2387 تحرّك احتجاجي منذ بداية سنة 2025 و90% منها موجهة ضدّ السلطة
بقلم سمير جراي
لا يمكن أن تُقرأ أرقام وإحصائيات المرصد الاجتماعي التونسي بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن التحركات الاجتماعية والاحتجاجات (سياسية، حقوقية، اقتصادية، ثقافية، بيئية..) والتي وضّحها في تقريره للسداسي الأول لهذه السنة، (جانفي – جوان)، خارج إطار سياسات منظومة قيس سعيد وفشل ما تسميه “التعويل على الذات” و”البناء والتشييد”، فالأرقام بيّنت بما لا يدع مجالا للشك أن حالة عدم الرضا بل السخط على سياسات الدولة ورفضها أصبحت عامة، بسبب تعمّق الأزمة السياسية وانهيار منسوب الحقوق والحريات وتردي الأوضاع الاقتصادية والبيئية..
بحسب أرقام المرصد سجل النصف الأول من السنة الحالية، 2387 تحركا احتجاجيا بزيادة بنسبة 105.6%، توزعت بين 1132 تحركا خلال الثلاثي الأول و1254 تحركا خلال الثلاثي الثاني.
وحافظ الفاعل الاحتجاجي على نسق شبه مستقر في توزع التحرك والاحتجاج على امتداد أشهر النصف الأول من العام. فكان المستوى متقارب في الحصيلة الشهرية حيث شهد شهر جانفي 483 تحركا احتجاجيا في حين شهد فيفري 432 تحركا وسجل مارس 217 تحركا أما شهر أفريل فعاد في العدد إلى 422 تحركا وبلغ النسق في شهر ماي إلى 451 تحركا وفي شهر جوان سجل المرصد الاجتماعي التونسي 379 تحركا احتجاجيا.
ومن اللافت في التقرير تردي الأوضاع داخل المؤسسات التربوية والصحية ورداءة الطرقات والمسالك الفلاحية وارتفاع الأسعار وسوء البنية التحتية وتردي الوضع البيئي وغيرها والخدمات الإدارية العمومية وضعف أسطول النقل، وهو ما ساهم في ارتفاع موجة الغضب لدى المواطنات والمواطنين الذين لامسهم هذا السوء في إدارة مرافق الدولة الحيوية التي تنعكس خدمتها مباشرة على معيشتهم اليومية.
من خلال الإحصائيات المبيّنة وثّق المنتدى اعتماد الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والإضراب عن العمل، فضلا عن تعطيل النشاط وإضرابات الجوع وغلق الطرقات وحمل الشارة الحمراء وأيام الغضب وحرق العجلات ومقاطعة الامتحانات ومسيرات نحو العاصمة، أما بقية التعبيرات الغاضبة فكانت في الإطار الرقمي، على شكل نداءات وعرائض وبيانات تنديد عبر وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
أكثر من 90% من التحركات موجّهة ضدّ هرم السلطات
وسجّل التقرير الإحصائي أن المحتجين في أكثر من 90% من التحركات التي خاضوها كانت موجّهة ضد هرم السلطات من الرئاسة ورئاسة الحكومة والسلط الجهوية والوزارات وما يتبعها من إدارات، وبقية الاحتجاجات خاضوها ضد السلط القضائية والأمنية وأصحاب العمل.
يرى المنتدى أن عودة المواطنين والفاعلين الاجتماعيين للتحرك والمطالبة بالحقوق والاحتجاج تأكدت أكثر، واتسمت الأشهر الأربعة الماضية بمنسوب مرتفع في نسق التحركات الاجتماعية، وكان أبرزها التحركات العمالية والمهنية ومطالب تسوية الوضعيات الشغلية والحق في الانتداب وحالات التسريح والملفات المهنية العالقة بقطاع التربية والتشغيل الهش.
كما لم يغب على فضاءات ومساحات الاحتجاج والغضب، تعبيرات وتحركات نشطاء وممثلي المجتمع المدني الذين يواصلون التشبث بحقهم في التظاهر السلمي وفي النقد والتنديد والرفض رغم محاولات التضييق.
وقد تمثّلت أكثر من نصف التحركات الاجتماعية التي رصدها التقرير في التحركات العمالية والنقابية المنظمة، المرتبطة بتطبيق الاتفاقيات العالقة وتحسين ظروف العمل وتسوية الوضعيات المهنية وكذلك المرتبط بالمستحقات المالية.
أكثر من 80% من التحركات ميدانية وأغلبها في العاصمة
بما تعكسه من مركزية للقرار تحتل تونس العاصمة، المرتبة الأولى من حيث الجهات التي تعرف تحركات احتجاجية حيث شهدت لوحدها نحو 25% من مجموع الاحتجاجات المسجلة، بحسب المرصد، ومثلت الوقفات الاحتجاجية الشكل الأكثر اعتمادا من قبل الفاعلين الاجتماعيين، من خلال تسجيل 611 وقفة احتجاجية خلال 6 أشهر، يأتي إثرها الإضراب كشكل احتجاجي وقد نُفذ في 383 مناسبة في الفترة المذكورة.
من الفاعلين الذين نظموا تحركات احتل الموظفون والعمال والمعلمون والأساتذة، المرتبة الأولى بنصف التحركات المسجلة، يليهم النشطاء والحقوقيون والطلبة والمساجين والصحفيون والعاطلون عن العمل، كما عرفت نفس الفترة تحركات لسكان بعض المناطق الداخلية والفلاحين فضلا عن التجار وسواق وسائل النقل الخاص والعمومي والتلاميذ وأعوان الصحة وغيرهم من فئات المجتمع.
وبخصوص نسق العنف، فالظاهرة في ارتفاع وتتميّز بتعدد أشكالها، من عنف فردي وجماعي، وعنف مؤسسي، ومعنوي، ويرجع المنتدى تنامي الظاهرة إلى حالة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية من تفشٍ للبطالة والتفقير، وغلاء المعيشة فكلها عوامل ساهمت في تصاعد وتيرة الغضب المجتمعي.
وانطلاقا من العينة المدروسة رصد فريق عمل المرصد 65 بين حالة ومحاولة انتحار خلال النصف الأول لسنة 2025. ومثلت الفئة المنتجة والناشطة من المجتمع الجزء كبر من المقدمين على إيذاء النفس وشكل الشباب والكهول نسبة 70% من المقدمين على الانتحار أو محاولة الانتحار وبلغ عدد الأطفال 17 وكان عدد كبار السن 3 حالات.
تنامي هذا العنف (الانتحار ومحاولات الانتحار) وهذه الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية ضد سياسات قيس سعيد تفضح الفشل المتواصل على كل المستويات وخاصة ما يهم المواطن البسيط والعامل والفلاح على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولا نشك في أن هذه التحركات ستتوسع وستتطور إلى أساليب احتجاجية أكثر فاعلية وحدّة خاصة بعد انتهاء العطلة الصيفية وعودة الدراسة والعام الإداري الجديد.
تواصل اعتماد القوانين والمحاكم لاستهداف المعارضين
في مقابل ذلك وبحسب المنتدى، تواصل سلطات قيس سعيد اعتماد نفس الخطاب المبني على مفاهيم السيادة للشعب، والمؤامرة، ومهاجمة ما يسميه بمنظومة الفساد عبر الدعوة إلى تطهير البلاد والقضاء والإدارة والتشكيك في الاحتجاج ودوافعه
ويرى الذين أعدوا التقرير أن النصف الأول لسنة 2025، شهد تواصل نفس المسار السياسي الذي بدأ ما بعد 25 يوليو 2021، فيتم اعتماد القوانين والمحاكم لاستهداف المعارضين، وسجلت الفترة اعتقالات ومتابعات قضائية جديدة لنشطاء على خلفية تعبيرهم على آرائهم.
كل ما سبق يؤكد تزايد الغضب ورفض تمشي سلطات قيس سعيد في تسيير مرافق الدولة وإخضاعها إلى وجهة نظر واحدة، ومواجهة التحركات السلمية بأساليب قمع مختلفة تبدأ باتهامات التخوين والعمالة، وتصل إلى العنف البوليسي والاعتداءات النفسية والجسدية وتنتهي بالسجون عبر أحكام قضائية قاسية تفتقر إلى إلى أبسط قواعد المحاكمة العادلة.
صوت الشعب صوت الحقيقة
