها هي حكومة “التقنوقراط” المؤقّتة تواصل نفس السّياسة الاقتصاديّة الفاشلة مدعومة بزمرة كبيرة من الإعلاميّين الذين يساهمون في صياغة رأي عام مهزوم وقابل بقَدَرِ الأزمة ويعلنون صراحة انحيازهم إلى جانب الحكومة الانتقالية تحت شعار “إنقاذ الوطن”. ونحن ندرك جيّدا أنّ المعركة الإعلاميّة تمثّل سلاحا حاسما في المنظومة الرأسمالية، لما لهذه الآلة الدعائيّة الرّهيبة من تأثير على وعي المواطنين ومن خطر على صياغة الرّأي العام وتوجيهه. ففي هذا الإطار تتنزّل إذن الحملة الشّرسة التي تشنّها بعض وسائل الإعلام على الجبهة الشعبية وعلى مكوّناتها الحزبيّة وقياداتها السياسيّة، متّهمين إيّاهم بالعمل ضدّ “مصلحة الوطن العليا” وبتأجيج الإضرابات والاعتصامات وتخريب الاقتصاد الوطني وتعطيل حركة مرورالفسفاط من الحوض المنجمي وحرمان الدولة من الحصول على عائدات ماليّة هامّة تساعدها على تغطية العجز المالي الذي تعاني منه. فتراهم يطالبون الجبهة الشعبية بثني المهمّشين عن ممارسة حقّهم في الاحتجاج السّلمي والعمل أكثر على بثّ  قيم “العمل والإنتاج والإنتاجية لإنقاذ الوطن من الهاوية” كما يعيبون على أحزاب الجبهة إصدار البيانات المساندة لتلك الاحتجاجات والدّاعية إلى عدم استعمال القوة ضدّ المحتجّين وفتح باب التفاوض مع القيادات المحلّيّة ونشطاء المجتمع المدني، وكأنني بهم يحرّضون الحكومة على تحويل المناطق الساخنة إلى مناطق عسكرية ومحميّات شبيهة بـ”محميات الهنود الحمر” في أمريكا.

       لهذا الرّهط من الإعلاميين المناصرين للحكومة الحالية نقول: “إنّ الوطنيّة تقتضي أوّلا اتّخاذ إجراءات شجاعة وجريئة تقطع نهائيّا مع المنهج القديم في إدارة شؤون الدولة والاقتصاد… والوطنيّة تقتضي التّحكّم في موارد البلاد وثرواتها ومنع نهبها من قبل الشركات المتعدّدة الجنسيات والاعتماد على القدرات والموارد الذاتية وعدم إغراق الدولة بالديون والارتهان إلى دوائر النفوذ المالي العالمية. كما تقتضي تجميد خلاص الديون المتخلدة بذمة الدولة في انتظار التدقيق فيها ومراجعة النظام الضريبي الجائر الذي جعل من الأجراء والمنتجين المساهم الرئيسي في ميزانية الدولة مقابل مساهمة زهيدة لأصحاب الثروات الطائلة… والوطنية تقتضي أيضا تسقيف الأجور وجعل الفوارق بينها مقبولة ومعقولة ومطالبة رؤوس الأموال المتهرّبين من دفع الضرائب إلى خلاص ما تخلّد بذمتهم لفائدة الدولة، وإعادة الأموال المنهوبة التي تعدّ بمئات المليارات إلى الخزينة العامة وإيقاف المتلاعبين بنتائج مناظرات الانتداب كما حدث ذلك في الحوض المنجمي. إنّ القرع الإعلامي على طبول “الوطنية الزائفة” والدعوة الكاذبة إلى تقديس قيمة العمل والإنتاج والإنتاجية لغة قديمة و”مضروبة” وهي لن تجدي نفعا ما دامت البلاد تُدار من خارجها حسب إملاءات صندوق النقد الدّولي والدّوائر الماليّة العالميّة وتغرق في المزيد من المديونية والارتهان إلى الخارج وهو ما يعرض قطاعات واسعة من شعبنا إلى مزيد من الفقر والحرمان ويضع فعلا “الوطن في خطر” لأنّ المواطنين أصبحوا في خطر والنسيج الاجتماعي آخذ في التفكّك والانقسام. في حين أنّ نظارات بعض الإعلاميين لا تسمح لهم برؤية هذا الواقع المرير. كما تحجب عنهم جميع تعقيداته وخطر ذوبان ما تبقّى من المكاسب الاجتماعية التي حقّقها شعبنا بنضاله وجرحاه وشهدائه.

الهجوم على الجبهة الشّعبيّة يخدم الرّجعيّة

        إنّ الهجوم على الجبهة الشعبية لا يخدم مصالح الوطن بل يصبّ في خانة الرجعيّة ويهيّئ الطريق لعودة الديكتاتورية والأحزاب المعادية للوطن والمنقلبة على مطالب الثورة وهو ما يدعو الإعلاميين المدافعين دون أدنى شرط عن الحكومة الآنتقالية الحالية إلى التمعّن أكثر في ما يجري على الساحة وإلى الانتباه إلى ما تقدّمه الجبهة الشعبية من مقترحات وبرامج لإنقاذ البلاد عوض الانسياق السهل وراء ما تطرحه الأطراف البورجوازية من برامج معادية لأبسط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. فالجبهة الشعبية، تبقى الطرف الوحيد الذي جرؤ على تقديم مشروع ميزانية بديل عن مشروع التقشف والحيف والنهب الذي شرعت حكومة “الترويكا” في تنفيذه والذي أثار سخط قطاعات واسعة من الجماهير. إنّ الجبهة الشعبية لن تتوانى لحظة عن تحمّل مسؤوليتها التاريخية من أجل إنقاذ البلاد وفرض القرار الوطني وذلك بالعمل الدؤوب على تعبئة الشعب التونسي حول مطالبه المشروعة في الشغل والحرية والكرامة ولن تخشى في ذلك لومة لائم ولا قرع طبول العداء. فمقابل الحملة الإعلاميّة المعادية للجبهة الشعبية التي تشنّها بعض وسائل الإعلام يطرح على الجبهة تنظيم العديد من الحملات الوطنية لشرح مشروع الميزانية البديلة وكشف كلّ ما تخفيه البرامج والإجراءات التي تزمع الحكومة الحالية تنفيذها في قادم الأيام، علاوة على تكثيف الاجتماعات العامة في كلّ الجهات وابتداع أشكال اتّصال جديدة لشرح برامجها الاقتصادية والاجتماعية والدعاية إلى مشروعها المجتمعي…

                                                                                                                                                                                                                                                                       الحبيب بوعوني

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×