الرئيسية / أقلام / دروس واقعة روّاد
دروس واقعة روّاد

دروس واقعة روّاد

بقلم جيلاني الهمامي

images (10) وأسدل الستار على واقعة روّاد

 أعلن وزير الداخلية لطفي بن جدو مساء يوم الثلاثاء 04 فيفري في ندوة صحفية انتهاء عملية روّاد بمصرع سبعة من العناصر الإرهابية وحجز كميات من الأسلحة والمتفجرات وكانت قوّات الأمن حاصرت لمدة 22 ساعة تقريبا منزلا بضاحية روّاد شمال العاصمة قال وزير الداخلية أنّ قوّاته رصدته منذ أيّام إثر اشتباهها في عناصر كانت ترتاده فوقع تطويقه ومن هناك بدأت المواجهات. وأضاف وزير الداخلية أنّ العناصر المشتبه فيها تحصّنت بالمنزل ورفضت الاستسلام فجرت ما يعرف بعملية روّاد بحضور ممثل عن النيابة العمومية لمفاوضتهم وإقناعهم بالاستسلام لأنه وكما جاء في ندوته الصحفية فإنّ وزارة الداخلية كانت تحرص على القبض عليهم أحياء لاستنطاقهم واستجلاء الحقائق الخفيّة وراءهم. المهم أنّ العملية انتهت بمقتل العناصر السبعة وبوضع اليد على كمية هائلة من الأسلحة والمتفجرات كانت بحوزتهم وكذلك من الجانب الآخر على مقتل وكيل من طلائع الحرس الوطني وجرح عدد آخر منهم. وبذلك أسدل الستار على فصل من فصول مسلسل طويل – رغم قصر المدة – من المواجهات مع مجموعات الإرهاب في تونس.

 أسدل الستار إذن على العملية وأطلق العنان للتحاليل وللاستنتاجات ولاستخلاص الدروس وبطبيعة الحال اختلفت هذه التحاليل والاستنتاجات بحسب الزوايا التي تمّ النظر منها لهذه العملية ومدلولاتها وأسبابها. فوزير الداخلية الذي اعترضت طائفة واسعة من الأحزاب ومكوّنات المجتمع المدني وشرائح واسعة من الشعب التونسي على تعيينه مجدّدا على وزارة الداخلية في حكومة مهدي جمعة اعتبر أنّ نجاح العملية ومقتل العنصر الرئيسي في المجموعة الإرهابية المدعو كمال القضقاضي هو بمثابة الهدية لعائلة الشهيد شكري بلعيد الذي تتزامن الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده مع انتهاء هذه العملية الخطيرة. وقد بيّن وزير الداخلية في موفّى ندوته الصحفية أنّ مقاومة الإرهاب باتت “خيارا وطنيا لا رجعة فيه” وأنّ وزارته بذلت مجهودات متواصلة أفضت إلى إيقاف 1343  عنصرا إرهابيا وكشفت النقاب عن شبكات لترحيل شبان تونسيين إلى سوريا ومنع 8000 منهم من الانتقال هناك. وعدّد الوزير كمذيّة الأسلحة التي تمّ حجزها والعناصر الذين تمّ إلى حدّ الآن القضاء عليهم خلال كلّ العمليات التي نفّذتها وحدات الأمن.

 اتّهامات أم حقائق لا يمكن نكرانها؟

 بكلّ هذه المعطيات أثّث وزير الداخلية مداخلته للتدليل على أنذ الحرب ضدّ الإرهاب باتت خيارا ثابتا وأنّ وزارة الداخلية تتقدّم بنجاح في هذه الحرب. ولم يكن خافيا مدى الجهد الذي بذله السيد بن جدو لمحور القناعة الحاصلة من قبل بأنّ الدولة لم تكن جادّة في محاربة هذه الآفة بل وربّما تحوم حول مصالحها الأمنية شبهات التواطؤ إن لم نقل التورّط في بعض الأحداث. ومعلوم أنّ أخبار كثيرة راجت من قبل حول وجود جهاز أمن موازي تحتضنه الداخلية في عهد علي لعريض برعاية من أوساط قيادية في حركة النهضة. كما تمّ الكشف عن وثيقة كانت وكالة الاستعلامات المركزية الأمريكية نبّهت فيها الحكومة بعملية اغتيال وشيكة للنائب والقيادي في الجبهة الشعبية الشهيد محمد البراهمي ولم تتّخذ التّدابير لمنع هذه الجريمة في ما يشبه تواطؤا صريحا وفي أقلّ الأحوال إهمالا خطيرا.

 ومن جهة أخرى اتّجهت أصبع الاتهام إلى عدد من الكوادر الأمنية العليا في الداخلية على أنها تأتمر بأوامر قيادات نهضاوية كانت تتدخّل في كلّ مرّة لتطلب إطلاق سراح عناصر إرهابية أو متورّطة في الإرهاب (مثال الغرسلاوي بجهة القصرين) كلّما وقع القبض عليها متلبسة. كلّ هذه المعطيات تحوّلت إلى قناعات منتشرة على أوسع نطاق في تونس وهي التي جعلت من الدّعوة إلى تطهير وزارة الداخلية مطلبا ملحّا اقتضى رفض وجود بن جدو على رأسها. لكنّ هذا الأخير استمرّ في مركزه وكان منتظرا منذ أيام أن يعقد مثل هذه الندوة الصحفية المبرمجة. والهدف من ذلك طبعا هو التأكيد بأنه بريء مما ينسب إليه وإقناع الجميع بأنه حريص على مكافحة الإرهاب وبالتالي محو ما علق به من اتهامات في ملفات سابقة.

 في قراءة أخرى… قتل القضقاضي وذهبت معه أسراره

 غير أنّ قراءة مجريات وتداعيات عمليّة روّاد الأخيرة يمكن أن تذهب بنا إلى استنتاج غير ما ذهب إليه السيد لطفي بن جدو. قراءة يرجّحها أكثر من طرف وخاصة في الأوساط القريبة من ضحايا عمليّتي الاغتيال المعروفتين: شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

 فهذه العملية رغم نجاحها خلّفت الكثير من التساؤلات حول صحّة مصرع القضقاضي من ناحية وحول تعمّد وزارة الداخلية قتله ليموت معه سرّه وبما يدفن نهائيا حظوظ الوصول إلى حقائق جديدة حول الأطراف التي لها صلة بقتل الشهيدين. ويذهب الكثير إلى اعتبار هذه العملية جاءت كتدبير محكم لتحقيق كسب دعائي لصالح الحكومة وعلى يد وزير محلّ انتقادات لاذعة في الملف الأمني بالذات وفي نفس الوقت طيّ صفحة التحقيق بمقتل المتّهم الرئيسي.

 وإلى جانب ذلك فإنّ هذه العملية تخوّل لنا الكثير من الاستنتاجات الأخرى أبرزها:

 1 – إنّ نجاح هذه العملية كشف مرّة أخرى عن مدى خطورة التهاون الذي تعاملت به الحكومات السابقة ووزارة الداخلية مع الإرهاب والإرهابيين وإلاّ ما معنى أن تتمكّن هذه المجموعات من استجلاب كلّ هذه الأسلحة؟ رغم النداءات التي نبّهت إلى ذلك وقابلتها وزارة الداخلية باللامبالاة وردّت عليها حركة النهضة بردود تتناقلها اليوم الألسن بكثير من التهكم مثل “شبان صغار يمارسون الرياضة” وما إلى ذلك. علما وأنّ مخازن الأسلحة التي تمّ كشفها منذ أكثر من سنة (مدنين والمنيهلة) كانت لوحدها كافية لتأخذ هذه المسألة مأخذ الجدّ قبل أن تحصل حوادث قبلاط وسيدي علي بن عون والشعانبي وغيرها… وأخيرا جاءت الأخبار لتؤكّد أنّ دوائر في وزارة الداخلية كانت تطمس التقارير التي وردت عليها حول تحرّكات الإرهابيّين وتدريباتهم وتسلّحهم وهو ما يطرح اليوم فتح تحقيق جدّي فيها مثلها مثل الوثيقة الأمريكية التي جرى التغاضي عنها حتى تمّ اغتيال الشهيد البراهمي.

2- إنّ نجاح هذه العملية يمكن أن يؤكد أيضا أنّ الحرب على الإرهاب ما هي إلاّ في بدايتها وأنّ ما خفي كان أعظم وانّ الأسلحة التي تمّ حجزها يمكن أن تكون مجرّد جزء ضئيل من ترسانة موزّعة على أماكن كثيرة في البلاد وفي مناطق معروفة بسيطرة السلفيين الجهاديين عليها مثل حي التضامن ودوار هيشر وجندوبة وسجنان وحتى أماكن لم تذهب بعد الشّكوك إلى كونها من أوكار الإرهابيين. وممّا يستشف من هذه العملية أيضا أنّ الإرهاب انتقل إلى المدن ويزحف على العاصمة بما ينبئ بطور جديد من الإرهاب أكثر دموية ذلك أنّ لا شيء يمنع أن تكون العاصمة مدجّجة بالأسلحة المخزّنة وتعجّ بالمجموعات الإرهابية وهو ما يضع مصالح الأمن أمام تحديّات ورهانات جديدة وأعوص بما يتطلّب منها خطّة استنفار لمنع حدوث مجازر أشدّ وخسائر بشرية ومادية أثقل.

3- إنّ حدوث هذه العملية الآن وبالتزامن مع ذكرى اغتيال شكري بلعيد يمكن أن تكون إشارة تحدّي وإعلان انطلاق طور جديد من المواجهة بين الإرهاب من جهة وطواغيت أجهزة الدولة والحركة الديمقراطية من جهة ثانية. وجاء هذا التحدّي ليعرّي فشل السياسة الأمنية المتّبعة الآن والتي توجب اليوم تغييرها جذريّا تحت عنوان شامل هو إصلاح المنظومة الأمنية وإقامة أمن جمهوري قادر بحق على حماية الوطن والشعب.

وتندرج ضمن هذا الإصلاح الأولويات والإجراءات المستعجلة التالية:

– تطهير وزارة الداخلية من كلّ من يشتبه في علاقته بالأمن الموازي وكلّ من ساهم في سياسة التساهل مع الإرهاب بما في ذلك الوزير الحالي وتتّبع كلّ من ساهم من داخل الوزارة ومن خارجها بصورة متعمدة.

– إعادة تنظيم وانتشار قوات الأمن وخاصة وحدات مكافحة الإرهاب وفق ما تتطلّبه عمليّة الهجوم على جيوب الإرهاب.

– معالجة ملف الاغتيالات معالجة جدّيّة وكشف الحقيقة الكاملة على من خطّط وموّل وشجذع وساهم فيها وإماطة اللّثام عن المعطيات الرائجة بخصوص ضلوع بعض المسؤولين والسياسيين (من حركة النهضة خاصة) في ما يسمّى بالأمن الموازي.

– تحييد الجوامع تحيدا كاملا وتخليصها من هيمنة العناصر المتطرّفة ومن كلّ من يتّخذ منها منبرا للدّعاية الحزبية وإبعاد الوزير الجديد المعروف بمواقفه المتطرّفة في هذا الباب بالذات.

– وضع خطة جديدة لحراسة وحماية الحدود وتفكيك شبكات التهريب وتبييض الأموال والجمعيات المستعملة للتغطية على هذه الأنشطة وتمويلها.

– حلّ رابطات حماية الثورة والأطر الشبيهة بها من حيث الطبيعة والأنشطة

– تمكين الوحدات الأمنية من مستلزمات العمل اللازمة (نقل، وسائل عمل…) وتمكين قوّات الأمن الداخلي من قانون أساسي يثبت وفق ما جاء في الدستور حقوقهم وواجباتهم في إطار منظومة أمنية جمهورية جديدة.

– إعادة النظر في انتشار الجيش وقوّات الأمن الدّاخلي بما يضمن التكامل بينهما والنجاعة في تدخّلهما كلّ  في ما يختصّ به.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×