الرئيسية / صوت العالم / البرازيل بين التّهور الشعبوي وجائحة كورونا
البرازيل بين التّهور الشعبوي وجائحة كورونا

البرازيل بين التّهور الشعبوي وجائحة كورونا

عمار عمروسية

بخطى متسارعة تتجّه “البرازيل” نحوالنّموذج المأساوي لبعض دول أوروبا (فرنسا، إيطاليا، إسبانيا…) في علاقة بتداعيات كورونا، ذلك أنّ حصيلة الإصابات تجاوزت 130 ألف وأعداد القتلى قارب 8 آلاف.

حدث كلّ هذا والبلد وفق الجهات المختصّة محليّا وعالميّا مازال بعيدا عن الذّروة، الأمر الذي يجعل من فاتورة التّكلفة البشرية مفتوحة وقابلة لمزيد الثّقل.

فالأرقام الحاصلة حتّى هذا الوقت جعلت من “البرازيل” الاستثناء في محيطها الإقليمي الاتيني، فأرقام المصابين والقتلى بهذه البلاد تجاوزت عشرات المرّات المعدّلات الحاصلة بكلّ دول الجوار مجمّعة بما فيها تلك الفقيرة والمتخلفة اقتصاديا وعلميّا أو تلك الخاضعة إلى عقوبات شاملة همجيّة بقيادة الولايات المتّحدّة الأمريكيّة مثل كوبا وفنزويلا…

فالانتشار الوبائي وفق ماهو معروف مازال محدودا في البلدان اللاتينية بما يشبه الحالة في القارّة الإفريقيّة وبعض دول أوروبا الشرقيّة، الأمر الذي يطرح مشروعيّة السؤال عن أسباب التّفرّد البرازيلي خصوصا إذا علمنا أنّ الأخيرة هي صاحبة التّفوّق الكبير عن كلّ جيرانها في المجالات الاقتصادية والماليّة…

بلد موسيقى “الصامبا” الرّاقصة والعشق الجنونيّ لكرة القدم وملاعبها تغرق رويدا رويدا تحت إيقاع مآسي وعذابات جائحتي كورونا والفقر المتعاظم في صفوف الشباب والعمّال المسّرحين من عملهم وسط سطوة العصابات الإجراميّة المسلّحة التي حولّت العاصمة “ريو” والمدينة الثانية “ساو بأولو” إلى مسارح سطو على الممتلكات الخاصّة وتقتيل للأبرياء وأسواق مفتوحة للاتّجار بالبشر وجميع أصناف المخدّرات.

يغرق الكادحون وأغلب الطبقات بهذا البلد كما لم يحدث من قبل على الأقلّ في العشريتين الماضيتين بسبب السياسات النيوليبرالية المتوحّشة لنظام الحكم الذي يتربع على عرشة الرئيس “بول سي نارو” زعيم أقصى اليمين المتطرف الفاشستي محليّا والنّسخة الرديئة والبشعة لـ”دونالد ترامب”.

فالرئيس الشعبوى منذ استلامه الحكم سارع إلى فكّ إرتباط “البرازيل” بمحور الممانعة ومقاومة الهيمنة الأمريكيّة ووضعها بصفة مفضوحة في خدمة التّوحش الأمريكي بما يعنيه من انخراط وقح في تنفيذ مخططات تسهيل التّوسع الاستعماري ونهب ثروات شعوب المنطقة والتآمر على أنظمتها الوطنية.

وبالعودة إلى مسألة جائحة كورونا ومعالجة تداعياتها فقد ارتمى “بول سي ناورو” دون تردّد في التّكرار الببغائي لمقاربة دونالد ترامب”القائمة على الاستهتار بالوباء وتغايب المصالح الاقتصادية على السلامة الصحّية والأرواح البشرية.

أفظع من ذلك فالأخير يبدي تمسكا لا حدود له في التّمترس وراء بؤس نظرية صدمة القطيع التي اضطرّ أولّ المبشّرين بها إلى تغيير قناعاتهم بها جزئيا (ترامب) أو كليّا (بوريس جونسون).

تغرق “بلاد” أكبر كرنفالات الاستعراض والبهجة في أحزانها ويشتدّ الانقسام الطبقي والمجتمعي حول أسلوب مواجهة هذه الآفة، والرئيس يحشد أنصاره في السّاحات العامّة للتّحريض ضدّ إجراءات الحجر الصحي التّي أقرّها بعض حكّام الولايات.

“ساوباولو” تودّع يوميّا المئات من مهمّشيها وعمّالها إلى مقابر جماعيّة وسط أحزان غير مسبوقة قال عنها أحد كبار المثقفين البرازيليين مؤخرا “مع وداع أمواتنا قد نودع إلى وقت طويل أفراح “الصامبا” ونكهة فنجان قهوة الصّباح”.

في هذه المناخات والأجواء ء يجوب الرئيس دون كمّامة بعض أحياء المدينة المنكوبة عاقدا الاجتماعات الحاشدة، داعيا إلى استئناف الحياة العادية وسط إجبار أصحاب المحلاّت التّجارية والمقاهي والمطاعم على مباشرة أعمالهم بقوّة الصلوحيّات الرئاسيّة وأجهزة الشرطة المدعومة بميليشيات مسلّحة من أنصاره.

يجتاح الفقر والجماعة أغلب المدن في “البرازيل” والنّظام غير مكترث بما يدور، الأمر الذي فتح الباب واسعا أمام بعض عصابات المافيا الإجرامية على لعب أدوار اجتماعية (توزيع إعانات مالية ،إيواءمشردّين…) تمثلّ غطاءا لتوسيع بسط نفوذها الشعبي في ملايين المحتاجين والمعدمين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×