الرئيسية / أقلام / الحكومة المُقدَّمة: أُسقِطت أم تحت “الـرّتوش”؟
الحكومة المُقدَّمة: أُسقِطت أم تحت “الـرّتوش”؟

الحكومة المُقدَّمة: أُسقِطت أم تحت “الـرّتوش”؟

ورد بجريدة “صوت الشّعب” في عددها 161 بتاريخ 30 جانفي 2015:

فشل ذريع مُنِيت به الجولة الأولى من المشاورات حول تشكيل حكومة السيّد الحبيب الصّيد، وقد يكون هذا المآل متوقّعا للبعض لعدّة أسباب، إمّا لمنهجيّة النقاشات / المفاوضات، أو لتركيبتها وتوقيت الإعلان عنها، أو لغياب البرنامج، وحجم الطّلبات والتّرضيات لهذا الحزب أو ذاك.. ومجمل هذه المؤاخذات أفضت إلى إصداح أغلب القوى السّياسيّة لعدم منح الثقة للحكومة، وبالتّالي انطلقت جولة ثانية من المشاورات.

وبعيدا عن مواقف الأحزاب، اتّصلت “صوت الشّعب” ببعض نشطاء المجتمع المدني فكان رأيهم كالآتي:

وسلاتي* في اتّصالنا بالإعلامي والمحلّل السياسي يوسف الوسلاتي حول التعطّل السياسي الحاصل وعن فحوى التبريرات المقدّمة قال إنّ الدعوات لحكومة وحدة وطنيّة هو مجرّد شعار أجوف يُراد به التعويم والمغالطة على حساب طرح برنامج حقيقي ينقذ البلاد. ومن الضّروري قبل كلّ شيء الإسراع بتشكيل الحكومة لأنّه المدخل لحلحلة بقية الملفّات فالأوضاع في البلاد لا تحتمل مزيدا من الانتظار، وهذا يستوجب حكومة دائمة ومستقرّة، ويتطلّب جملة من الشّروط، أهمّها أن تكون الحكومة القادمة قويّة، مسنودة من أغلب الأحزاب ومكوّنة من كفاءات (ليس بالضّرورة تكنوقراطا) وتحوز على برنامجا ملموسا، لأنّ في غيابه (أي غياب البرنامج) والاكتفاء فقط بأسماء هو استدامة للأزمة.

علينا أن نستفيد ممّا يحدث في اليونان مؤخّرا، حيث صوّت الشّعب اليوناني للبديل السياسي الذي سيراجِع الخيارات الاقتصادية والسياسيّة التي أنتجت الأزمة والفقر والتداين. وهذا درس لنا ونحن نعيش مسارا ثوريّا. والدّرس الثاني هو نجاح قياسي لـ”سيريزيا” في تشكيل حكومة للبدء رأسا في تنفيذ المشروع الانتخابي الذي وعدت به ناخبيها..

ويضيف، حقيقة تعطّل المشاورات مردّه الأساسي هو التّهافت على المناصب والمواقع، وليست هناك جدّية ومسؤوليّة لإيجاد مخرج، وما التعلّل بالنّظام الدّاخلي سوى مجرّد تبرير لا غير.

نزيهة*الإعلاميّة والناشطة الحقوقية والمدنية نزيهة رجيبة (أمّ زياد) كانت أكثر مباشراتيّة في ردّها على التعطّل الحاصل، حيث ترى أنّ التعلّل بعدم المصادقة على النّظام الدّاخلي لا يمكن بأيّ حال أن يحول دون المصادقة على الحكومة. كلّ ما في الأمر، أنّ الحزبَين المتنفّذين والراعِيَين للمشاورات لم يتّفقا على نصيب كلّ واحد منهما… وأضافت أنا شخصيّا حذّرت منذ سنتين من خطر الاستقطاب الثّنائي ومن خطر “لبلنة” تونس، والأجدى أن يتمّ كسر هذا الاستقطاب حتّى نكرّس عقليّة التعايش المدني والسياسي بعيدا عن الهيمنة التي أوصلت البلاد إلى شفا الهاوية.

قد يكون هناك ثغرات قانونيّة، ربّما. ولكن تبقى ثانويّة مقارنة بالسّبب الرئيسي وراء هذا التّأجيل والتعطّل، الذي مردّه مثلما قلت عدم توفّق المفاوضات بين الحزبين، وممّا زاد الطين بلّة هو وجود عديد المتهافتين من الحزبين لنيل فتات من غنيمة الحكم. وهذا ما يجعلني أقول أنّ الالتقاء بينهما هو “لعنة” على تونس.

جوهر*أستاذ القانون الدستوري ومنسّق “شبكة دستورنا” السيّد جوهر بن مبارك له رأي أيضا في هذا الخصوص. صرّح لـ”صوت الشّعب” أنّ هناك عدّة ارتباطات بهذا الموضوع تُعطّل بعث الحكومة. وأضاف إِن بدت المسألة الدّستوريّة والقانونيّة، وخاصّة جُهُوز النّظام الدّاخلي، مهمّة، فإنّها غير حاسمة في إنهاء مسار تشكيل الحكومة. فمن الممكن أن يمنح مجلس نوّاب الشّعب ثقته للحكومة حتّى قبل الانتهاء من المصادقة على النّظام الدّاخلي. ولنا تجربة مماثلة، حيث قدّم الرّئيس الحالي السيّد باجي قايد السبسي القسَم الجمهوري دون أن يكون هناك نظام داخليّ جديد، بل تمّ الاستئناس بنظام المجلس التّأسيسي وكان من الممكن الاعتماد عليه أيضا.

لذلك ليس هناك ارتباط عضوي قانوني بين المصادقة على النظام الداخلي والتصويت للحكومة، بل أسبابه سياسيّة بحتة، مرتبطة بالتوازنات السياسيّة وبحظوظ عرض التركيبة على المجلس، حيث لم يكن متؤكّدا حصولها على النّصاب النيابي المخوّل لها المرور (109 نائبا)، وكان هناك تخوّف حقيقي من سيناريو عدم الحصول على الثّقة، وبالتالي المرور إلى الفصل 89 الذي يقول بأن يكلّف رئيس الجمهوريّة الشخصيّة “الأقدر”، ولا ندري إن كان السيّد باجي قايد السبسي سيعيد تكليف الحبيب الصّيد أو شخصيّة أخرى، وهنا لن نتكهّن باتّجاه تطوّر الأوضاع وربّما سنكون إزاء أزمة سياسيّة.

 ويبدو، مثلما يؤكّد ذلك ماراطون اللّقاءات الحزبيّة، سواء المعلنة منها أو في الكواليس، أنّ الهاجس الأكبر الذي خيّم على المشاورات هو التّرضيات الحزبيّة، واعتماد المحاصصات التي لا يمكن أن تُطمئِن التونسيّين الذين أنهكهم غلاء الأسعار والفقر والفساد والبطالة وتدهورت مقدرتهم الشرائية وأوضاعهم المعيشيّة وارتفع منسوب قلقهم من الاضطرابات الأمنيّة.

وفي انتظار التيقّظ لحالة البلاد والعباد، فإنّ الانتظارات الحقيقيّة التي يتلهّف لها التونسيات والتونسيّين لن تكون ملموسة إلاّ في ظلّ إدارة سياسيّة تباشر معالجة الأوضاع الحارقة وتكون لها الجرأة في اتّخاذ التدابير والمواقف ولو على حساب الخلفيّة السياسيّة وثقل الارتباطات الاقتصاديّة والدبلوماسيّة، وهذا يستوجب أن تكون السّلطة الحقيقيّة والفعليّة في القصبة وليس في قرطاج أو تحت نفوذ “حكومة ظّلٍّ” ما.

                                أعدّه: شريف خرايفي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×