الرئيسية / ملفات / ملف الفلاحة / في حوار خاص لـ”صوت الشّعب”: عضو النّقابة الجهويّة للفلاّحين بالقيروان عمر السلاّمي يكشف تاريخ التّنظّم النّقابي في تونس ويعرض جملة من مشاكل القطاع الفلاحي
في حوار خاص لـ”صوت الشّعب”: عضو النّقابة الجهويّة للفلاّحين بالقيروان عمر السلاّمي يكشف تاريخ التّنظّم النّقابي في تونس ويعرض جملة من مشاكل القطاع الفلاحي

في حوار خاص لـ”صوت الشّعب”: عضو النّقابة الجهويّة للفلاّحين بالقيروان عمر السلاّمي يكشف تاريخ التّنظّم النّقابي في تونس ويعرض جملة من مشاكل القطاع الفلاحي

حاوره: شريف خرايفي

فكرة تنظّم القطاعات والفئات ليست فكرة جديدة ولا هي مستحدثة، بل وجدت منذ وجد الاستغلال وحاجة هذه الفئات أو الطبقات لنيل حقوقها وبلورة مطالبها.

الفلّاحون في تونس إحدى الفئات التي خاضت نزالًا طويلا، إنْ ضدّ الاستعمار الذي افتكّ أراضيهم، أو كبار الملاّكين الذين هيمنوا على القطاع وفقّروا صغار الفلاّحين، أو الحكومات التي همّشت هذا القطاع وتركتهم لقمة سائغة للتهميش والابتزاز والتفقير الممنهج.

بمناسبة ذكرى الجلاء الزّراعي، “صوت الشعب” التقت رئيس النقابة الجهوية للفلاّحين بالقيروان السيد عمر السلاّمي وكان لنا معه الحوار التّالي:

بداية لو نعطي فكرة لقرّاء “صوت الشّعب” عن تجربة تنّظّم الفلاّحين بتونس؟

منذ بداية القرن العشرين بدأت مواجهات الفلّاحين التونسيّين مع المعمّرين الذين اغتصبوا أحسن الأراضي وأكثرها خصوبة وشرّدوا أصحابها الأصليّين حوّلوا فئات واسعة إلى عمّال فلاحيّين مفقّرين وبأجور زهيدة في أراضيهم التي أطردتهم منها السلطات الاستعماريّة بتواطؤ مع بايات تونس. ففي سنة 1906، وقد صادف موسم فلاحيّ شديد الجفاف خلّف معاناة كبيرة لدى أغلب التونسيّين وخاصّة الفّلّاحين تحت وطء الجوع والأوبئة والنّير الاستعماري البشع. فهلكت أعداد كبيرة من مواشيهم وضاعت ممتلكاتهم وأصبح أغلبهم غير قادر على توفير قوت يومهم. فاندلعت مواجهات بين المعمّرين والسلطات الاستعماريّة المدجّجين بأحدث الأسلحة وشرائح كبرى من الأهالي وذلك في 18 أفريل في مناطق من جهة القصرين وتواصلت الاِحتجاجات لمدّة أسبوع قبل أن يتمكّن المستعمر من إخماد التحرّكات…

وتتالت بعد ذلك عمليّات مواجهة في جلّ الأرياف التونسيّة ذات طابع فرديّ أو جماعيّ لكنّها ورغم أنّها اِكتست صيغة نوعيّة تطوّرت مع مرور الزمن ومع تراكم المواجهات لسنين طويلة لكنّها ظلّت محدودة ودون أفق بعيد في غياب قيادة تنظيميّة موحّدة ومبصرة همّها الخروج بالبلاد من الوضع المأسوي الذي تردّت فيه. ويُذكر أنّ المراجع التي تحدّث عن هذه الأحداث وغيرها تكاد تكون معدومة فقد تحدّثت السلطات الاستعماريّة الفرنسية عن أحداث ذات طابع دينيّ في القصرين في حين يذكرها التاريخ البورقيبي المحرّف وكلّ اِستهزاء على أنّها مواجهات ذات طابع قبليّ بين بعض الفراشيش وبعض المعمّرين.

إثر الحرب العالميّة الأولى وأزمة 1929 ومع تنامي الحسّ الوطني التحرّري محلّيا ودوليّا ونجاح بعض الثورات في تحقيق التحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي تذكر بعض المصادر التاريخيّة محاولتين لبناء تنظيم للفلّاحين لم تكتب لهما النّجاح نظرا لطابعهما الفئوي الضيّق ولاِنعزالهما عن الواقع المرير لعموم الفلّاحين التونسيّين.

في سنة 1952 بادر حزب الدستور إبّان فترة مفاوضاته مع المستعمر الفرنسي بإنشاء اِتحاد للفلّاحين يعرف حاليّا باسم الاتّحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري. وقد تمّ تكوينه في البداية في ظلّ الاتّحاد العامّ التونسي للشغل، حيث اِنعقد المؤتمر الأوّل لاِتحاد الفلاحة في مقرّ اِتحاد الشغل وبانخراطاته. ثمّ تفطّن بعد ذلك نظام بورقيبة وبن علي بعده والإخوان منذ الثورة إلى منظّمة سياسيّة رديفة للحزب الحاكم لتضييق الخناق على الفلّاحين وتهميشهم وضرب النّفس التحرري والاِنعتاق لديهم إضافة إلى اِستغلاله كورقة اِنتخابيّة رابحة نظرا لاِمتداد نفوذه في عمق الرّيف التونسي باِعتماد المنظّمة في توزيع الحقوق الأساسيّة للفلّاحين على الولاء السياسي الأعمى واللّامشروط للحزب الحاكم مستغلّة في ذلك محدوديّة الوعي لدى طيف واسع من هذه الفئة إضافة إلى الحاجة الملّحة لبعض الخدمات والحقوق التي تحتكرها المنظّمة وباختراق تامّ لجميع القوانين.

هذا الوضع أدّى إلى تنامي أعداد الذين تمّ إقصاؤهم من هذه المنظّمة ومع بروز فئات متعلّمة ومثقّفة في أوساط الفلّاحين وبدأت تظهر فكرة إنشاء منظّمة ديمقراطيّة تدافع عن الفلّاحين ضدّ السلطة واجهها بن علي بجميع الوسائل المتاحة إلى حدود ثورة 14 جانفي، حيث تجدّد تشكيل قطعان الانتهازيين من الدساترة والإخوان وانصهروا داخل المنظّمة بهندسة وتخطيط محكم من المدعو شفيق صرصار الذي ضمن وصول التحالف المافيوزي إلى دكّة القيادة ثمّ تولّت العناصر النهضويّة تصفية بقيّة المكوّنات لتستأثر بالغنيمة.

بعد الثورة تبلورت فكرة بعث تنظيم فلاحيّ ديمقراطيّ يستجيب لمطالب الفلّاحين ولخصائص المرحلة فتكثّفت المشاورات وتمّ الإعلان عن تأسيس النقابة التونسيّة للفلّاحين بتاريخ 10 ديسمبر 2011 تزامنا مع ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ما المكاسب التي غنمها الفلاّحون من خلال تنظّمهم؟ وما هي حدود تجربتهم؟

بحكم طبيعة النّظام الدكتاتوري السائد قبل ثورة 14 جانفي لم تكن مسألة هيكلة القطاع الفلاحي تعني شيئا. فجميع القرارات كانت فوقيّة ويقتصر دور هياكل الوزارة على التنفيذ لا غير. وكان اِتحاد الفلّاحين يقوم بدور شكليّ حفاظا على اِمتيازاته التي تمنحها له السلطة مقابل تذيّله اللّامشروط واللّامتناهي لأسياده على حساب الفئات التي يمثّلها. لذا عملت السلطة على تعطيل أيّ هيكلة أو إعادة تنظيم سواء في الإدارة أو في الهياكل الفنّية أو العلميّة أو في تمثيل المهنة. حيث عطّلت السلطة ظهور الهياكل الجديدة التي لعبت دورا مهمّا في تطوير القطاع في أغلب الدّول في العالم. فوقفت سدّا منيعا ضدّ التعدّديّة النقابيّة في المجال الفلاحي بينما يعرف الجميع أنّها كانت تقف وراء الدّسائس المماثلة التي كانت تحاك ضدّ الِاتحاد العامّ التونسي للشغل. كما عطّلت تكوين الشركات التعاونيّة والتعاضديّات وحتّى حين أرغمت على قبولها أصدرت لها قانونا يجعلها خاضعة للسلطة السّياسيّة والإداريّة.

بعد الثورة وبعد تكوين النقابة التونسيّة للفلّاحين وظهور عديد الهياكل المهنيّة الأخرى من جمعيّات وتعاونيّات ومنظّمات وغيرها… وخاصّة مع تمكّن القطعان النهضويّة من دواليب تسيير اِتحاد الفلّاحين السلطة إلى المحافظة على اِمتيازات هذه المنظّمة ودعم دورها في تهميش الفلّاحين. وفي المقابل تعمل على إقصاء الهياكل الأخرى وجعلها تخضع للاّتحاد.

رغم هذه الصعوبات تمكّنت النقابة التونسيّة للفلّاحين بفضل كفاءة مسيّرها ومعرفتهم المتميّزة لدواليب القطاع واِستماتتهم في الدّفاع عنه من فرض وجودها داخل أغلب ولايات الجمهوريّة وداخل الهياكل الوزاريّة رغم العراقيل التي تضعها النهضة والعصابات الموالية لها وطنيّا وجهويّا، وأقامت النّقابة علاقات متميّزة مع بعض الأطراف على المستوى الدّولي.

هل عجز اتّحاد الفلاّحين عن توحيد صفوف الفلاّحين والبحّارة وتحسين أوضاعهم؟

من المعلوم أنّ العمل في القطاع الفلاحي وفي جميع حلقاته أصبح يعتمد البحث العلمي لتطوير المردوديّة والاستغلال الأفضل للإمكانيّات وهذا يتطلّب كفاءات علميّة قادرة على البحث والتجديد وإيجاد الصيغ والأساليب المتأقلمة مع الواقع لتوفير إمكانيّة تطويره والسير به نحو الرقيّ والازدهار وذلك في كافّة المستويات اِنطلاقا من مراكز البحث العلمي مرورا بالهياكل الإداريّة والتعليميّة والإرشاديّة وصولا إلى الفلّاح، حيث تتمّ ترجمة المجهودات إلى نتائج ملموسة. وهنا حول هذه النقطة بالذات تلتقي جميع الهياكل بما أنّ الهدف الأساسي هو النهوض بمردوديّة القطاع. وتكون الهياكل المهنيّة عنصرا أساسيّا في الربط بين البحث العلمي وأصحاب المهنة، وهذا يتطلّب منها أن تكون لها الكفاءة والقدرة على الاستيعاب حتّى تتمكن من إيصال المعلومة ورصد تفاعل المهنيّين ومساعدتهم على الاستغلال بالطرق الأفضل وكذلك معاينة الإشكاليّات وإيجاد الحلول الملائمة لها.

هذا إضافة إلى الهدف الأساسي لأيّ منظّمة فلاحيّة وهو الالتزام بالدفاع عن مصالح الفلّاحين وعموم الريفيّين المادّية والاجتماعيّة والتعليميّة… يتطلّب ميزات وخصائص لدى القيادات المهنيّة زيادة على ضرورة الالتزام بمجموعة من المبادئ الأساسيّة وهي :

الالتزام بالدفاع عن مصالح الفلّاحين
الالتزام بالطابع والنقابي
الالتزام بمبدأ الاِستقلاليّة النّقابيّة والسياسيّة
الالتزام بمبدأ التداول على المسؤوليّة
الالتزام بقواعد التصرّف الرشيد
الالتزام بالبعد الاستراتيجي للفلاحة

هذه هي القيم الأساسيّة للعمل النقابي التي يمكن تقييم مردود أيّ نقابي وأترك لكم وللقرّاء تعيير مدى اِحترام عصابات اِتحاد الفلّاحين في فترتيه الدستوريّتين والفترة الإخوانيّة النهضاويّة لهذه القواعد.

يبدو أنّ هذا إحدى مبرّرات بعث نقابتكم، لو تحدّثنا عن تجربتكم وعن أهداف نقابتكم؟

فكرة بعث النقابة التونسيّة للفلّاحين جاءت من الفراغ الذي تركه اِتحاد الفلّاحين بتخلّيه عن دوره في الدفاع عن مصالح منخرطيه حيث تحوّل إلى تنظيم ذي اِمتيازات خياليّة للمشرفين مقابل تحوّله إلى ذراع طائل من أذرع السلطة الحاكمة ووسيلة ضغط ومساومة رخيصة للحصول على حقوق ثابتة كالحصول على حصّة من العلف المدعوم أو الحصول على بعض المنح والامتيازات… بل تحوّل إلى مؤسسة سمسرة رخيصة تجمع مافيات متمعّشة من القطاع الفلاحي غير السمرة في الأعلاف المدعومة من مال دافع الضرائب أو الوساطة بين مصانع تحويل المنتوج الفلاحي والمنتجين. هذا إضافة إلى التنكّر لمشاكل صغار الفلّاحين وسائر سكّان الأرياف التي غالبا ما تتحوّل إلى خطاب منمّق للسمسرة ومزيد الامتيازات.

لذا اِرتأى بعض الفلّاحين الغيورين عن القطاع أنّ اِتحاد الفلّاحين بحكم قوانينه وأطره وتلاعبه مع السلطة منذ تأسيسه لا يمكن أن يكون غير منظّمة مافيوزيّة فاسدة غير قابلة للإصلاح أو التغيير وقاموا بتأسيس النقابة التونسيّة للفلّاحين منظّمة ممثّلة للفلّاحين ديمقراطيّة مستقلّة ومناضلة.

احتجاجات الفلاّحين لم تخفت طيلة سنوات وتصاعدت بعد الثورة، هل مردّ ذلك مطالب جديدة، أم أنّ الأوضاع ازدادت سوءً؟

الفلّاحون في تونس أو في أي مكان من العالم جزء لا يتجزّأ من المجتمع وهم يتأثّرون مباشرة ولو بدرجات متفاوتة بكافّة التغيّرات الاقتصاديّة وما ينجرّ عنها من تحوّلات اِجتماعية، ثقافيّة.. وغيرها خاصّة أنّ هذه الفئة هي الأكثر هشاشة في المجتمع وهي الفئة الأكثر عرضة للحيف الاجتماعي ولكافّة الأمراض رغم تفانيهم دون هوادة في تأمين غذاء الجميع. وما التطوّر الذي شهدته الحركات الاجتماعيّة للفلّاحين في العالم خاصّة في السنوات الأخيرة للقرن الماضي إلّا أكبر دليل على الأوضاع المزرية لهذه جرّاء ارتباط دواليب الإنتاج بالتصنيع الذي حوّل الفلّاحين في جميع أنحاء العالم إلى عبيد العصر نتيجة اِرتهانهم للسلطة الجشعة لرأس المال الذي أصبحت تديره كبريات الشركات وتكدّس أرباحا طائلة في نفوذ مطلق عابر للقارّات ضمن نظام العولمة بينما تخلّف الدّمار والجوع والخصاصة لدى الفئات الهشّة والمحرومة.

مع تطوّر هذه الأوضاع المزرية واِنتشارها في جميع أنحاء المعمورة، إضافة إلى الفساد السائد في أغلب الدول وتنامي أعداد ضحاياه من المنتجين تنامت أعداد الفلّاحين الرّافضين لهذه الاعتداءات فتكثّفت الاحتجاجات والتحرّكات الرّافضة لهذا وتحسّن التنسيق والتنظيم في ما بينها وأصبحت شيئا فشيئا تنصهر ضمن حركة عالميّة موحّدة بقيادة تنظيمي Via campesina و MSTالعالميّين.

في تونس تكاثرت في السنوات الأخيرة الحركات الاحتجاجيّة للفلّاحين وتنوّعت مواضيعها ومضامينها بين المطالبة بتحسين اسعار الموادّ المعدّة للتحويل الصناعي كالفلفل والطماطم والحليب أو الرّافضة للزيادات المشطّة في أسعار الكلفة خاصّة الترفيع المجنون في معلوم الأداء على النقل من طرف حكومة علي لعريّض في جانفي 2014 وكذلك التحرّكات الرّافضة لبعض المشاريع التي تخلّف دمارا بيئيّا والتحرّكات المطالبة بتعميم خدمات الدولة في الأرياف ومنها أساسا توفير الماء الصّالح للشراب.

مشكلة مياه الريّ والبذور والمشاتل والقروض الصغرى أهمّ معيقات تطوير القطاع خاصّة لصغار ومتوسّطي الفلاحين. كيف ترون معالجة هذه المسائل؟

ما فتئ مخزون المياه الجوفيّة في تونس يتراجع من سنة إلى أخرى بحكم تراجع كمّيات الأمطار في العقود الأخيرة وتزايد أعداد الآبار بشكل كبير وتطوّر نوعيّة المعدّات المستعملة في اِستخراج المياه من الأعماق خاصّة مع تطوّر مساحات المزروعات المعدّة للتحويل الصناعي خاصّة الخضروات الصيفيّة من الفلفل والطماطم المعروفة باِستهلاكها المهول للمياه. حيت بلغ الاستهلاك حدّ اِستنزاف الموائد المائيّة المتجدّدة التي تتكوّن من مياه الأمطار والأودية ووصل الأمر في عديد المناطق حدّ بداية اِستغلال المياه الأحفوريّة المتشكّلة منذ مليارات السنين. علما وأنّ هذه المياه أغلبها من المياه المالحة المضرّة بأديم الأرض مع طول الاستعمال، إضافة إلى أنّ الاستغلال المفرط للمياه الأحفوريّة قد يفقدنا التوازن البيئي وقد يؤدّي إلى كوارث كبيرة. وممّا زاد الأمر سوءا تناقص نزول الأمطار خلال العشريّات الأخيرة بسبب التغيّرات المناخيّة الناجمة بدورها ظاهرة الاِنحباس الحراري وتمركز ثقب الأوزون الذي تكوّن بسبب الغازات الصناعيّة المنبعثة من الدول المصنّعة فوق منطقة المغرب العربي مهدّدا هذه الدول بالمصير القاتم في ظلّ اِنعدام الحلول وتواصل حكومات الدول المصنّعة تنصّلها من مسؤوليّاتها في هذا الصدد مع تواصل اِستهتار حكوماتنا بالخطر المحدق وضعف الحركات الاجتماعيّة حول هذا الموضوع.

من ناحية أخرى فقدت السلطة سيطرتها على الوضع وأصبحت غير قادرة على مواجهة أعداد مقاولي الحفر العشوائي الذين تكاثروا خاصّة بعد ثورة 14 جانفي مستغلّين حالة التسيّب العامّ السائدة وعدم قدرة الإدارة على مواجهة الوضع بما فتح الباب على مصراعيه. فتمّ حفر عشرات الآلاف من الآبار العشوائيّة التي يصعب أو بالأحرى يستحيل تسوية وضعيّتها مستقبلا في ظلّ الأوضاع الاجتماعيّة المتدهورة للفلّاحين وأمام غياب نوايا السلطة في تطبيق خارطة فلاحيّة جدّية تضمن القدرة على التوازن بين المنتوجات والجهات وتوفّر للمنتجين حدّ أدنى من المردوديّة بعيدا عن جشع الشركات المتعدّدة المتربّصة بمصالحنا الحيويّة.

مياه السيلان المتمثّلة في مياه الأمطار والسدود تشهد هي الأخرى تناقصا لقلّة الأمطار ونظرا لإقامة الجزائر لسدود على الأودية التي مصدرها المناطق الحدوديّة ولتزايد الطلب في داخل البلاد خاصّة في مياه الشرب والمياه المعدّة للريّ الفلاحي.

النقص في المياه عموما ليس وليد الساعة بل إنّ عديد الدّراسات نبّهت منذ سنين طويلة خاصّة في أواخر القرن الماضي لهذا الخطر المحدق غير أنّ الحكومات المتعاقبة واجهت الأمر باللامبالاة وعدم الاكتراث بينما شرعت دول أخرى في نفس الوضع في تطبيق بدائل عمليّة ووضع الاستراتيجية المناسبة للمحافظة على توازنها. دخلنا مرحلة الخطر بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها، إذ تشير الدراسات والدلائل إلى أنّ مواردنا قد تنضب في حدود سنة 2050.

موضوع البذور والمشاتل موضوع كثير التشعّب لتنوّع المنتجات وكثرتها ولكلّ صنف من الأصناف خصوصيّاته ولا يمكن بتاتا الحديث بشكل عامّ موحّد. فالأمر يختلف بين بذور الحبوب التي هي بذور منتجة محلّيا وثمّ مراقبتها وكيفيّة تأقلمها لسنوات في صورة توريد أصول من الخارج تماشيا مع التطور العلمي أو في صورة اِستنباط أصناف جديدة وبين البذور والشتلات الأخرى كبذور الخضروات وغيرها وأغلبها مستورد…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×