الرئيسية / أقلام / الافتتاحيّة: “العصا والعجلة”
الافتتاحيّة: “العصا والعجلة”

الافتتاحيّة: “العصا والعجلة”

téléchargement (4)شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعدا في نسق التحركات الاجتماعية، وشملت هذه التحركات الإضرابات النقابية التي مسّت قطاعات حيوية على غرار التعليم والصحة والنقل  والطّاقة، كما شملت الاحتجاجات الشعبية في عدد من الجهات للمطالبة بالتنمية والتشغيل. ومع عودة التحركات واتخاذها نسقا متسارعا، عاد خطاب التجريم والتخوين الذي تفاوت من إدانتها باستعمال التعلة القديمة/الجديدة القائمة على “المس من المصلحة الوطنية” و”عدم مراعاة الصعوبات التي تمر بها البلاد” والتلميح إلى “وقوف أطراف خلف هذه الاحتجاجات” و”وضع العصا في العجلة”، إلى الدعوة الصريحة إلى استعمال القوة لفضّ هذه التحركات وخاصة تلك التي تشهدها منطقة الحوض المنجمي وما نجم عنها من تعطل شركة فسفاط قفصة. واللاّفت للانتباه أنّ هذا الخطاب لم يجئ على لسان مسؤولين حكوميّين فحسب، بل أيضا على لسان سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال…

إنّ هذا الخطاب إذ يعبّر عن النزعة المعادية لكل أشكال النضال الاجتماعي المتفشية في الأوساط المرتبطة بدوائر القرار السياسي والنفوذ الاقتصادي، فهو يكشف عن ارتباك هذه الأوساط أمام الصعود السريع لنسق التحركات الاجتماعية وتخوّفها من اتساع دائرتها إلى مزيد من القطاعات والجهات ورغبتها في وضع حدّ لتطوّرها خاصة وأنّ العوامل الموضوعية لانتشارها وتجذّرها متوفّرة في ظلّ سياسة الائتلاف الحزبي الماسك بمؤسسات الحكم التي تدير ظهرها للمطالب الشعبية والاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية للثورة وما ينتج عنها من تدهور متواصل لأوضاع الجماهير الشعبية. لذلك فهي تسعى إلى تأليب الرأي العام ضدّ هذه التحركات لعزلها وإحباط معنويات المشاركين فيها وثني كل من يفكر في الانضمام إليها من جهة ولإخفاء الأسباب الحقيقية للاحتقان الاجتماعي المرتبطة باستمرار نفس الخيارات الاقتصادية المنحازة للدوائر الرأسمالية المحلية والأجنبية على حساب مصالح الطبقات والفئات الشعبية التي أدت إلى اندلاع الثورة والتي واصلت فيها الحكومات والأحزاب الحاكمة المتعاقبة بعدها من جهة أخرى.

إنه من الوهم الاعتقاد أنّ نفس الأسباب قد تؤدي إلى نتائج مختلفة، فالقضية الأساسية التي طرحتها الثورة – من الزاوية الاقتصادية والاجتماعية- هي إعادة توزيع الثروة في البلاد، وتصحيح الاختلال الذي كان ومازال قائما في إنتاجها والتمتّع بها بين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية والجهات، ومادام هذا الاختلال قائما فلن ينتهي التوتر الاجتماعي، فهو إن يخفت في بعض الفترات، يعود من جديد كلما أحست الجماهير الشعبية بثقل الأزمة على كاهلها وكلما اكتشفت زيف الوعود الانتخابية والخطاب المجعول للاستهلاك الإعلامي ووضعتها على محك الممارسة.

إنّ الحل لإنهاء التوتر الاجتماعي هو تحقيق التنمية والتشغيل والعدالة الاجتماعية أو على الأقل الاستجابة إلى المطالب العاجلة المتعلقة بالتخفيف من وطأة الأزمة على الطبقات والفئات الشعبية وتحسين ظروف عيشها اليومي وإعطاء مؤشرات واضحة وملموسة على التوجه نحو تغيير السياسة التي أنتجت الفقر والبطالة والتهميش بما يعيد جرعة من الأمل للتونسيين والتونسيات ويقنعهم بأنّ الأهداف التي كافحوا من أجلها في طريقها إلى التحقيق. وواهم من يعتقد أنّ هذا التوتر سيتراجع في ظل تواصل العوامل المسبّبة له وأنّ الحراك الاجتماعي سيتوقف بفعل خطاب التّضليل والتهديد والتجريم والقمع أو أنّ العصا ستوقف عجلة التغيير الاجتماعي عن الدوران.

           (افتتاحية “صوت الشّعب”: العدد 177)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×