الرئيسية / عربي / الأزمة السّياسيّة في ليبيا..
الأزمة السّياسيّة في ليبيا..

الأزمة السّياسيّة في ليبيا..

بقلم سمير جراي

عشر سنوات من الانسداد بسبب المصالح الضيّقة والصراع المحموم على السلطة

غياب الحدّ الوطني الأدنى المشترك فتح الباب أمام التدخلات الخارجية التي فاقمت الخلافات

بعثة أممية تعمل بأجندات الدول المتنفّذة في المشهد، وأصبحت جزء من المشكل

عند توقيع الاتفاق السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية يوم 17 ديسمبر 2015، قال عضو المؤتمر الوطني القيادي الإخواني في حزب العدالة والبناء صالح المخزوم إنهم أوقفوا ما لم تستطع إيقافه فوهات البنادق بــ”جرة قلم”، وبقيت هذه الكلمة محل تندّر لدى الليبيّين لسنوات، كان المخزوم يقصد حينها أنهم تمكنوا من توجيه صفعة لقائد “الجيش” خليفة حفتر وأنهم حققوا -من خلال الاتفاق- انتصارا على مطامع حفتر وطموحاته، وستتمكن الحكومة الجديدة التي أقرّها الاتفاق من بسط نفوذها على كامل التراب الليبي، لكن حقيقة الأمر أنّ اتفاق الصخيرات لم يكن إلاّ إعادة تشكيل الصراع أكثر ممّا أسهم في تسويته، وانقسمت أغلب الأحزاب والتكتلات والتحالفات، وانقسم الإسلاميون وتشتّتوا، وانقسم اللّيبراليون (العلمانيون بمختلف توجّهاتهم).

فشل الاتّفاق السّياسي

كان الخلاف السّياسي والصراع المسلّح يدور قبل ديسمبر 2015 بين برلمانيْن وحكومتيْن تتبعهما، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب (حكومة عبد الله الثني وبرلمان طبرق شرقا، مقابل حكومة خليفة الغويل والمؤتمر الوطني في طرابلس) وبعد الاتفاق أصبح الصراع يدور بين مؤيّدي الاتفاق ومعارضيه، بعبارة أوضح تحوّل الصراع بين منشقّين عن كلا الطرفين يدعمون الاتفاق وبقية الأطراف الرافضة له، والأصعب في الأمر أنّ كلا الطرفين مسلّح تسليحا ثقيلا، وهو ما صعّب تنفيذ خارطة طريق الاتفاق بل وجعلها أمرا مستحيلا.
دخلت حكومة السراج بالقوة إلى طرابلس قادمة من تونس على متن “فرقاطة”، ودارت اشتباكات مسلّحة عنيفة لمدة يومين حتى انتصرت المليشيات التي دعمتها (منها ميلشيا “الدعم والاستقرار” بقيادة غنيوة وقوة “الردع” الذين تحدثنا عنهما في مقال عدد الأسبوع الفارط) وأمّنت عملها من العاصمة، ومارست مهامها بدعم من مجلس نواب طبرق بقيادة عقيلة صالح، لكن ضعفها وحسابات الأطراف الداعمة لها جعلها تفشل في تحقيق أهدافها، الأمر الذي دفع عقيلة صالح إلى سحب الثقة منها، وإعادة تكليف عبدالله الثني رئيسا للحكومة في الشرق الليبي، ليتعقّد المشهد السياسي من جديد ويدخل السراج في صراع مع رافضيه من المؤتمر الوطني في طرابلس ومجلس النواب وحكومته الجديدة في بنغازي.

على ماذا نصّ اتّفاق الصّخيرات؟

نصّ اتفاق الصخيرات على تكوين مجلس استشاري له “الرأي المطابق” (يتكون من المجموعة المنشقّة عن المؤتمر الوطني في طرابلس التي أمضت الاتفاق) إلى جانب مجلس النواب، وأنّ كلّ القوانين وتعيين المناصب السياديّة (محافظ المصرف المركزي، هيئة الرقابة الإدارية، ديوان المحاسبة، مفوّضية الانتخابات، هيئة مكافحة الفساد والمحكمة العليا، النائب العام، رئيس المحكمة العليا) تكون بالتوافق بين المجلسين وجوبا. ونصّ طبعا على تشكيل مجلس رئاسي لحكومة وفاق وطنية هي حكومة السراج.
هنا لابدّ من الإشارة إلى بعض القراءات التي رأت حينها أنّ “الصخيرات” كان مجرّد اتفاق هجين بين الغاضبين من البرلمانيْن (مجلس النواب والمؤتمر الوطني) بحيث يتمّ المحافظة على مجلس النواب كما هو، وإعطاء المنشقّين من المؤتمر الوطني الممضين على الاتفاق مجلسا جديدا هو المجلس الأعلى للدولة وغالبيته من الإسلاميّين.
هكذا فشل الاتفاق السياسي ولم يبق منه إلا قاعدة دستورية تم وضعها بمناسبة تضمين الاتفاق في الإعلان الدستوري (الإعلان الدستوري هو بمثابة الدستور الصغير وضعه المجلس الوطني الانتقالي عقب سقوط القذافي) وهذه القاعدة ضُمِّنت عبر تعديل في الإعلان الدستوري ينصّ كما ذكرنا على أنّ إصدار القوانين والتشريعات العادية وخاصة المتعلقة بالانتخابات والتعيينات السيادية تكون وجوبا بالتوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
توالت الأحداث والصراعات المسلّحة والخلافات السياسية بين سنتي 2017 و2020 كان أبرزها حرب حفتر على العاصمة طرابلس ومحاولته السيطرة عليها بعد فشل كل الحوارات التي أجراها مع السراج في أبو ظبي وباريس وباليرمو. ربما نعود للحديث عن مجريات الوضع في هذه السنوات الثلاث في مقال آخر.

الخلافات الدّوليّة بشأن الحلّ السّياسي تُفشل جهود البعثة الأمميّة

لطالما كانت الخلافات الدولية بشأن مسارات الحل السياسي والعسكري في ليبيا سببا في عرقلة أيّ تقدم تحرزه البعثة الأممية، وظلّ اختلاف الرؤى بين اللاعبين الدوليّين حول الحل الشامل في البلاد عقبة أمام كلّ مبعوث أممي يضع خارطة طريق لإنهاء الانقسامات وذلك منذ تعيين اللبناني طارق متري ثاني مبعوث إلى ليبيا سنة 2012.
يقول طارق متري في إحدى المحاضرات: “في أغلب الأحيان، ينظر اللاعبون الأجانب إلى ليبيا على أنها ساحة معركة ويشنّون حروبا بالوكالة”. ويعترف متري في كتابه “مسالك وعرة.. سنتان في ليبيا ومن أجلها” بإخفاق المجتمع الدولي في المساهمة الفاعلة في التحول الديموقراطي لليبيا، فالدول الكبرى الفاعلة في مجلس الأمن الدولي والتي تتخذ القرارات بشأن ليبيا “لم تفعل إلاّ القليل من أجل بناء الدولة الجديدة”.

حياديّة المبعوثين الأمميّين وقدرتهم على فهم الوضع اللّيبي وتقديم الحلول

قبل اتفاق 2015 كان المبعوث الإسباني برناردينو ليون الذي خلف طارق متري متهم لدى غالبية النخب الليبية بولائه لدولة الإمارات وبعض الدول الغربية لتقويض أيّ توافق وطني حقيقي أثناء رعايته لمشاورات اتفاق الصخيرات، وبالفعل تمّ إبعاده، والغريب أنه تولّى بعدها مباشرة منصب كبير في دولة الإمارات، وكشفت صحيفة ذي غارديان البريطانية آنذاك تولّيه وظيفة براتب 35 ألف جنيه إسترليني شهريا (53 ألف دولار) كرئيس “أكاديمية الدبلوماسية” في الإمارات. وأكّدت الأمم المتحدة تلقّيها طلبا ليبيّا بالتحقيق مع ليون وجاء في الطلب الذي قدّمه المؤتمر الوطني العام أنّ “تعيين الوسيط الأساسي الذي عُهد إليه بأمانة ومهمة الوسيط المحايد والنزيه لتسيير التوافق بين الشعب الليبي بكافة أطيافه في منصب مرتبط ارتباطا عضويا بدولة أقحمت نفسها طرفا أساسيا في النزاع القائم بليبيا، يُعدّ شبهة غير مسبوقة لدور يجب أن يكون حياديّا”.
ذهب ليون إلى الإمارات براتب خيالي وعيّن الألماني مارتن كوبلر مكانه ليُشرف على اللمسات الأخيرة للاتفاق، بقي كوبلر في منصبه قرابة سنة ونصف لم يفعل فيها الشيء الكثير، ووجّه مجلس النواب وعدة أطراف ليبية أخرى مراسلات للأمين العام للأمم المتحدة مطالبين بضرورة عزل كوبلر متهمينه بعدم الحيادية.
تولّى رئاسة البعثة إثر ذلك اللبناني غسان سلامة لمدة ثلاث سنوات تقريبا من 2017 إلى 2020 وهي تعتبر أطول فترة يمضيها مبعوث على رأس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، قال سلامة إثر استقالته:”سعيت لعامين ونيف للم شمل الليبيّين وكبح تدخّل الخارج وصون وحدة البلاد. وعليّ اليوم، وقد عقدت قمة برلين، وانطلقت المسارات الثلاثة، رغم تردّد البعض، أن أقرّ بأنّ صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد. لذا طلبت من الأمين العام إعفائي من مهمتي آملا لليبيا السلم والاستقرار”.

مسار تونس جنيف وإنتاج حكومة الدبيبة

حقّق سلامة إنجازات مهمة منها إطلاق مشاورات احتضنتها تونس سنة 2017 بين مجلسي النواب والدولة لتعديل بنود الاتفاق السياسي، إلاّ أنها فشلت، ليحاول بعدها رعاية مشاورات في المغرب وألمانيا، نجحت إلى غاية سنة 2020 في تقريب وجهات النظر، ليترك منصبه لنائبته الأمريكية ستيفاني ويليامز التي أشرفت على ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي انطلق في تونس في نوفمبر 2020، وتواصل إلى شهر فيفري 2021 في جنيف، وسُمّي بمسار (تونس- جنيف) وحققت فيه إنجازا وصف بالجيّد، بعد أن شكلت لجنة من 75 عضوا يمثلون ملتقى الحوار السياسي الليبي وانتهى بالتصويت على اختيار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة والمجلس الرئاسي برئاسة المنفي وعضوية عبدالله اللافي وموسى الكوني.
وجّهت عدة انتقادات لستيفاني ويليامز بشأن الطريقة التي اختارت بها لجنة الحوار (75 عضوا) وقالت ويليامز إنّ المشاركين في ملتقى الحوار السياسي “من فئات مختلفة”، وإنّ اختيارهم جرى “بناء على مبادئ الشمولية والتمثيل الجغرافي والسياسي والقبلي والاجتماعي العادل”، وإنّ “هذه المجموعة تضمّ ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بالإضافة إلى القوى السياسية الفاعلة من خارج نطاق المؤسّستين، وفي ظل التزام راسخ بالمشاركة الهادفة للمرأة والشباب والأقليات”.
في الحقيقة مازالنا كمتابعين ومحللين للشأن الليبي لا نعرف على أيّ أساس اختارت ويليامز هؤلاء الــ75 عضوا خاصة مع ما راج عن بعض هؤلاء الأعضاء أثناء حوار تونس من تلقّي أموال ومبالغ كبيرة من أجل تزكية فلان والتصويت لعلان وهي حقيقة موثقة وليست مجرد اتهامات. وربما نعود في مقال آخر تفصيلي عن حيثيات وتفاصيل وتحالفات مسار (تونس- جنيف).
أقرّ المجتمعون في جنيف يوم 5 فيفري 2021 مبدأ التصويت واختاروا حكومة الدبيبة وجاء في النصوص الترتيبية للاتفاق أنّ هذه الحكومة هي آخر حكومة انتقالية، ولا تسلّم السلطة إلاّ لحكومة منتخبة وفق الحوارات اللاحقة التي ستجري لوضع القوانين الانتخابية لإجراء الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية.

معضلة القوانين الانتخابيّة واستحالة التّوافق

بالرجوع إلى القاعدة الدستورية التي شرحناها أعلاه يتحتّم على مجلسي النواب والدولة التوافق وجوبا لوضع قاعدة دستورية متينة (تعديل الإعلان الدستوري) باتفاق على قوانين عادلة ونزيهة تضمن إجراء انتخابات عامة يقبل الجميع بنتائجها.
هنا نعود إلى المربع الأول والخلاف العصيّ عن الحل وهو وضع قوانين توافقية، يمكن أن نقول هنا ببساطة تامة أنّ مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح المتحالف مع حفتر لن يقبل بأيّ حال من الأحوال أن يمرر قوانين إلاّ إذا كانت تضمن ترشح حفتر للرئاسية وكذلك حفتر لن يقبل بالدخول في أيّ انتخابات إلاّ إذا ضمن سابقا فوزه بها، في المقابل لن تقبل الأطراف في الغرب الليبي عسكريا وسياسيا (مجلس الدولة) تمرير قوانين تسمح بترشح حفتر أو سيف الإسلام القذافي.
يؤكّد كلّ هذا، القراءة التي ذكرناها سابقا بأنّ تحالف مجلس النواب مع مجلس الدولة لتمرير اتفاق الصخيرات ليس إلاّ تحالفا مرحليا لاقتسام السلطة التشريعية والبقاء في المشهد لأطول فترة ممكنة، وهي خطة سياسية أثبتت نجاحها بالمعنى السلبي فالمجلسان مازالا يتحكمان في المشهد السياسي ويقومان بوضع القوانين (غير الانتخابية) والتعيينات السيادية في الدولة ويحافظان على مصالحهما المادية وامتيازاتهما.
يتواصل الخلاف بين المجلسين منذ 2020 على وضع قوانين توافقية وعلى إيجاد طريقة لاعتماد دستور البلاد الذي اعتمدته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور سنة 2017، للأسباب التي ذكرناها، وطرحت في الأثناء مقترحات لتجاوز هذا الانسداد منها إجراء انتخابات برلمانية أوّلا وتأجيل الانتخابات الرئاسية بحكم أنّ الخلاف الرئيسي هو حول قانون انتخاب الرئيس بينما لا توجد خلافات كبيرة حول قانون التشريعية.

المبعوث الأممي عبد الله باتيلي ومحاولات الحلّ

جاء بعدها المبعوث الأممي السينغالي عبد الله باتيلي وحاول تقريب وجهات النظر ووضع خارطة طريق ورعا حوارات في بوزنيقة المغربية والقاهرة وأجرى مشاورات مارطونية لإيجاد توافق بشأن القوانين. غير أنّ قواه خارت وأُحبط وفشل واستقال.. بسبب استحالة قبول كلّ طرف بشروط الثاني وهو ما يعكس حدة الانقسامات واتساع هوة الخلاف، ويعكس أيضا تورّط الدول الفاعلة في تعزيز هذا الانقسام بدل المساهمة في الحل عبر الضغط على الأطراف الداخلية من أجل تقديم التنازلات، فالخلافات الدولية بشأن الأزمة الليبية تحددها مصالح كل دولة والصراعات بين الأقطاب الكبرى مثل الصراع الروسي الأمريكي والصراع الفرنسي الإيطالي، وصراع المحاور: تركيا قطر/ مصر الإمارات، كلها تنعكس على الأطراف الداخلية التي يوالي كل فريق منها هذا المحور أو ذاك لا يوجد مشروع وطني حقيقي للبناء عليه من أجل حوار ليبي-ليبي والاتفاق على الحد الوطني الأدنى المشترك. وربما نعود في مقال آخر إلى شرح مواقع النفوذ الدولية في ليبيا وسلبية التدخلات التي تكاد تحوّل البلاد إلى ساحة صراع دولي.
وبالعودة إلى القوانين الانتخابية، حاول رئيس البرلمان عقيلة صالح في السنوات الأخيرة التملّص من شريكه مجلس الدولة وحاول تمرير قوانين تكاد تكون مفصّلة على مقاس حفتر وقدمها لمفوضية الانتخابات. إلاّ أنّ محاولته باءت بالفشل فمجلس الدولة والأطراف الداعمة له رفضتها جملة وتفصيلا لتنطلق بعدها برعاية المبعوث الأممي عبدالله باتيلي مشاورات جديدة ونجح باتيلي في تشكيل لجنة من كلا المجلسين سمّيت لجنة 6+6 تضم ستة أعضاء من مجلس النواب (لا خلاف بشأنهم) وستة أعضاء من مجلس الدولة حدث بشأنهم خلاف وهو عدم قبول تمثيلهم أصلا من قبل زملائهم في المجلس معتبرين أنهم يتماهون مع مجلس النواب لوضع قوانين لصالح عقيلة وحفتر.
اتفقت بعد مشاورات مضنية في المغرب ومصر على قوانين انتخابية إلاّ أنّ مجلس الدولة رفض توقيعها واعتبرها لم تزد شيئا عن القوانين التي صاغها سابقا عقيلة صالح بنفسه.

المبعوثة الأمميّة هانا تيتيه ومقترحات اللّجنة الاستشاريّة

ظلّ الأمر كما هو عليه إلى أن جاءت المبعوثة الأممية الجديدة الغانية هانا تيتيه وشكلت لجنة استشارية من قانونيين وأكاديميين وخبراء (بحسب ما نعرفه عن أغلبهم موالون لحفتر وضد توجه الغرب الليبي) لوضع مقترحات عملية وقابلة للتنفيذ بخصوص نقاط الخلاف الجوهرية في القوانين الانتخابية ووضع مسار سليم يفضي إلى الانتخابات.
قدمت اللجنة منذ أيام مقترحاتها وبحسب تحليلنا لها فهي تكرار لما جاء في مبادرات سابقة ولا يمكن أن تؤدي إلى الحل ولا يمكن تطبيقها وهو ما يطرح السؤال الكبير الذي حيّر الجميع لماذا يأتي كل مبعوث أممي ويضع خارطة طريق وينظم عشرات الحوارات في الداخل والخارج ثم يقوم بتقديم نفس مقترحات القوانين غير التوافقية وغير القابلة للتنفيذ؟
قدمت اللجنة التي شكلتها البعثة مقترحات لأربع مسارات يمكن اتباعها لإنهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات، أولها: تُجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال عامين، تبدأ فورا بعد تسوية سياسية لوضع قوانين توافقية، وتشكيل حكومة جديدة، والخيار الثاني هو انتخاب مجلس تشريعي من غرفتين في غضون عامين، دون إجراء انتخابات رئاسية.. يُعهد إليه صياغة دستور جديد ينظم الانتخابات البرلمانية والرئاسية اللاحقة. والثالث هو اعتماد دستور قبل الانتخابات إما بتعديل مشروع الدستور المُعَد من الهيئة التأسيسية أو وضع دستور جديد وهو خيار غير واضح أصلا فمن سيعدّ الدستور حاليا؟
أما الخيار الرابع فهو تفعيل آلية الحوار بين مجلسي النواب والدولة يُنتج مجلس تأسيسي يُنهي الجسمين ويقوم بإعداد دستور جديد وفي كل هذه الخيارات الأربعة، تُوصي اللجنة بصياغة اتفاق لتشكيل سلطة تنفيذية بولاية محددة مع شرط الاعتراف السياسي بها، ولا نعتقد أنّ البعثة هنا جاءت بمقترح قد يُقبل من الجميع. وبالفعل عبّرت كثير من الأطراف عن رفضها للمقترحات.

حكومة الدبيبة وهل يمكن إسقاطها؟

كل ما شرحناه يمكن أن نختصره في الآتي: هل تستقيل حكومة الدبيبة ومن يستطيع إقالتها وكيف يمكن تشكيل حكومة جديدة؟ الدبيبة يتمسك بالبقاء في السلطة والتسليم لحكومة منتخبة كما نص اتفاق جنيف الذي أوصله إلى الحكم ومنحه الشرعية الدولية، وفي صالحه عدم التوافق على القوانين حتى يبقى كل شيء معلّق بينما هو في منصبه، كذلك المجلسان في قرارة أنفس أعضائهما لا يريدان التوافق حتى لا تُجرى انتخابات تزيحهم من مناصبهم.
بينما يريد عقيلة صالح تغيير حكومة الدبيبة فقط والتي سبق وأن سحب منها الثقة منذ سنتين وعيّن حكومتين مكانها لا تحظيان باعتراف دولي. فعقيلة صالح وهو الرقم الصعب سياسيا حاليا وهو يريد إمّا تمرير قوانين تضمن ترشيح حفتر بما يعطيه ضمانات للبقاء في السلطة أو تغيير حكومة الدبيبة بحكومة انتقالية أخرى موالية له ليدخل بذلك في مرحلة أخرى لمدة سنوات يمضيها في مشاورات بين عواصم العالم بشأن قوانين يعرف مسبقا أنّ أمرها محسوم. وهو ما يرفضه الدبيبة ويؤكد أنه لن يسلّم السلطة إلاّ لحكومة منتخبة تنهي متاهة المراحل الانتقالية.

إلى الأعلى
×