الرئيسية / أقلام / المشروع الجماهيري للجبهة الشعبية أمام امتحان الصمود
المشروع الجماهيري للجبهة الشعبية أمام امتحان الصمود

المشروع الجماهيري للجبهة الشعبية أمام امتحان الصمود

في إطار التطورات السياسية الحاصلة صلب الجبهة الشعبية وإقدام كتلتها البرلمانية على الاستقالة بشكل أحادي، ونظرا لما نتج عنه من سجال وجدل صلب قواعدها وأنصارها والرأي العام، نشر عضو المجلس المركزي للجبهة الشعبية ونائب الأمين العام لحزب حركة البعث يوسف الشارني النص التالي:                   

لا نستطيع الخوض في الوضع الذي تعيشه الجبهة الشعبية حاليا دون العودة إلى الحديث عن ملابسات وظروف نشأتها وتكوّنها وتأسيسها، فقد نشأت الجبهة الشعبية استجابة لشعارات ثورة 17 ديسمبر -14 جانفي2011 ومواجهة هيئة بن عاشور التي عملت على احتواء شعارات الثورة وتوجيهها وفق أجندات انكشفت للعيان كلّ أهدافها وما أنتجته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، تحت مبرّرات الحفاظ على الأمن الوطني والمحافظة على أجهزة الدولة ومستغلّة في ذلك التهديدات التي اجتاحت وطننا من دخول لجحافل المتشددين والإرهابيين علنا وتحويل تونس منصة عبور واستقبال وتأطير لهؤلاء ومخزن لكل أنواع الأسلحة.

لقد نشأت الجبهة الشعبية للتصدي لقوى اليمين الليبرالي والإسلام السياسي المسنودتين إقليميا ودوليا بما أنّهما كيانين ينهلان اقتصاديا واجتماعيا من نفس المرجع وسوف تحكمهما نفس قوى الوصاية الامبريالية التي أوصلت بلادنا إلى الثّورة على نظام بن علي ونهجه، الذي تواصل وتعمّقت مآسيه أكثر انطلاقا من حكومة الترويكا وصولا إلى الحكومة الحالية التي أوصلت البلاد إلى حالة انهيار غير معلنة.

تكوّنت الجبهة في البداية من خمسة أحزاب ثم توسعت لتشمل حاليا تسعة مكونات يسارية تأكّدت، بعد فشلها منفردة في الانتخابات التأسيسية، أنه لا خيار لها سوى التأسيس لهذا التحالف وتطويره وتجذيره داخل الوعي الجماهيري وتثبيته قوّة فاعلة لإنقاذ تونس من براثن المخطّطات الاستعمارية بسياساتها المالية والاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الاستقطاب الثنائي الذي عمل على ضرب الجبهة والانخراط في خوض حملات استهداف وتشويه لأحزابها وقياداتها ومناضليها عبر التوجيه الإعلامي والدعاية المأجورة وشراء الذّمم وتوظيف المؤسسات الحزبية للتجمع الدستوري المنحل وابتزاز وترهيب منتسبيه وكوادره واستغلالهم وأيضا توفير محاضن للإرهابيين للعمل والنشاط وترهيب المواطنين إلى أن وصل هذا الاستهداف المغرض إلى تكفير مناضلي وقيادات الجبهة لينتهي باغتيال شهيدين من قياداتها شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي.

كل هذه الأحداث لم تزد الجبهة الشعبية إلا إصرارا على الوحدة بين مكوناتها خاصة بعد رسم أرضية تأسيسيّة واضحة المعالم والأهداف والإستراتيجية تقطع مع سياسات اليمين الفاشلة ومع خيارات وممارسات الإسلام السياسي اللاوطنية والمعادية للثوابت المدنية الوطنية والثوابت القومية، مثّلت المرجع المشترك الجامع المتّفق عليه بين كل مكوناتها على تعددها الإيديولوجي واختلاف تجاربها السياسية التاريخية.

لقد مثلت الأرضية التأسيسية للجبهة صمام الأمان لدوامها وانسجام قراراتها وهو ما جعلها تنجح في أكثر من رهان في إسقاط عديد المؤامرات والقرارات الحكومية مسنودة بقدراتها التعبوية خاصة بعد أن تمكنت من الوصول إلى البرلمان وصعود 15 نائبا جبهويا، ممّا جعل تجربتها كائتلاف سياسي محلّ احترام العديد من الملاحظين والناقدين السياسيّين بالداخل والخارج.

ماذا طرأ على الجبهة؟ هل هي جبهة سياسية تحكمها إستراتيجية ثورية وخط سياسي واضح يوفّـر لها المناعة الكافية ضد الاندثار والانصهار وفقدان الهوية؟ هل تحوّلت إلى جبهة انتخابية وجبهة قيادات وأفراد يستميلها وهج السلطة والمناصب؟ هل هي جبهة متحرّكة تتطور فتأكل أحزابها وقياداتها ومناضليها؟

لقد انطلقت الجبهة الشعبية منذ ستة اشهر في عقد اجتماعات ماراطونية استعدادا لخوض الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية لسنة 2019 وبالتالي الاستعداد المحكم للحيلولة دون الوقوع في بعض الهنات التنظيمية واللوجستيكية والإعلامية التي شابت انتخابات 2014 و الانتخابات البلدية ، وقد ضبط للغرض ثلاث محاور أولها يهم مراجعة أرضية الجبهة وبلورة الخط السياسي والتكتيكات السياسية اللازمة لخوض غمار هذه المنافسة الانتخابية أما الثاني فيهم المسألة الهيكلية والتنظيمية وعقد الندوة الوطنية الرابعة وآخرها الترشح للرئاسية و تحديد قائمات الانتخابات التشريعية.

مع الانطلاق في مراجعة المحور الأول انكشفت العديد من الاختلافات وظهرت نيّة بعض الأطراف في تقويض أساس الجبهة وضرب أرضيتها التأسيسية وتعويم النقاشات بالخوض في مسائل إيديولوجية ثانوية وعبثية محاولة لتهميش باقي الأحزاب ومرجعيّاتها الفكرية والسعي إلى فرض اللون الواحد وإدامة النقاشات والصراعات غير المجدية وغير البناءة وهو ما قوبل بالرفض من قبل المجلس المركزي الذي احتج على هذا السلوك الذي لا يعكس سوى السعي المسبق إلى الاستفراد بالرأي وتحويل وجهة الجبهة إلى غير هويّتها السياسية وفرض الخطاب الأوحد ويهدد بانسحاب العديد من مكوناتها…وانتهت هذه الأزمة بقرار حاسم من المجلس المركزي بتثبيت أرضية الجبهة مع إدخال بعض التعديلات تهدف إلى ضمان خصوصية حياتها السياسية و قطع الطريق أمام الانحرافات…

كما قرّر، ربحا للوقت وبموافقة كل الأطراف، تكليف الأمناء العامين لأحزاب الجبهة لحسم الترشحات للرئاسية والتشريعية وتثبيت مبدأ التداول على خطة الناطق الرسمي وتاريخ تفعيلها، على أن ندخل الندوة الوطنية وقد أعددنا أهم التوافقات حول المسائل المذكورة، خاصة وأن أغلب المشاركين بالندوة هم من مناضلي الأحزاب بالجهات.

من هنا نريد أن نوضّح للرأي العام وكل المناضلين الجبهاويين أنّ ما تمّ الاتفاق عليه كان بصورة ديمقراطية تعكس أخلاقيات التعدد الحزبي والسياسي داخل الجبهة، فما الذي أجج الأزمة بعد ذلك، لنر !!!

انتقل الأمناء العامون لاختيار مرشح الجبهة للرئاسية وحسم الأمر باختيار الرفيق حمّة الهمامي اختيارا معلّلا ومبررا في كنف الديمقراطية والاحترام للطرف الثاني وحزبه ثم ثبّت ذلك كتابيا وبالإمضاء ،لكن الطرف الثاني قابل هذا الاختيار والترجيح الديمقراطي بطرح خيارا أخر في تحديد مرشح الجبهة لم يحظى بموافقة أغلبية مكونات الجبهة  و أمعن في التحامل على الأحزاب الأخرى وتقزيمها في العلن و نعتها بنعوت بعيدا عن الاخلاق السياسية  وهي التي أوصلته وأوصلت غيره ممن استقال من الكتلة إلى كرسي البرلمان وهي أيضا من ساهم في إحداث الفارق مقارنة بالانتخابات التأسيسية لسنة 2011 ، وساهمت في أخراج اليسار الوطني  القومي و الماركسي  من موقع “صفر فاصل”

الكلّ تألم والكلّ استاء من هذا السلوك غير الرفاقي، لسنا أحزاب صغيرة، نحن أحزاب كبيرة بتاريخها وشهدائها لو يراجع التاريخ، نحن أحزاب كبيرة في إخلاصها للجماهير الكادحة وفي ذودها عن السيادة الوطنية وفي وقوفها شوكة في حلق المطبعين المجرمين وأسيادهم ممن أكل أشلاء الفلسطينيين على موائد الذل والعهر والعمالة وفي انحيازنا للخيارات القومية ضد الأجندات المعادية ،نبقى كبارا وإن تغافل عنّا الإعلام في تماهي مع محاولات الاجتثاث التي لم و لن تفلح أبدا… نظل كبارا لأننا لم ولن نفرّط في الجبهة ولن نسمح بالتفريط فيها ولن نذهب إلى الانتصار ضدّ مقرراتها وخياراتها الثورية ولن نضع أيدينا في أيادي  اليمين العدو الطبقي والعدو الجماهيري والعدوّ القومي..

ولن نذهب إلى إرباك نشاطات الجبهة ولن نشارك أيضا في النّيل من رفاقنا مهما علا شأنهم أو قلّ، إيمانا منّا بأن كل رفيق يمكن أن يقدّم الإضافة وجهده وتاريخه يحفظ بأعيننا وذاكرتنا وقلوبنا ولو اختلفنا معه ولو أخطأ التصويب والهدف، فالكل يتعلّم ويكبر أفرادا وأحزابا.

هكذا كان عهدنا للجبهة الشعبية فكيف نتحوّل فجأة إلى خناجر تدق في صدورنا وكيف يتحول الخصم أكثر رحمة من الرفيق ولماذا نصل إلى هذا ؟؟؟ نعود الآن إلى الاستقالات، التي جاءت بعد دعوة من بعض نواب الجبهة إلى العودة إلى اجتماع المجلس المركزي بعد المطالبة بإخضاع اختيارات المرشحين إلى القواعد الجبهوية بالجهات وفي الحقيقة فان هذه الدعوة فيها كثير من اللامعقول واللاواقعي وأولها كيف يمكن الارتهان لمؤسسات جبهوية أغلبها معطل منذ مدة، وكيف يمكن تجميعها خاصة المناضلين المستقلّين وغير المنتظمين وقد اختلفوا فيما بينهم حول اختيار ممثليهم منذ مدة، الأمر الذي أثر سلبا على نتائجنا بالانتخابات البلدية. إنه من العبث العودة في مثل هذا الوضع وهذه التطورات إلى هذا الخيار الذي تعجز عن تكريسه أغلب الأحزاب فُرادى فما بالك بائتلاف سياسي يتكوّن من 9 أحزاب، ثمّ ألم يحسم المجلس المركزي، عضوا عضوا وحزبا حزبا بلا استثناء آليّة اختيار المرشحين فلماذا العودة ونسف كل ما تقرر؟ أم أن هذه القرارات جاءت ضد مصالح وطموحات بعضهم وخاصة ممّن استقال من الكتلة البرلمانية..

وبالنسبة للاستقالات كانت بمثابة الصدمة، إذ كيف يمكن لكتلة تشكلت آليا وطبيعيا بالانتماء إلى جبهة وائتلاف سياسي، وقبل حتى انتظار نتائج الانتخابات، أن تتصدّع كما لو أنها تشكلت داخل البرلمان؟ وحتى لا نتيه في الجزئيات الكل يعلم أن بعضهم استقال لتصفية حسابات داخلية مع حزبه والبعض الآخر استقال لأنه أصبح غير ضامن لموقعه نتيجة لمردوده المهزوز وفقدانه لثقة المناضلين الجبهاويين وسائر المواطنين بالجهات التي انتخبوا فيها نوابا.

لقد أقامت هذه الاستقالات الدّليل الواضح على رفض العديد من النواب التنازل عن مواقعهم والترشّح مجددا للبرلمان ورفضهم المطلق الخضوع للتقييم وممارسة سلوك الابتزاز، خاصة وأن أغلبهم كان في البداية منسجما مع كلّ المقرّرات بما فيها مرشّح الرئاسيّة… كانت استقالاتهم رغبة واضحة في الابتزاز والتّهديد بتدمير الجبهة سعيًا منهم إلى إقصاء تمثيليّة الأحزاب الأخرى بكل انتهازية ونكرانٍ ودفعها للخروج من الجبهة وأيضا مزيد من الاستحواذ على الدّوائر كما لو كانت الجبهة غنيمة لهم وملكا مسجّلا لهم…

فعن أي ديمقراطية يتحدّثون ؟؟؟ وعن أي تداول على المواقع يتحدثون؟؟؟ وعن أي كفاءات يتحدثون؟؟؟ وعن أي مسار ثوري سيدافعون، وأين هم من النضال لأجل “جبهة شعبية ثورية” تؤسس “لجمهورية مدنية ديمقراطية اجتماعية ذات أفق اشتراكي” جبهة لا يهمها الحكم والمناصب بقدر ما يهمها رغيف الفقير والضعيف والمعطل، جبهة تقف لتونس ومناعة ثقافتها ومدنيتها وهويتها وتأكيد سيادتها على مقدراتها ومستقبل أجيالها… جبهة تقف ضد العدوان الامبريالي الصهيوني على وطننا العربي وتتصدى لعملائه من الكمبرادور المالي والثقافي والطائفي الرجعي، جبهة لن تترك مجالا للانزلاق نحو فقدان هويتها السياسية ونهجها الثوري التقدمي مهما كانت النتائج والأزمات ومهما كانت الإغراءات… جبهة تقدّمية تقطع الطريق أمام عقلية الإقصاء والإفساد وكل من يستعجل التسلّق والمكاسب الحزبية والذاتية الضيقة ..وعلى الجبهة الشعبية الآن  أن تواصل المشوار وتحافظ على بنيتها التنظيمية وخطها السّياسي وتتقدم إلى الأمام وتخوض المنافسة الانتخابية وتواصل النضال بكل شجاعة وثقة وأمانة، وسوف تعوّل على مصداقيّة مناضليها وأنصارها وأبناء شعبنا المؤمنين بها وبمشروعها السياسي لمزيد الالتفاف حولها مهما كانت النتائج الانتخابيّة القادمة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

3 × 2 =

إلى الأعلى
×