الرئيسية / صوت الوطن / حوار مع الباحث في قضايا الهجرة خالد الطبّابي: المقاربات الهجريّة بين تونس والاتحاد الأوروبي ترتكز عموما على المقاربات الأمنية
حوار مع الباحث في قضايا الهجرة خالد الطبّابي: المقاربات الهجريّة بين تونس والاتحاد الأوروبي ترتكز عموما على المقاربات الأمنية

حوار مع الباحث في قضايا الهجرة خالد الطبّابي: المقاربات الهجريّة بين تونس والاتحاد الأوروبي ترتكز عموما على المقاربات الأمنية

حاوره شريف خرايفي

ملفّ الهجرة من الملفّات الحارقة، ظلّت تشغل الرّأي العام ومازالت، ارتداداتها تمسّ كلّ مناحي حياة التونسيّين، والمعالجات التي تقدّمها السّلطة، الحاليّة وسابقاتها، فاقمت هذه المعضلة ولم تكبح تطوراتها ومآلاتها الحالية، حتى أنها أصبحت تمسّ بشكل مباشر الاستقرار الاجتماعي، ومن ثمة السياسي. “صوت الشعب” طرحت عبر أعمدتها هذا الموضوع، وهي تعود في هذا العدد لتحاور الباحث في علم اجتماع الهجرة والحركات الاحتجاجية، والناشط في قسم الهجرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية الاجتماعية خالد الطبابي، فكانت لنا معه هذه المحادثة:

لو نبدأ بالمهاجرين نحو الضفّة الشمالية للمتوسّط. ما هي أوضاعهم وظروف تواجدهم؟

تتزامن الموجات الهجرية مع سياقات سياسيّة، سواء في أوروبا أو حتى محليا، وطنيّا. وهم عموما يختارون هذا الحلّ، الهجرة، باعتبارهم الفئات الأكثر هشاشة. أوضاع المهاجرين نحو “فضاء شانغان” هي تقريبا شبيهة بأوضاع المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء بتونس، هم عرضة للسياسات والمعاملات الدّونيّة والعنصريّة من قبل غالبية الأنظمة الأوروبية، خاصة مع تزامن صعود الأحزاب والنُّظم الشعبوية واليمينية الأوروبية، سواء كانت في إيطاليا مع جورجيا ميلوني أو مع إيمانوال ماكرون في فرنسا. المهاجرون عرضة أيضا للاتّهامات الكيديّة، خاصّة في إيطاليا التي باشرت عمليّات ترحيل قسري بدعوى أنّ هدفهم “أسلمة أوروبا”، وهذا واحد من ركائز حملة ميلوني الانتخابية. هم إجمالا عُرضة لمزيد التّضييقات في حقوقهم كمهاجرين، فأغلبهم لا يتمتّعون بالخدمات الصحيّة، وأصبح الانتقال من حالة “غير نظامية” إلى “حالة نظامية” أمرٌ شبه مستحيل.
إذا، كلّما تصاعدت أصوات الشعبوية والتيارات اليمينيّة في أوروبّا إلاّ وازدادت أوضاع المهاجرين غير النّظاميّين هشاشة وسوءًا.

ماهي قراءتكم للمقاربات الأوروبية لهذا الملفّ؟

هذا يتطلبّ عودة سريعة للتاريخ. فبعد انهيار المعسكر الاشتراكي وسيطرة النموذج النيوليبرالي المعاصر، أقرّت دول أوروبا تأشيرة شانغان واعتبرت أنّ الهجرة هي امتياز وليست حقٌّ. ومنذ ذلك الوقت ظهرت وتطوّرت ما يمكن تسميته بـ”الحدود التّمييزيّة” وأصبحت في ما بعد حدودا ردعيّة.
السّياسات الهجريّة دائما ما تكون سياسات غير عادلة وغير متكافئة (في مسألة الدّخول والخروج، مسألة من سيتحصّل على التأشيرة…). ولكنها (أي السياسات) عادة ما تتطوّر نحو مزيد من العنصريّة، وخاصّة مع “الميثاق الجديد للهجرة واللّجوء” مؤخرّا واعتبار بلدان، مثل تونس والمغرب وبنغلاداش، “بلدانا آمنة”، في حين يعلم القاصي والدّاني الأوضاع المتأزّمة التي تمرّ بها تونس والسّياق العام الذي يجعل منه أبعد ما تكون عن “الأمان”، خاصة بعد إعادة تشكّل ملامح دولة الاستبداد والتّضييق على الحرّيات، حتى أننا بتنا نتحدّث اليوم عن هجرة قسريّة بيئيّة ومناخيّة.
كلّ ذلك سيدفع نحو مزيد تضييق الخناق خاصّة في ما يتعلّق بطلبات اللّجوء في فضاء شانغان. دون أن ننسى مذكّرة “الشّراكة الاستراتيجيّة والشاملة” التي أمضت عليها تونس يوم 16 جويلية 2023 بقصر قرطاج، وأنا شخصيّا أعتبرها اتّفاقية نيوكولونياليّة جديدة تؤسّس للنّهب والاستحواذ على مقدّرات الشعب (ما عرف بالانتقال الطّاقي الأخضر) أو تعزيز إمكانيات وزارة الدّاخلية والحرس السّاحلي في تونس، هي مذكّرة تعزّز المنحى الاستبدادي والأوتوقراطي في البلاد، وهي مرّة أخرى علاقة غير متكافئة لمزيد عزل الحدود وبناء جدران عازلة…

المعلومات المتمخّضة عن الزّيارات المتواترة في الأشهر الأخيرة لميلوني شحيحة. ما هو سياق هذه الزيارات؟ وكيف تقرأها؟

جورجيا ميلوني إلى حدّ الآن ماضية في تكريس الشعارات التي رفعتها خلال حملتها الانتخابية والتي انبنت أساسا على حساب المهاجرين والمهاجرات في فضاء شانغان. ونريد أن نؤكّد أنّ جميع الاتّفاقيّات، الأمنيّة أساسا، تكون عادة بشكل خفيّ وسرّي. ولكن يمكن القول إنّ إيطاليا نجحت في فرض عدّة شروط على السّلطة التونسيّة بعد 25 جويلية 2021 خاصة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مؤخّرا في شهر جويلية صادقت تونس على “منطقة البحث والإنقاذ البحريّين”، وهي استراتيجيّة للحرس السّاحلي للإبحار أكثر في عمق البحر من أجل اعتراض المهاجرين.
جدير بالذّكر أيضا أنه في مذكرة التفاهم، تونس أمضت مع إيطاليا مسألة الترحيل القسري ومن جهتها سعت إيطاليا لتقديم ستّ خوافر بحرية للمساعدة في اعتراض المهاجرين.
هذه العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي ترتكز عموما على المقاربات الأمنية وليس على المقاربات الحقوقية، وهذا يتّضح أيضا في ملفّات أخرى كملفّ المفقودين ودفن من لفظهم البحر بطريقة عبثيّة، أيضا مجابهة حركات الاحتجاج والتّضامن بأسلوب قمعي، فالرئيس التونسي صاغ دستورا جديدا ولكن للأسف لم يشرّع قانونا يقطع مع القانون الزّجري الصادر سنة 2004 والذي لا يذكر كلمة مهاجر أو لاجئ وإنما يتحدّث فقط عن وثائق السّفر ويحرّم كلّ أنواع المساندة والمساعدة التي تُقدّم للمهاجرين. لذلك فإنّ السياسة الأوروبية تجرّم مثل هذا الفعل الإنساني، ونتحدّث بالأساس عن بحّارة الصّيد الساحلي وخاصة في مناطق مثل خليج قابس وجرجيس الذين يقدّمون المساعدة لمن هم في عرض البحر وتجرّمهم السياسة الهجريّة الأوروبيّة، فحتى برامج الإنقاذ (مثل برنامج “صوفي” في البحر الأبيض المتوسّط الذي هو بالأساس من أجل تفكيك شبكات التهريب ومجابهة الميليشيات اللّيبيّة) للأسف هذه البرامج الأوروبية تغضّ الطّرف ولا يهتمّون عندما يرون مهاجرين عالقين أو يغرقون في البحر.

ما الجديد بخصوص ملف المفقودين؟

ملف المفقودين هو أيضا أحد الملفات الذي خيّمت عليه السياسات الهجرية الأوروبية وهو أحد نتائجها. وأوضح مثال على ذلك ما حدث في خريف 2022 وحادثة غرق قارب في جرجيس الذي تشكّل إثره حراك 18/18 أو ما أَطلق عليه مواطنون محليون “خريف الغرباء”. للأسف كلّما حضرت المقاربات الأمنيّة فإنّ نتائجها تكون مزيدا من المفقودين في البحر.
إلى اليوم مايزال أهالي وعائلات المفقودين رفقة بعض المنظمات الحقوقية ومنهم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبعض الجمعيات الأخرى يناضلون من أجل معرفة مصير أبنائهم، في وقت ظلّت فيه الإجابات “الرّسمية” ارتجالية ومغالِطة. ومؤخّرا، يوم 4 ماي، خرج قارب من جهة قربة نحو السّواحل الإيطالية وعلى متنه عشرات المهاجرين أغلبهم من جهة القيروان، ولكن السّلط المعنيّة لم تقدّم إجابة معقولة تطمئن العائلات الذين ظلّوا في حيرة وطول انتظار إلى حدّ هذه اللّحظة. وبالتّالي فإنه إذا لم تتحوّل هذه المقاربة الأمنية الزجريّة إلى مقاربة بحث وإنقاذٍ وتجهيز جميع الشّواطئ وإدراج البحّارة في عمليات الإنقاذ، فإنّ هذا الجرح، جرح المفقودين، سيظلّ مفتوحا ليكون أكثر دراماتيكيّة وسيظلّ المتوسّط مسرحا لقصصٍ أخرى حزينة.

بالرّجوع إلى جهات انطلاق المهاجرين غير النّظاميّين، هل لكم أن تقدّموا خارطة جهوية و”طبقيّة” تقريبيّة اعتمادا على نقاط الانطلاق؟

نحن فعلا نجد صعوبة في تقديم أرقام وإحصائيات دقيقة لأعداد المهاجرين وكذلك للمناطق التي ينحدرون منها. ولكن ربّما لو نتتبّع السياق نفهم أكثر هذه الإشكالية. في سنة 2008 مثلا، تصدّرت مدينة الرديف ترتيب المدن الأكثر عددا في المهاجرين (بعد انتفاضة الحوض المنجمي)، كذلك الشأن في ما بعد، سجّلت مدينة تطاوين النّسبة الأعلى في موجات المهاجرين بعد أحداث الكامور وتحرّكات شباب تطاوين من أجل إدماجهم وانتدابهم في المؤسسات الاقتصادية بالجهة. وعديدة هي الموجات الهجريّة التي تزامنت أو تلت احتجاجات اجتماعية أو شعبية، والتي يرافقها عادة شعور باليأس والإحباط بسبب مماطلات المسؤولين وتسويفاتهم أو الأسلوب القمعي الذي ووجهت به المطالب.
وبالعودة إلى البحوث السّوسيوتاريخيّة، كانت الهجرة غير النّظامية عبر المتوسّط في البداية خاصّة مقتصرة على المناطق الساحلية، أي السكّان الذين لهم دراية ومعرفة بحركات المدّ والجزر، وبالتالي سهولة الوصول إلى الضفّة الشمالية. لكن اليوم، مع توسّع ديناميكيّة الهامش والتهميش أصبح الشعب التونسي في أغلبه مرشّحا للهجرة سواءٌ بأشكال نظاميّة أو غير نظامية..

ماذا تطرح الجمعيات والمنظمات، ومن بينهم المنتدى، من بدائل لحلّ أو حلحلة ملف المهاجرين؟

جدير بالذّكر والتّوضيح أنّ الحراك الاجتماعي بمضامين هجريّة في تونس أعتبره شخصيّا مازال في مرحلته الجنينيّة، مرحلة التشكّل. البدايات أساسا كانت منذ 2011 بقيادة عائلات المفقودين، ثمّ تطوّرت اكثر مع “المنتدى الاجتماعي للهجرة” في مدينة المنستير سنة 2014 وتطوّر أكثر في فضاءات أخرى مثل المنتدى الاجتماعي العالمي سنتي 2013 و 2015. ولكن عموما ظلّ مرتبطا بالأحداث. وقد عشنا في هذا السياق أطول حركة احتجاجية في “شبه الجزيرة الجرجيسيّة” تواصلت من الخريف إلى الربيع بقيادة “جمعية البحّارة التنموية” بالجهة والاتحاد المحلي للشغل بجرجيس، وعشنا كذلك موجة أخرى من الحراكات خاصّة بعد بيان “الصّدمة” في 21 فيفري 2023.
عموما الحركات الاحتجاجية والنضالية تطالب بتطبيق المادّة عدد 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتعلقّ بـ”حريّة الإنسان في التنقّل”، وتطالب أيضا بالبحث عن سبل تأمين الهجرة الآمنة ووقف كلّ الأفعال والسّلوكات الدّونيّة والعنصريّة التي صدرت من جهات في أعلى هرم السّلطة وكذلك من قبل الأحزاب “القومية” العنصرية مثل الحزب القومي التونسي، وبعدها تبنّت السّلطة “أمْننة” (La Sécurisation) الهجرة، وهو تحويل الملفّ من قضية إنسانية إلى قضية أمنيّة وجب مواجهتها وردعها خاصّة عندما اعتبر رئيس الجمهورية أنّ هناك تهديد للأمن القومي لتغيير التركيبة الديمغرافية للمجتمع. وبالتالي فإنّ هذه الحركات الاحتجاجية تحمل قيما نبيلة، لديها هويتها الديمقراطية واليساريّة التي تنشد العدالة الاجتماعية بصرف النّظر عن توجّهات الفاعلين والفاعلات صلبها. فهي تدفع إلى وقف أفعال وأعمال العنصريّة والبحث عن حلول للهجرة الآمنة بين ضفّتي المتوسّط.

هناك ظاهرة أصبحت ملفتة وتشغل الرّأي العام وهي قضيّة المهاجرين الأفارقة من جنوب الصّحراء. كيف تفاقم هذا التواجد في السّنوات الأخيرة؟

يمكن تفسير تواجد المهاجرين من أصول إفريقيّة جنوب الصحراء أوّلا بالظّروف والمناخات السياسية العامة لبلدان الانطلاق، حيث تعاني صعوبات اقتصاديّة حادّة ومظاهر اقتتال واحتراب وانقلابات سياسيّة وعسكريّة في العديد منها. فإنّ هؤلاء المهاجرين يفرّون من هذه المناطق إمّا بحثا عن ظروف عيش أفضل أو بحثا عن الحماية الدّوليّة عبر مطالب اللّجوء، وهو حقّ قانوني وإنساني.
من جهة أخرى، لا أعتقد أنّ الأرقام التي يسوّق لها الخطاب الرّسمي ومن أبواق الشعوبيّة هي أرقام واقعية، بل فيها كثير من المغالاة (يتحدّثون عن مئات الآلاف)، فالأرقام التي قدّمها المعهد الوطني للإحصاء لا يتجاوز الـ50 ألف مهاجر جنوب صحراوي متضمّنا لكل أصناف المهاجرين (نظاميّين وغير نظامييّن)، كثيرا منهم في وضعيات قانونية، إمّا للدراسة أو العمل.
نشير أيضا أنّ استدامة الأزمة اللّيبيّة كان عاملا حاسما أيضا في تحويل وجهة المهاجرين نحو بلادنا، يُضاف إليها غلق منفذ العبور بمليلة المغربية نحو إسبانيا، وبالتالي فبغضّ النّظر عن الأسباب العديدة لقدوم هؤلاء، فقد لعبت شبكات ومافيات الهجرة أيضا دورا في تحويل أعداد المهاجرين نحو تونس كمنطقة عبور.

نسمع عن ظروف جدّ قاسية ومريبة أحيانا خاصّة ما تعلّق بالعنف والإجرام وردود أفعال عنصريّة تجاههم. ماذا لديك حول هذا الموضوع؟

كنت في بعض المناسبات شاهد عيان سواء في مناطق حضرية أو في الحدود التونسية الجزائرية ويمكن أن أسجّل الآتي:
أوّلا من قام بدغدغة المشاعر المجتمعيّة للتّونسيين هو الخطاب الرّسمي للسلطة السياسية التي اعتبرت المهاجرين مشروعا استيطانيا. وما يحدث للمهاجرين أصيلي جنوب الصحراء في تونس هو تقريبا ما يحدث للمهاجرين التونسيين في فضاء شنغان.
الوضعية في الحقيقة هي دراماتيكية فكلهم تقريبا لا يتمتّعون بالتغطية الصّحيّة وهم عالقون في مرتفعات الجبال وفي الصحراء وبين الحدود، وحتّى إن لم تكن هناك أرقام دقيقة لكن هناك عديد الوفايات والجثث التي ما تزال ملقاة في الحدود التونسية الليبية أو التونسيّة الجزائريّة، وهم أكثر عرضة للممارسات العنصرية سواء كانت ممارسات جسدية أو لفظية أو استغلالية والحقيقة أنّ عديد الممارسات كانت موجودة قبل تصريح بيان 21 فيفري 2023 ولكنها تفاقمت عندما أعلن الخطاب الرسمي العداء المباشر للمهاجرين الذين تنطلق رحلتهم من غابات إفريقيا وصحرائها أملا وحلما في الوصول إلى “ثلوج” أوروبا والاستقرار فيها.
المهاجرون أصبحوا أكثر اعتراضا في الشّواطئ وفي عمق البحر أيضا، فمنذ جانفي 2024 إلى موفّى أفريل اعترض الحرس البحري قرابة 21 ألف وغالبيّتهم من جنسيات إفريقيا جنوب الصّحراء.

كيف تتعامل المنظمات الأممية والدوليّة المتدخلة والمكلّفة بقضايا الهجرة؟

من قبل حتى الإمضاء على مذكرة التفاهم وخاصة إثرها في 16 جويلية 2022 نبّهنا إلى أنّ المنظمات الأممية ستكون في قبضة الاتحاد الأوروبّي وفي خدمة المصالح والأجندات الأوروبّيّة وهذا ما يحدث الآن، فالاتّحاد الأوروبّي يسعى إلى إعادة استنساخ التجربة التركية-اليونانيّة في سنة 2016 على الأراضي التونسيّة وهذا أحد أهدافه.
هذه المنظمات كانت مساهمتها بشكل ملطّف خجولة سواء في الاستماع إلى المهاجرين في التّسريع بكلّ طلبات اللّجوء وتجد لها سياقا توطينيا وهو تغوّل الدّولة التّسلّطيّة في تونس.

هل تحوّلت تونس إلى حارس حدودٍ لأوروبا؟

هناك لحظات تاريخية لا يمكن نسيانها. منذ 27 جويلية 2020 لحظة وزيرة الداخليّة الإيطاليّة “لوتشيانا لامورجيزي” أعلن وقتها رئيس الدولة ولاءه للاتّحاد الأوروبّي والاستعداد للعب دور حارس الحدود، فبعد هذه الزيارة بأقلّ من أسبوع اتّجه رئيس الدّولة إلى ميناء صفاقس للاطّلاع على جاهزيّة الحرس البحري للتصدّي للتدفقات الهجرية.
ولكن في سياق تسارع الزيارات الأوروبية وفي إطار الابتزاز الأوروبي لتونس تقريبا تحوّلنا من حارس حدود عبر الشّواطئ إلى سجّان حقيقي للمهاجرين والمهاجرات أصيلي جنوب الصّحراء. فاليوم السلطة السياسية تقريبا منذ ما بعد إمضاء بيان الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي في 11 جوان 2023 اعتقلت المهاجرين من الجبال وفي الحدود في الصحراء وخلقت ما يمكن تسميته “سجن مفتوح” خاصة بمنطقة جبنيانة – العامرة أو المنطقة الواقعة بين جرجيس – بن قردان، ونحن إذ نلطّف وننتقي عباراتنا فإنّه ما دون دور الحراسة هناك دور تلعبه السلطة الحاليّة هو سجّان للمهاجرين القادمين من جنوب إفريقيا أو غربها.

هل هناك آفاق لحلّ هذه المعضلة؟ ومن وجهة نظركم ما هي المقترحات لبداية حلحلة هذا الملف؟

إذا استمرت السلطة السياسية بنفس مقاربة “الأسلاف” باعتماد مقاربات أمنية خاضعة للإملاءات الأوروبية فإننا لن نعيش على وقع حلحلة هذا الملف بل سنشهد قصصا أخرى أليمة وموجعة.
في البدائل، نعرف جميعا أنّ في الحلول هناك ما هو مباشر وقريب، وهناك ما هو متوسّط المدى وآخر بعيد المدى. في الحلول العاجلة والمباشرة والتي ليس لها تكلفة مادّيّة كبيرة من قبيل تجهيز الشريط الساحلي والشواطئ بفرق من الحماية المدنية، إدماج البحّارة في عمليات البحث والإنقاذ والتّخلّي عن القانون الصّادر في سنة 2004 والذي يجرّم عمليّات المساعدة والإنقاذ، تجهيز الشواطئ التونسية وحتى في وسط مياه البحر الأبيض المتوسط بشبكات التواصل والاتصال حتى يتمّ التدخل بسرعة حينما تكون هناك نداءات الاستغاثة والنجدة.
عندما نتذكر أيضا العبث والاحتقار الذي رافق عمليات الدّفن وما حدث في جرجيس (مقبرة حدائق إفريقيا) فإنّ المطروح هو هبّة دولية وإيجاد مربّعات التّضامن داخل المقابر البلدية من أجل كرامة دفن المهاجرين. وفي النهاية قضية الهجرة مرتبطة بأزمة سياسية وبنيوية وأعتقد أنّ الرّهان المطروح على القوى التقدمية وخاصة الأحزاب اليسارية هو إدراج ملف الهجرة ضمن أولوياتها، فالحل إن لم يكن سياسيا فلن نعرف واقع هجرة آمن وسنشهد قصصا دراماتيكية.

كلمة الختام

اليوم على الجميع وخاصة رأس السّلطة أن تكفّ عن خطابات التجييش وأن تتوخّى خطاب التهدئة تجاه مهاجري جنوب الصّحراء خاصة مع ما نسمعه من أحداث عنصرية وعنف واغتصاب. ندعو أيضا إلى أشكال واستراتيجيات تضامنية ومزيد التنسيق من أجل وقف الاتفاقيات غير العادلة بين تونس والاتحاد الأوروبي ونذكّر أنه من واجب النّخب والأحزاب السياسية أن تفكر بشكل ملموس في تصورات بديلة لملف الهجرة في فضاء ضفّتي المتوسط بالخصوص.

إلى الأعلى
×