صوت الشعب صوت الحقيقة
وهيبة العيدي متخرّجة من معهد الموسيقى والمسرح بالكاف
أنّ بلدا تأسس منذ نشأته على مشروع حضاري رفع دعامته الطاهر حداد ومحمد على الحامي وبلقاسم الشابي وعلي بن عياد، وخاض شيوخه (شيوخ الزيتونة) حربا فقهية ضدّ التطرف والمذاهب الدينية الغريبة على روح الفكر والحضارة المعتدلة والمتسمة بالتفتح والتّقدم والأخذ بما أنتجته الأمم الأخرى في مجال الفكر والفنون التي تربى عليها الشعب التونسي.
بلد كهذا كان أحرى بمهندسي مستقبله وأعني المشرفين على مساره ومصيره التعليمي أن يضعوا صوب أعينهم ما تقدِّمُه الفنون والمسرح تحديدا من دور في حماية وصيانة طابعه الحضاري وبعده الثقافي الوطني الذّي يعد من أهم مقومات الهوية بمفهومها ألقيمي والإنساني. (أعطيني مسرحا أعطيك شعبا عظيما).
وعندما نتفحّص الواقع نصاب بدوار الفاجعة، حيث أنّنا لا نجد سوى المعهد العالي للفن المسرحي بتونس يتوفّر على الحد الأدنى من مقومات معهد المسرح، في حين كنّا استبشرنا منذ سنوات ببعث المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف سنة 2005 إلاّ أننا ومن خلال المتابعة والمعاينة لاحظنا افتقاره وحالة بنيته التحتية المزرية، حيث انه يفتقر إلى ابسط المقومات، فلا نجد به قاعة للعروض كما لا يوجد به قاعات للتدريب، وفضاءات خاصة بالموسيقى ومعدّات موسيقية وهي من الحاجيات الضرورية والأساسية لمثل هذه الفضاءات حتى يتسنى لها الاضطلاع بدورها على أحسن وجه.
فعوض أن تعمل وزارة التعليم العالي في السنوات الفارطة على تدعيم هذا التوجّه ومدّه بالمعدّات وتطويره وتطوير أقسامه واختصاصاته وتعميم هذه المادة الأساسية على المعاهد والمدارس، طلعت علينا جامعة جندوبة بغلق المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف وتحويله إلى ورشة تابعة لها، لولا وقفة الأساتذة والطلبة وأهالي الكاف في وجه هذا التمشّي لتمّ غلق هذا المعلم الذي سهّل على أبناء الشعب المفقّرين وأبناء المدن الداخليّة من حقّهم في بناء ذواتهم وحقّهم في المعرفة وبناء رأسمالهم الرمزي (الذي قد يعوض لهم فقدانهم الرأس مال المالي).
إلاّ أنّنا ما زلنا نتوجّس خيفة من المساس بهذا المكسب خاصّة حين نرى محاولة التقليص من عدد طلبة الموسيقى الذّي نرجو أن لا يكون متعمّدا، الهدف من ورائه الإلغاء التدريجي لهذه المؤسسة بعد أن وُوجِهَتْ المحاولة الأولى بالفشل.
وهيبة العيدي: متخرّجة من معهد الموسيقى والمسرح بالكاف متحصلة على الايجازة في المسرح وفنون العرض
