الرئيسية / صوت الوطن / مزاعم العلوّ الشاهق وحيثيات الانهيار المتسارع
مزاعم العلوّ الشاهق وحيثيات الانهيار المتسارع

مزاعم العلوّ الشاهق وحيثيات الانهيار المتسارع

بقلم عمار عمروسية

يبدو أنّ مفاعيل زخم البروباغندا الشعبوية القائمة على تزوير الوقائع وتجميل الواقع قد بدأت في إخلاء مكانها إلى تساؤلات كثيرة حول وجهة سير الأوضاع ببلادنا.

فمساحات مشاعر القلق من الحاضر والخوف من المستقبل توسعت وخرجت عن سياق “النخبة” إلى الطبقات الكادحة والفئات الشعبية. فالاعتقاد السائد في تلك الأوساط قطع صلاته بالسردية الرسمية ولم يعد يرى فيها سوى آلية ممجوجة للمغالطة والإلهاء التي تثير السخرية من المشتغلين عليها. فكلام الرئيس رغم طابعه الغرائبي على الأقل من الناحية الشكلية فقد الكثير من مفاعيله وتحوّل لدى الكثيرين إلى مواضيع تندّر وسخرية.

فكلّ الوعود تبخرت وتحوّلت إلى مجرد أوهام يحرص صاحبها على استعادتها أمام رأي عام وطني يجترّ يوميا أنباء الفواجع والويلات نتيجة الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المدمّرة لنظام الحكم الذي أخذ على عاتقه التنظيم المتسارع لمفاقمة الأوضاع حتّى أنّ الكثيرين لم يعد يجد حرجا في التعبير عن أسفه عن العهود السابقة رغم مرارتها.

فدار لقمان لم تعد على حالها ذلك أنّ الانهيار طال كل المجالات ووضع الدولة على مشارف الفشل.

فالحياة السياسية تعاني من اختناق حاد نتيجة ثقل القبضة الأمنية الغليظة التي يكاد لا يسلم من بطشها كلّ طالب للحقوق مهما بدت بسيطة وأساسية.

وكلّ الأجسام الوسيطة وخصوصا المستقلة منها تحت سياط الملاحقات الأمنية المنفلتة وحملات الشيطنة والتخوين زيادة عن بطش قضاء التعليمات المحكوم بعقلية الخضوع التام التي فاقت الحالة المريعة لما كان سائدا زمن الديكتاتورية النوفمبرية.

ماكينة مختلف الأجهزة القمعية تطحن رقاب الناشطات والنشطاء وفضاء الحريات يضيق ولم يعد يحتمل وجود الأصوات الناقدة والمنتقدة حتّى لمن كان في السجون مثلما هو الحال مع أحد مواطني جهة قفصة الذي تمّ الاحتفاظ به وراء القضبان بتهمة ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهورية بعد رفضه متابعة النشاط الرئاسي المنقول ضمن نشرة الأنباء على القناة الوطنية!!!

فتح “قيس سعيد” أبواب السجون أمام النساء والمحامين والإعلاميين كما لم يحدث، واستصدرت محاكمه عقوبات سجنية غير مسبوقة وصلت في قضية واحدة إلى أكثر من 740 عاما!!!

أبواب السجون مشرّعة لتلتهم أفضل سنوات أعمار كلّ من تمسّك بحقه في الاختلاف والنقد حتّى وإن كان بجملة واحدة مثلما حدث مع السيدة “سنية الدهماني”، تلك الإعلامية والمحامية التي لا ذنب لها سوى القول “هايلة البلاد..”!!!

يضيق الفضاء العام تحت سيف المرسوم 54 الجائر ومكمّلاته من ترسانة القوانين الزجرية وما يتلوها من فبركات قضايا تكميلية مثلما حدث مع السيدين “محمد بوغلاب”و”مراد الزغيدي”…

سجون الرئيس تديرها عقيدة الانتقام والتنكيل بوافديها من معارضين وغيرهم. فالناشطات والنشطاء وراء القضبان وفق شهادات أهاليهم ومحاميهم يتلقّون باستمرار شتّى أنواع الهرسلة والتنكيل (العزل الانفرادي، النقل السجنية، الإهمال الطبي، الخ…).

أمّا غيرهم من مساجين الحق العام فالمدايات أوسع لسحق حقوقهم الأساسية الدنيا بعيدا عن الأضواء. وقد وصل الأمر حدّ تسجيل 3 وفيات مسترابة في أقلّ من 10 أيام!!!

لقد جانب الحاكم بأمره الحقيقة، فالعصافير عادت إلى أقفاصها ودستور الثورة لم يأكله حمار مثلما قال منذ سنوات. ذلك أنّ الرئيس هو من ابتلع الدستور وهو من قضم المكتسبات الأساسية للثورة وأقام على أنقاضها حكما شموليا فاشستيا مرجعيته الأولى دستور خطّه “قيس سعيد” بنفسه ولنفسه ومكّنه من سلطات فرعونية فوق جميع المؤسسات والمجتمع.

فالأولى ليست سوى أدوات صورية تحت قبضته أمّا عموم الشعب فهو في مرتبة أقلّ من الرعية المخترقة من قبل “النخبة” الفاسدة وفق المنظور الشعبوي.
لقد قوّض دستور “قيس” الأسس الدنيا للنظام الجمهوري حتّى في أشكاله الليبرالية الهشة والهجينة وأقام نظاما خارج سياقات العصر الحديث وهو ما نلمسه بصورة ساطعة في تحويل كلّ السلطات المتعارف عليها في الحكم الجمهوري إلى مجرد وظائف خاضعة لإدارته وحده بعيدا عن أيّ مراقبة أو حتى مشاركة. فهو مثلما أسلفنا فوق الجميع وبعيدا عن أيّ مساءلة أو محاسبة لا أثناء ممارسة حكمه ولا بعده.

فالرئيس ماض في تحصين حكمه الفردي الفاشستي دون أدنى اكتراث لا بالأزمة الاقتصاديه والمالية التي تعصف بالبلاد ولا بتفاقم الأوضاع المادية للشعب.

يتمادى “قيس سعيد” في الضحك على الذقون من خلال الحديث عن الرفاه القادم ومحاربة الفساد والانتصار للدولة الاجتماعية، في حين أنّ الحصيلة الواقعية لم تكن سوى مزيد المصاعب والمعاناة وهو أمر طبيعي لأنّ سياسته الاقتصادية لم تكن سوى إعادة للخيارات النيوليبرالية المتوحشة والتابعة للعهود السابقة بل يمكن الجزم أنّها أشدّ وطأة على الطبقة العاملة وعموم الكادحين والمهمّشين.

والأنكى من ذلك الانهيار المريع لمجمل خدمات المرافق العمومية وبلوغها درجات مفزعة طالت جوانب أساسية وحياتية مثل الانقطاعات المتكررة للمياه والكهرباء والإنهاك الكبير لعمل القطاع الصحي.

إلى الأعلى
×