الرئيسية / صوت الوطن / التغطية على فشل المنظومة الفاشية تحت شعار “تطهير الإدارة”
التغطية على فشل المنظومة الفاشية تحت شعار “تطهير الإدارة”

التغطية على فشل المنظومة الفاشية تحت شعار “تطهير الإدارة”

لم يتراجع قيس سعيد، خاصة منذ الانقلاب، عن شيطنة الجميع وتوجيه كل أنواع الاتّهامات لمن يعتبره يهدّد مشروعه الفاشي، بل نحن نقرأ ونتابع بشكل يومي تقريبا التحريض والتهديد ضدّ الكلّ، أحزاب ونقابيين ومنظمات وقضاة وغيرهم، وبات من الملحوظ وبشكل لافت بأنّ الدور يأتي اليوم على المسؤولون أو الموظّفون بالإدارات من مختلف مواقعهم أو قطاعاتهم. فها نحن نسمع من أعلى هرم الدولة تهما حول تعطيل مساره المزعوم في “البناء والتشييد” و”حرب التحرير” التي يشنّها، وهذه الاتّهامات التي أصبحنا نسمعها مع كلّ خطاب يتوجّه به إلى الرأي العام أو نقرأه في البلاغات الخاصة بلقاءاته مع أيّ وزير/ة أو رئيسة الحكومة، ولعلّ ما أفصح عنه في آخر اجتماع مجلس وزراء بتاريخ 19 جوان الفارط وما يذكره إثر لقاءته المتكرّرة مع رئيسة الحكومة آخرها بتاريخ 2 جويلية الجاري أصبح لافتا للانتباه حقّا، حيث أعلن بكلّ وضوح “عدم التردّد في إبعاد من لم يكن في مستوى المسؤولية، فمن طالت بطالتهم أولى بالحلول مكانهم وسيحلّون حتى وإن كانت تعوزهم الخبرة فهم يتّقدون حماسا للمشاركة في عملية البناء والتشييد و مقاومة الفساد”.

خطابات الشيطنة والوعيد

إنّ البلاغات المتتالية الصادرة عن الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية تتضمن رسائل واضحة موجّهة إلى الإدارة التونسية والموظّف العمومي، وتحمل تهديدات واضحة باتّخاذ “الإجراءات” اللازمة في حقّ “اللوبيات التي تحاول بشتّى الطرق تأجيج الأوضاع وافتعال الأزمات والتي لا يمكن أن تبقى خارج دائرة المحاسبة والمساءلة، ومن طالت بطالتهم أجدر بأن يحلوّا محلهم، فالوطنية والإخلاص والتفاني والتقشف والعطاء دون حدود يجب أن تكون كلّها عناصر في اختيار من يسهرون على تسيير عدد من المرافق العمومية داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها ومنشآتها العمومية” (من بلاغ بصفحة الرئاسة بتاريخ 26 جوان 2025). وخلال إشرافه على مجلس الوزراء بتاريخ 19 جوان الفارط، اتهم سعيد عبر فيديو نشر في الصفحة الرسمية للرئاسة بأنّ هناك “من المسؤولين بالمرفق العمومي ومن مختلف مواقعهم من يعملون خارج السياسة التي تضبطها الدولة التونسية وتشريعاتها، بل ويقفون حائلا أمام تطبيق القانون ويعطّلون سير عدد من المشاريع بصفة قصدية والهدف هو تأجيج الأوضاع الاجتماعية بأيّ طريقة كانت. بل إنّ عددا من هؤلاء المسؤولين الذين أتمنوا على إدارة المرفق العمومي بوجه عام لم يقوموا بالدور الموكول لهم ولم يتحمّلوا المسؤولية التي أوكلت لهم، ولذا فلم يعد لهم مكان في الدولة”.
إنّ هذا الخطاب الذي يحمل تهديدات واضحة للموظّف العمومي – الذي لا يخضع أو لا يعمل وفقا للتعليمات – بإمكانية اتّخاذ إجراءات عقابية بحقّه قد انطلق تطبيقه فعلا في عدد من الوزارات، حيث نتابع بشكل متواتر الأخبار التي مسّت هذه الفئة سواء عبر النقل التعسّفية أو الإعفاءات (الرائد الرسمي) أو التجميد أو الإحالة على التقاعد الوجوبي أو على مجالس تأديب صورية أو العزل من الوظيفة العمومية أو الإحالة على القضاء بملفات ملفّقة أو إيقاف المرتّب الشهري واستهداف كلّ نفس نقابي على غرار ما شهدته قطاعات مختلفة مثل النقل وأعوان العدلية والثقافة وغيرها من العقوبات، بل إنّ مصالح رئاسة الحكومة نفسها لم تسلم من هذه العقوبات، حيث لم تتوان رئيسة الحكومة الحالية على غرار سابقيها وبنسق متسارع وملحوظ عن تطبيق سياسية التجميد والهرسلة وسحب الخطط الوظيفية والتي مسّت آخر مدير ديوان بالقصبة (قبل تولّيها منصبها) وغيرها من الممارسات التي تمسّ حقوق الموظّف وتدوس كرامته.

تهم وتشويه من أجل التخويف والتركيع

إنّ ما يفصح عنه قيس سعيّد مع كلّ ظهور له سواء عبر الصفحة الرسمية للرئاسة أو في خطابته المقتضبة أثناء تنقّلاته الميدانية وغيرها لا يمكن أن تكون سوى تلك الخطوة نحو تأليب الرأي العام ضدّ الإدارة التونسية والموظّف العمومي كما فعل تجاه مرفق العدالة والقضاة مع تنفيذه للانقلاب، فهو يعمد دون تردّد في اتّهامهم بالتراخي أو الفساد مرّات وتعطيل دواليب الدولة ومسار الإصلاح المزعوم مرّات أخرى، والتهديد في أكثر من مناسبة بأنّ في وطننا “أبناء صادقون” لهم القدرة على المضيّ قدما في “حرب التحرير” الوهمية التي يروّج لها أيضا بتعّلة تحقيق أمال الشعب التونسي في كافة المجالات.
إنّ هذه الممارسات الصادرة من أعلى هرم الدولة وإذعان المطبّلين والمفسّرين والصفحات الافتراضية الموالية (صفحات كرّست نفسها لتشويه موظّفين وإطارات عليا… والتحريض ضدّهم) وأمام ضعف الطرف الاجتماعي الذي غلبت عليه خلافاته الداخلية في السنوات الأخيرة، دفعت فعلا بالموظّف العمومي الذي أصابه الخوف في أكثر من موقع إلى التخلّي عن روح المبادرة أو تحمّل المسؤولية على غرار رفض تولّي مناصب عليا وامتيازات، فهناك فعلا من رفض أن يتولّى حقيبة وزارة وفضّل أن يحصل على تقاعده مقابل منصب قد أغرى آخرين، بل إنّ عددا من المسؤولين قد باتوا متردّدين مع كلّ إمضاء على أيّة وثيقة حتى لو كانت في إطار العمل اليومي الروتيني، وكيف لا؟ فها نحن نتابع الأخبار التي تنقلها الصفحات ووسائل الإعلام والمتعلّقة بإحالة موظّفين على أنظار القضاء بتهم الفساد والرشوة، ويمكثون رهن الإيقاف لسنوات ثمّ يخلى سبيلهم بعد صدور أحكام قضائية بعدم سماع الدعوى في القضية المرفوعة ضدّهم، وطبعا دون التعويض لهم عن الضرر المعنوي الذي لحقهم. بل هناك من تحصّل على الإنصاف من المحكمة الإدارية سواء بإعادته إلى العمل أو إعادة مرتّبه الذي اقتطع بشكل غير قانوني (قضاة، موظّفين…) ولم يتمكّن إلى اليوم من تطبيق الأحكام القضائية التي أنصفته. وكيف سيكون الإنصاف والحال أنّ من أطلق التهم وساهم في حملات التشويه هو رئيس الجمهورية نفسه؟

الشيطنة لتغطية الفشل

لم يعد يخفى عن الجميع بأنّ البلاد ومنذ الانقلاب تمرّ بأوضاع صعبة وفي جميع المستويات، اقتصاديا، اجتماعيا وسياسيا. ولتغطية هذا الفشل تعتمد المنظومة الفاشية سياسية مهاجمة الجميع وشيطنتها، فعوض العمل على وضع البرامج الحقيقية لاستنهاض البلاد وأوضاعها وسنّ تشريعات نزيهة، كان لا بدّ للمنظومة من خلق أزمات جانبية وإلهاء الرأي العام بقضايا جانبية وثانوية لتبرير الفشل والعجز والحلول الترقيعية وهو ما يزيد من حالة الاحتقان في جميع القطاعات ولعلّ تتالي الإضرابات والاحتجاجات في الآونة الأخيرة (الأطباء الشبّان، أعوان الستاغ، الشباب والطفولة الخ…) قد يكون بداية الانفجار أمام الوعود الواهية بضمان الحقوق.
ولعلّ السؤال الذي يجب أن يطرح أمام ما ذكرنا يتعلّق بالمساعي أو المغزى الحقيقي تجاه الإدارة والوظيفة العمومية والمرفق العام الذي يتشدّق سعيد بعدم التفريط فيه وحماية حقوق العمّال والعاملات من الاستغلال وتردّي مقدرتهم الشرائية ونسف حقوقهم، والحال أنّه يمرّ مع كلّ يوم نحو تدمير فعلي لمفاصل الدولة وفي جميع مجالاتها، بل هل يمكن الحديث عن الحقوق أمام السب والثلب والتشويه يوميا والصادر من رئيس الجمهورية؟
إنّ تعكير المناخ العام للبلاد وبثّ الخوف والرعب عبر مختلف المواقع والقطاعات والمجالات لم يعد يخفى على أحد، بل إنّ الجميع ينقله سرّا وعلنا في مناسبات كما كان الحال زمن الديكتاتورية، لن يؤدّي سوى إلى التسريع في سقوط هذه الشعبوية الفاشية والتي يتوجّب على الجميع ممّن يؤمن بحماية الحقوق والحريات الدفاع ومواصلة النضال حماية لنضالات شهداء الثورة الذين مهّدوا الطريق نحو الثورة وإسقاط نظام بن علي.

إلى الأعلى
×