الرئيسية / أقلام / إلى متى سيتواصل استهداف الصّحافيّين من قِبَل الشّرطة ؟؟
إلى متى سيتواصل استهداف الصّحافيّين من قِبَل الشّرطة ؟؟

إلى متى سيتواصل استهداف الصّحافيّين من قِبَل الشّرطة ؟؟

بقلم الفاهم بوكدوس

الفاهمأحصت وحدة رصد وتوثيق الانتهاكات بمركز تونس لحريّة الصّحافة خلال شهر ماي 31 اعتداءً على العاملين في المجال الإعلامي تضرّر منه 94 شخصا. كما مسّت هذه الانتهاكات 29 امرأة و65 رجلا يشتغلون في 13 قناة تلفزية و15 إذاعة  و08 صحف و06 مواقع إلكترونيّة ووكالة أنباء وإذاعتين إلكترونيّتين.

وقد عرف نفس الشّهر حسب نفس التقرير حصول 09 حالات اعتداء جسدي، و05 حالات اعتداء لفظي، و04 حالات منع من العمل، و03 حالات تتبع عدلي، و03 حالات هرسلة، وحالتي حجز حرية، وحالة رقابة مقنّعة، وحالة صنصرة، وحالة قرصنة، وحالة تشويش ذبذبي، وحالة تضييق.

وقد تصدّر أمنيّون وفق التّقرير قائمة المعتدين على الإعلاميين بـ10 حالات اعتداء، ويتلوهم مواطنون وموظّفون عموميّون بـ04 اعتداءات لكليهما، ثمّ  إدارة المؤسّسات الإعلاميّة بـ03 اعتداءات، والنّيابة العموميّة وسياسيّون ولجنة تنظيم نقابية باعتداءين لكلّ منها، والجيش ورئاسة الحكومة ومجهولين ووزارة المالية بحالة اعتداء واحدة لكلّ منهم.

وقد تركّزت الاعتداءات المذكورة بالعاصمة تونس بـ21 حالة تتلوها القصرين والمهدية والقيروان باعتدائين، ثمّ الحمامات وقابس وقفصة ونابل بحالة اعتداء واحدة لكلّ منها.

وقد أكّد هذا التّقرير على أنهّ لأوّل مرّة منذ أكثر من سنة ونصف يحصل أعلى رقم للصحافيين الذين تعرّضوا لاعتداءات رغم أنّ بلادنا لم تشهد في هذا الشّهر مظاهرات عديدة والتي كانت المحطّات الأبرز في انتهاك الحرّيّات الصّحفيّة، في تأكيد على أنّ هذا المؤشّر يبعث برسائل واضحة عن قصور مبادرات الحماية والتّوعية والتّشريعات وخطابات مكافحة الإفلات من العقاب في تأمين السّلامة للإعلاميّين أثناء أداءهم لعملهم.

وقد أشار هذا التّقرير إلى ضعف الالتزام السّياسي بضمان عدم تعرّض الإعلاميين للانتهاكات والتهديدات. ومساءلة جلاّديهم سيكون التحدّي الأبرز للحرّيّات الإعلاميّة في بلادنا طيلة الأشهر التي تفصلنا عن الانتخابات.

ومن جهة أخرى أشار التقرير إلى اعتداءين من قبل سياسيين كان بطلهما كلّ من الباجي قايد السبسي    والطيب البكوش في الوقت الذي يفرض فيه السياق السياسي العام أنّ تكون الأحزاب السياسيّة في مقدّمة القوى التي تعمل على تنقية مناخات حريّة التعبير من كلّ المخاطر والشّوائب، وأن يقدّم الزعماء الحزبيّون الدّرس الأمثل في احترام الإعلام والإعلاميّين.

كما برزت من خلال هذا التّقرير إدارتا قناة “التونسيّة” و”التلفزة الوطنية الأولى” على التوالي في صنصرة محتويات إعلاميّة لمراد الزغيدي ومضايقة إيهاب الشاوش. وقد كان مركز تونس لحريّة الصحافة قد نبّه أكثر من مرّة من مخاطر التدخّل الإداري في المضامين الإعلاميّة وفي حرّيّة الصّحافيين في ممارسة مهنتهم وفي تقديم التّصريحات لوسائل الإعلام لأنّها أقرب الوسائل لتعويد الصّحافيّين على القبول بالأمر الواقع والتأقلم مع كلّ الأشكال الرّقابيّة خاصّة وأنّ هناك أرضيّة سانحة لاستبطان تلك السّياسات في ظلّ هشاشة واقع حرّيّة التّعبير.

كما ركّز التقرير على الاعتداءات على الإعلاميين والتي تُسلَّط من قبل قوّات الجيش والشرطة في القصرين والتي يأتي بعضها في سياق مناخ الحرب على الإرهاب حيث تمّ التحذير من استعمالها كمطيّة لتلجيم الأفواه ومصادرة حقّ المواطنين في معرفة ما يحدث من مصادر محايدة وموضوعيّة.

غير أنّ الإشكالية الأهمّ التي تمّ طرحها في التقرير كانت علاقة الأمنيّين بالإعلام حيث تمّ التّشكيك في تصريحات وزير الدّاخليّة بن جدّو أثناء لقائه بالمكتب التّنفيذي للنّقابة الوطنيّة للصّحافيّين التّونسيّين يوم 19 ماي الماضي حين قدّم اعتذار الوزارة عن الاعتداءات التي حصلت قبل يومين من اللّقاء على أساس أنّ الاعتداءات الأمنيّة قد تواصلت بعد ذلك حتّى أنّ الوعد الذي تقدّم به والقاضي بإلزام الأمنيّين بعدم منع الصحفيين من التّصوير في الأماكن العامة التى لا تخضع لتراخيص لم يتحقّق.

وإن كانت العودة القويّة للعنف الأمني تجاه الصحافيّين تؤشّر إلى تضايق منهم ومن المضامين الإعلاميّة، فإنّ سلبيّة وزير الداخلية في التّعاطي مع المسألة تقدّم أدلّة إضافيّة أنّ تلك الاعتداءات ليست معزولة ولا ظرفية بل، وإنّما كما يذهب كثير من الملاحظين، ممنهجة ومقصودة وتجد التّغطية من الوزارة نفسها.

وإن كان بعض الملاحظين يثمّنون الاعتذارات العديدة التي قدّمها وزراء داخليّة ما بعد الثورة والنّاطقين باسمها على إثر اعتداءات على إعلاميّين معتبرينها دليل تحضّر وإشارة إلى تضايق المسؤولين من أخطاء وتشنّجات أعوان الشرطة، فإنّ البعض الآخر لا يراها سوى خطابات للاستهلاك الإعلامي ومحاولات للتّغطية على تلك الانتهاكات وتبرير لظاهرة الإفلات من العقاب.

وإن كانت وزارة الداخليّة قد عوّلت في مرحلة أولى على صياغة مدوّنة سلوك تضبط سلوك الأمن تجاه الصحافيّين لتأكيد التزامها بتطبيع تلك العلاقة ونزع كلّ علامات التوتّر التي تشوبها، فإنّه يبدو أنّها باتت تعوّل على خطاب الاعتذارات لتجديد ذلك الالتزام، لكن يبدو أنّ الآليّتين المذكورتين لم تعد تجدا رواجا حتّى عند أكثر المدافعين عن الأمن التونسي ومحاولة التّخفيف من جملة الاعتداءات التي يسلّطها على الصّحافيّين.

غير أنّ الآليّتين سالفتي الذّكر ستوضعان في الأيّام القادمة أمام تحدّيات أكبر لعلّ أهمّها مدى التّعاون مع الصّحافيين في تغطية الأحداث الإرهابية والمناخات التي تسودها، وحمايتهم أثناء تغطية الاستحقاقات الانتخابية، غير أنّ ما تحقّق لحدّ اللحظة لا يبعث على الاطمئنان ويؤشّر إلى توتّر أشدّ في العلاقات قد لا تتمكّن بيانات الإدانة والتّدخّل النّقابي في التّقليل من آثاره المدمّرة على حريّة التّعبير في بلادنا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×