الرئيسية / صوت الجهات / في قبلّي المصائب لا تأتي فـرادى!
في قبلّي المصائب لا تأتي فـرادى!

في قبلّي المصائب لا تأتي فـرادى!

علي الجلّولي

عادت ولاية قبلي لتتصدّر نشرات الأخبار من جديد، تتصدر لا بإنجازات وإبداعات وإضافات، بل للحديث عن إصابة عدد من الأطفال ب”التيفويد”، هذا المرض/الوباء الذي اعتقد الناس أنّهم دفنوه إلى الأبد منذ ستّينات القرن الماضي ولم نعد نسمع عنه إلّا بمناسبة المجاعات والجوائح التي تضرب هنا وهناك في القارّة الإفريقية والآسيوية وجنوب القارة الأمريكية في أكثر البلدان تخلّفا في اقتصادياتها وخدماتها العامة.

أطفال قبلي يصابون ب”التيفويد” بسبب المشكل المزمن الذي ظلّ يسِم الجهة منذ زمن طويل وهو مشكل مياه الشّرب التي تفيض في الجهة في فلاحتها السّقوية، لكن درجات الملوحة والمرارة غير المحتملة كانت على الدوام سببا في انتشار أمراض الجهاز الهضمي والمَعِدة و”الالتهاب الكبدي صنف أ” المعروف شعبيا بـ”بوصفّير” الذي ينتشر وتتناقله الأجيال في الجهة بسبب مياه الشُّرب بالأساس. واليوم يعود الوباء ليمسّ خاصة الأطفال بحكم هشاشة المناعة لديهم، ولا تجد وزارة الصحة حرجًا في الاعتراف بكون وزارة الفلاحة ومصالح “الصّوناد” لم تقم منذ مدّة بصبّ الكمّيات اللازمة من مادة “الكلور” في خزّانات مياه الشرب، وذلك في ولايتي قبلي وقابس، فكانت الإصابات في صفوف الأطفال بـ”التيفويد” في قبلي و”البوصفّير” في قابس.

في المقابل من ذلك لم نسمع عن فتح تحقيق في الغرض ولا تحميل للمسؤوليات، فلا فائدة من ذلك فهذه الجهات المحرومة والمُستثناة، مثلها مثل أغلب جهات البلاد، تعوّدت على الكوارث والجوائح وليس آخرها ما فعلته الكورونا في جهة قبلي بتقصيرٍ وإهمالٍ من السلطة. فهذه الجهة لازالت تعاني خللا حادًّا في البنية الأساسية لمجمل القطاعات والخدمات العمومية الأساسية في الصحة والتعليم والنقل والثقافة…، فضلا عن اتّساع ظاهرة البطالة والفقر والتهميش رغم ما تزخر به الجهة من مقدّرات طبيعية مميّزة (التمور، الصحراء، الماء الساخن، الشمس، الرّمال…) لكن غياب رؤية وخيارات وطنية وشعبية، ومواصلة الاحتكام لسياسات التبعيّة والتفقير والتهميش هي التي حوّلت هذه الجهة الجميلة إلى سجنٍ كبير يضيق فيه العيش ويصاب فيه الأطفال بأكثر الأمراض تخلّفا.

ولقد خرج الأهالي عن صمتهم، ونظّم اليوم أهالي “تنبيب” المُتاخمة لمدينة قبلي حركة احتجاجيّة للمطالبة بالتدخّل الصحي العاجل والناجع سواء لمعالجة المُصابين أو لتطهير المياه الملوّثة، ومراقبة مسالك ترويج المياه الآسنة وغير الصحّية التي تُباع في واضحة النهار.

ونحن من جهتنا نطالب في هذا الصّدد بفتح ملف مياه الشرب واتّخاذ الإجراءات الصحية العاجلة وفتح تحقيق إداري وقضائي في عدم تعقيم المياه، وفي هذا الاتّجاه، لا خيار أمام مواطني الجهة والفعاليات التقدّمية من أحزاب ومنظمات وجمعيات إلا رصّ الصفوف والتحرّك للدفاع عن الحقوق الأساسية لأبناء الجهة وبناتها في العيش الكريم، ولتفعيل الفصل 44 من الدستور الذي ينصّ على أن “الحق في الماء مضمون”، وطبعا الماء الصالح للشرب وليس الماء الجالب للأوبئة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×