الرئيسية / الافتتاحية / إعلان حالة الطوارئ: إعلان عن الفشل الأمني والسّياسي
إعلان حالة الطوارئ: إعلان عن الفشل الأمني والسّياسي

إعلان حالة الطوارئ: إعلان عن الفشل الأمني والسّياسي

Sans titre-1

أعلن رئيس الجمهورية مساء السبت 04 جويلية 2015 عن اتّخاذ إجراء خطير يتمثّل في إعلان حالة الطوارئ في تونس بعد أن سبق أن علمنا أنه رفض ذلك في مجلس الأمن الذي انعقد قبل يومين.

هذا الإعلان المخالف للدستور والذي لجأ فيه إلى تطبيق نص قديم مخالف للدستور الحالي يعبّر فقط عن فشل أمني وسياسي.

معلومات خفيّة أم مناورة سياسيّة؟

إنّ الفصل 80 من دستور جانفي 2014 إذ يعطي الحق لرئيس الجمهورية في اتّخاذ التدابير التي تحتّمها الحالة الاستثنائية، فإنّه يشترط وجود “خطر داهم مهدّد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها” ويكون من نتائج هذا الخطر تعذّر السير العادي لدواليب الدولة. وبطبيعة الحال فإنّ إقرار حالة الخطر الدّاهم ترجع لتقدير رئيس الدولة. وهنا يُطرح سؤال مهمّ: هل هناك معطيات ومعلومات تتعلّق بخطر داهم مهدّد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها ونحن (أعني المواطنين وخاصة السّياسيّين والإعلاميّين) لا يعلمون بذلك؟ وهنا يطرح سؤال آخر: هل تكون هذه مناورة سياسية المقصود منها فرض سياسة الأمر الواقع بقوّة القانون تحت غطاء الخطر الدّاهم، بما يمثل ذلك من إمكانية تجاوز القانون والتّعدّي على الحريات ومنع الخصوم السياسيين والاجتماعيين من التحرّك؟ ويزداد القلق والتساؤل، خاصة إذا علمنا أنّ الأمر عدد 50 لسنة 1978 الآنف الذكر يعطي صلوحيات واسعة للسلطة التنفيذية (الوالي أو وزير الداخلية) دون أيّ رقابة (قضائية أو برلمانية). ينصّ الفصل الأوّل من الأمر المذكور على أنه “يمكن إعلان حالة الطوارئ… إمّا في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام وإمّا في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صيغة كارثة عامة”. هذا النص يحتمل تأويلات وتفسيرات كثيرة. ولكن ما هو الخطر الدّاهم؟ وأين هي الكارثة العامة؟ لعلّ بيت القصيد في هذا النص، ما ورد بالفصلين الرابع والخامس منه، إذ ينصّ الفصل الرّابع أنّ إعلان حالة الطوارئ تخوّل للسلطة التنفيذية (الوالي في نطاق ولايته): منع جولان الأشخاص والعربات ومنع كلّ إضراب أو صدّ عن العمل وتحجير الإقامة على أيّ شخص يحاول، بأيّ طريقة كانت، عرقلة نشاط السلط العمومية وتسخير الأشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العمومية… وينصّ الفصل الخامس من الأمر المذكور على أنه يمكن لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية… أيّ شخص يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين. في غياب المعلومات الصحيحة ونظرا لأنّ الأحداث التي عرفتها البلاد على المستوى الأمني أخيرا (باردو وسوسة) لا تمثل حسب رأينا “خطرا داهما مهدّدا لكيان الوطن…”.

فشل أمني
إنّ إعلان حالة الطوارئ في تونس الآن، إلى جانب عدم دستوريّته، فهو تعبير عن فشل أمني و سياسي فحسب. أمّا الفشل الأمني، فقد عاينه الجميع سواء في أحداث متحف باردو أو في أحداث نزل “امباريال مرحبا” بسوسة. في أحداث باردو، اتّضح غياب عناصر أمنيّة في مكان عملهم ودخل الإرهابيّون مقر المتحف بسلاسة ودون رقابة وهم مدجّجون بالسلاح وفعلوا ما فعلوا (قتل وجرح العديد من السياح الأجانب). ولم يتمّ الانتباه إليهم ومواجهتهم إلاّ بعد فوات الأوان. وقد أقرّ وزير الداخلية بالتقصير وقام بإبعاد بعض الأمنيّين المسؤولين في الجهة. وفي أحداث سوسة حدث تقريبا نفس الشيء، إذ تمّكن شخص بمفرده من قتل 38 سائحا دون أن يجد أيّ مقاومة في غياب تام للأمن. وقد صرّح وزير الداخلية أنّ هناك من “خلق حالة فراغ أمني”.

إصلاح المنظومة الأمنيّة
المشكلة تتعلق إذن بتسيير جهاز الأمن والتصرف فيه، سواء من ناحية التخطيط أو طرق المواجهة أو الجاهزية… إلى غير ذلك من المسائل الأمنية التي تهم أهل الاختصاص. ولكنّ البارز والواضح للعيان وللمتابع العادي للأحداث أنّ منظومة الأمن التونسي في حاجة إلى إصلاح شامل وهو اليوم بيت الداء. وكان حريّا بالسّلط المعنيّة أن تتّخذ الإجراءات الضرورية في هذا الشان، عوض اللّجوء إلى إجراءات استثنائية سيتضح فيما بعد أنها لم تؤدّ إلى النتائج المرجوّة. بل قد تؤدّي إلى نتائج عكسيّة تماما (شعور الإرهابيين بالانتصار وتشجيعهم على مواصلة أعمال الإرهاب وعزوف السيّاح عن القدوم لبلادنا كعزوف المستثمرين عن الاستثمار في تونس…) وذلك نظرا لأننا لم نعالج الأسباب الحقيقية للمرض ونذهب كلّ مرة إلى معالجة المظاهر أو تناول مسكّن فحسب.

فشل سياسي
نأتي أخيرا للفشل السّياسي للحكومة، بعد قرابة نصف سنة من العمل. فهذه الحكومة لا تحمل برنامجا ولا رؤية سياسية وهي حكومة مناصب وكراسي تسعى إلى تحقيق مصالح آنية وإلى كسب المواقع والحفاظ عليها. فإلى حدّ هذا التاريخ، نحن لا نعلم ما هو برنامج هذه الحكومة عامة ولا نعلم ماهي استراتيجيتها الأمنية. ونتساءل ماذا فعلت هذه الحكومة على مستوى حماية الحدود التونسية الليبية ودخول وخروج الإرهابيّين وتهريب السلاح من ليبيا، كما نتساءل ماذا فعلت هذه الحكومة مع مصادر تمويل الإرهابيين وخاصة ما يروج من أنّ العديد من الجمعيّات مرتبطة بالإرهابيّين ولديها أموال طائلة متأتّية من بعض بلدان الخليج … إنّ مقاومة الإرهاب تتطلّب وضوح الرؤية واسترتيجيا وبرنامجا سياسيّا محدّدا. غير أنّ هذا غير متوفّر اليوم. بل أكثر من ذلك، إنه غير ممكن التحقيق حاليا في ظلّ حكومة الفسيفساء والمتناقضات. فالنهضة تغاضت عن الإرهاب عندما كانت في السلطة ولا نعتقد أنّها تدفع في اتّجاه محاربته اليوم. وقد يكون من أوائل المهام المطروحة على حكومة الصيد اليوم الحسم في مسألة تحالف النداء والنهضة. ذلك أنّ انفصال حزبي النداء والنهضة عن بعضهما قد يمكّن الحكومة الحاليّة من وضع استراتيجيا لمكافحة الإرهاب وإعادة هيكلة المنظومة الأمنيّة.

الاستاذ محمود مطير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×