الرئيسية / أقلام / بوصلة: في فنون التّلاعب بالحوار وفرض الأمر الواقع
بوصلة:  في فنون التّلاعب بالحوار وفرض الأمر الواقع

بوصلة: في فنون التّلاعب بالحوار وفرض الأمر الواقع

بقلم: عمار عمروسية 

60يبدو أنّ ماراطون جلسات “الحوار الوطني” المركّز على أسبقيّة الانتخابات الرئاسيّة أو التّشريعيّة بعيد عن تحقيق أهدافه بما يضمن الحدّ الأدنى من الوضوح السياسي، فيما تبقّى من هذه المرحلة المثقلة بالغموض وحتى السّواد الذي يخفي وراءه ارتفاع المخاطر الداخلية والخارجية لدوائر وجهات مازال يراودها ويسحرها منطق تصفية الحساب مع المسار الثوري حتى وإن اقتضى الأمر الدّفع بالبلاد إلى مساحات المجهول والاقتتال الأهلي الذي أضحى علامة “عربية” بالمنطقة وخصوصا ضمن بلدان ما سمّي “الربيع العربي”.

فحكاية الحوار الوطني تتمدّد وتتمطّط والمآزق تتعدّد وحتّى ما تمّ الاتّفاق حوله واستبشر به الرّأي العام الوطني سرعان ما يقع الانقلاب عليه مثلما حصل بخصوص الفصل بين الرئاسيّة والتّشريعيّة.

يحدث كلّ هذا التّلاعب الفظيع بأخلاقيّات الحوار ومبادئه الأساسيّة دون مراعاة  لعامل الوقت ولاشتداد أعباء مخلّفات الأزمة الشاملة التي تعصف بتونس وتداعياتها الخطيرة على قوت وحياة المواطنات والمواطنين الذين دفعهم ويدفعهم ضنك العيش وتفشّي الفقر والبطالة إلى التبرّم من الثورة والحنين إلى نظام ورموز ثاروا ضدّها وأسقطوها بأياديهم.

إنّ حوارات اليوم بقطع النظر عن مضامينها هي إعادة ركيكة وفجّة لمهزلة الحوارات التي أعقبت اغتيال شهيد الوطن “محمد الابراهمي” في 25 جويلية 2013. فالمتأمّل في تعثّر المفاوضات والإيقاع العام لمجرياته يقف على جملة من الملاحظات الأساسيّة التّالية:

1-    افتقار طاولة الحوار إلى منهجيّة واضحة وصريحة لحسم الخلافات وتثبيت الاتّفاقات. أخطر من ذلك فإنّ آليّة الحسم الدّيمقراطي ونقصد التّصويت وقع التّغاضي عن نتائجها والعبث بها أثناء مفاوضات تشكيل حكومة “جمعة” وهو ما تمّ في الأيّام القليلة الماضية عندما تكشّفت أغلبيّة مع تسبيق الرئاسيّة.

2-    استفراد “حركة النهضة” في كلّ مرّة بممارسة شتّى الألاعيب والحيل لفرض منطقها وتصوّراتها على الجميع وكأنّ هذه الحركة  في كفّة والآخرين في كفّة أخرى حتى أنّ كثيرين وهم على حقّ أصبحوا ينعتونها بصاحبة “الفيتو”  بما أنّ كلّ الاتّفاقات حتى وإن كانت مدعومة بالأغلبيّة تنتهي إلى الإجهاض الذي ينقلب بعد سلسلة من التّأجيلات والفخاخ وفي بعض الأحيان بإعانة من الأطراف الرّاعية للحوار إلى حلّ يتطابق ليس فقط مع التّوقيت الذي تريده “النهضة” وإنّما مع مقدار “التّنازلات” التي تخدم مصالحها وتعزّزها.

3-    إنّ تصرّف “النهضة” اليوم في تحديد جدول زمني للاستحقاقات الانتخابيّة القادمة واستماتتها في مرحلة أولى للدّفاع عن التّزامن وبعدها عن تسبيق التّشريعيّة لا يمكن فهمهما مثلما تدّعيه في الحرص على المال العام بعد أن بذّرته، ولا في تأمين الديمقراطية بعد أن أعاقت بناءها وإنّما في تغليب المصالح الحزبيّة الضيّقة وخلق مقوّمات الصّفقات السّياسية وفق مقولة “أعطني أُعطيك” أو “هات وخذ”.

وخلاصة القول أنّ الجدل القائم اليوم حول كلّ ما يتعلّق بمسألة الانتخابات وجميع تفاصيلها أمر يتجاوز بكثير الإطار القانوني ويتنزّل ضمن الحسابات السّياسيّة لهذا الطّرف أو ذاك. إلاّ أنّه في نفس الوقت بالإمكان الجزم أنّ مصلحة المشروع الدّيمقراطي في تونس تقوم أوّلا وقبل كلّ شيء على فصل الرّئاسيّة عن التّشريعيّة وعلى تسبيق الأولى عن الثّانية وضمن هذا السّياق ينبغي في اعتقادنا على كلّ القوى الثّورية والدّيمقراطيّة توحيد مواقفها والتحلّي بالصّرامة المطلوبة لإيقاف تلاعب “حركة النهضة” وإفشال مخطّطها القائم على إضاعة الوقت وهدره ثمّ التعلّل بالمصالح العليا لتونس والمرور إلى فرض الأمر الواقع وإجراء الانتخابات وفق تصوّرها الأوّل القائم على التّزامن.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×