الرئيسية / صوت الوطن / مؤتمر وطني للشّباب لا يخدم الشّباب ولا يمثّلهم
مؤتمر وطني للشّباب لا يخدم الشّباب ولا يمثّلهم

مؤتمر وطني للشّباب لا يخدم الشّباب ولا يمثّلهم

 دعت رئاسة الجمهورية إلى عقد مؤتمر وطني للشباب، من المقرر أن يلتئم يوم السبت 14 ماي الجاري، في خطوة تثير عديد التساؤلات خاصة حول الأهداف والدوافع الحقيقية التي تقف وراء هذه المبادرة.

photo_17

إنّ التشكيك في مصداقية هذا المؤتمر لم يأت من فراغ، ولنا عديد الأسباب التي تجعلنا نجزم بأنه ليس مؤتمرا للشباب، ولا يخدمهم ولا يمثّلهم.

 مبادرة دون محتوى

أوّل هذه الاسباب هو عدم وجود أية مضامين لهذا المؤتمر، فلم يقع الإعداد لوثائق وأوراق تشخّص حالة الشباب التونسي اليوم وما يعيشه من إحباط وغضب يتفجر بين الفينة والأخرى على امتداد خارطة الوطن. كما لا توجد أية مقترحات أو تصوّرات لحل مشاكل الشباب التونسي، وخلق الأمل لديه في مستقبل زاهر وواعد. فلم ينبني هذا المؤتمر على المعدلات المرتفعة للبطالة في صفوف الشباب التونسي، وخاصة أصحاب الشهائد العليا، ولم يأخذ في الحسبان تداعيات البطالة والفقر وما تنتجه من أمراض اجتماعية كمعدلات الجريمة المرتفعة واستهلاك المخدرات والهجرة السرية التي ترمي بأبناء تونس في البحر، الذي اعتقدوا أنه جسرهم نحو حياة كريمة لم توفّرها لهم بلادهم، لتبقى قلوب أمهاتهم تحترق لوعة وحسرة.

لم ينبن هذا المؤتمر على مشكلة شبكات تجنيد الشباب التكفيرية الإرهابية لتسفيرهم إلى مناطق النزاع تحت مسمى الجهاد. وقد أظهرت إحصائيات شبه رسمية أنه تمّ منع 2000 شاب تونسي من السفر كانوا متوجهين إلى سوريا منذ بداية سنة 2016، ما يظهر فداحة وخطورة هذه الظاهرة. لكن المسؤولين عن “المؤتمر الوطني للشباب” لا يعيرون كلّ هذا اهتماما، ولا يضعون بالتالي الخطط الكفيلة بمعالجة جذرية لأسباب الظاهرة.

 

غياب القوى الشّبابيّة المؤثّرة

وثاني الأسباب التي تدفعنا إلى التشكيك في مصداقية هذا المؤتمر هو الغياب الكامل لكل القوى الشبابية المؤثّرة سواء من فصائل شبابية تقدمية عرفت بنضالاتها طوال فترة الاستبداد زمن بن علي وقدمت عديد الشهداء والمئات من السجناء، أو المنظمات والجمعيات الشبابية على غرار الاتحاد العام لطلبة تونس واتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل، وهي منظمات لها دور كبير ومساهمة فعالة في الشأن الوطني، كما لها تصوراتها لمشاكل الشباب التونسي وسبل حلها، هذا ناهيك عن غياب الجمعيات الثقافية والفنية التي تُعنى بالجانب الثقافي شبابيا ولها إسهامات كبيرة في هذا المجال. الأمر الذي يجعل من هذا المؤتمر مقتصرا فعليا على شباب الأحزاب الحاكمة، ما يفقده كلّ معنى وأهمية.

 التّعاطي الرّسمي مع مشاكل الشّباب

 ويبقى أهم سبب هو التعاطي الرسمي والحكومي مع الشباب التونسي ومشاكله. والحقيقة أنّ المراقب لكل حراك سياسي واجتماعي منذ سنة 2015 سوف يلحظ أنّ السلطة لا تقيم أيّ حوار مع شباب تونس سوى عبر لغة العنف والقمع.

 فالشباب هو الذي كان في مقدمة كلّ التحركات الاحتجاجية الاجتماعية المطالبة بالتنمية والتشغيل، في القصرين والدهماني وقفصة وقرقنة والمكناسي وغيرها من المدن، وكل هذه التحركات قوبلت بالقمع والتهديد. وتحركات القوى الشبابية المعارضة لقانون المصالحة الوطنية في سبتمبر الماضي جوبهت بقمع شديد وصل حدّ الاعتداء الوحشي على الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس وائل نوار، وإيقاف العديد من الناشطين والمحتجين السلميين دون حق ودون موجب. إضافة إلى الاعتداء على المسيرات الطلابية، والتضييق على شباب تونس المبدع عبر منعهم من العزف والغناء في شوارع بلادهم بتهمة “تعطيل مرفق عمومي”! ولا يفوتنا التذكير بما تعرّض إليه قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس من قمع وتعنيف فاق كلّ تصور رغم حضور ومشاركة بعض نواب الشعب في مسيراتهم السلمية المندّدة بانقلاب الحكومة على تعهداتها واتفاقاتها مع المفروزين أمنيا.

 تلميع صورة الرّئيس

وهكذا فإنّ الحكومة أو رئاسة الجمهورية ليسا في موقع يخوّل لأيّ منهما أن يتحدث عن الشباب أو مشاكله أو طموحاته ومطالبه. وليس من الشطط أن نقول إنّ الهدف الحقيقي – نظرا إلى كلّ ما سبق –  من هذا المؤتمر لا يعدو أن يكون محاولة لتلميع صورة رئاسة الجمهورية، وإظهار الرئيس السيد الباجي قايد سبسي بمظهر الأب الحنون على أبنائه، إضافة إلى محاولة توظيف الشباب لمصالح انتخابية بحتة، والانتخابات البلدية على الأبواب، ما يُعدّ بدوره استغلالا للسلطة وإمكانيات الدولة لمصالح حزبية ضيقة، هو إذن توضيف موسمي واستغلال للشباب لم يختلف لا شكلا ولا مضمونا عمّا دأب على ممارسته نظام بن علي وكل الأنظمة الرجعية في العالم.

لكنّ شباب تونس الواعي والمناضل والمبدع سيظل خارج قاعاتهم يكافح من أجل ما لم يتحقق بعد، الشغل والحرية والكرامة الوطنية، وليس عليه سوى تنظيم نفسه ورصّ صفوفه حتى يتمكن من قلب كلّ الموازين لصالحه بما يمكّنه من صنع الأمل، له ولأجيال أخرى قادمة.

غسان بوعزي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×