الرئيسية / صوت الوطن / أربع سنوات من حكم قيس سعيّد: السلطة المطلقة… والحصيلة المفلسة
أربع سنوات من حكم قيس سعيّد: السلطة المطلقة… والحصيلة المفلسة

أربع سنوات من حكم قيس سعيّد: السلطة المطلقة… والحصيلة المفلسة

بقلم حمادي المثلوثي

يقول ماركس في كتاب رأس المال: “الثروة الاجتماعية لا تقاس فقط بمراكمة رأس المال، بل بالكيفيّة التي يُعاد بها إنتاج الحياة نفسها داخل المجتمع”.

منذ 25 جويلية 2021، دخلت تونس طورا جديدا من الحكم الفردي المطلق، تحت غطاء “الشعب يريد” و”تصحيح المسار” و”الدولة الاجتماعيّة”، لكن بدل الخروج من الأزمة، غرقت البلاد أعمق في التدهور الاقتصادي والانهيار الاجتماعي.

فقيس سعيد لم يقطع مع المنظومة التي ثار عليها الشعب، بل جدّدها من فوق بواجهة دستورية جديدة وخطاب شعبوي فارغ وكانت النتيجة واضحة: الفقر توسّع والبطالة تصاعدت والأسعار انفجرت والخدمات العمومية انهارت.

في المقابل ظلّت مصالح الرّأس مال الكبير والدائنين الأجانب والبيروقراطية العليا محمية ومحصّنة، بل ازدادت استفادتها من الأزمة.

لقد تحوّلت السلطة في عهد سعيّد إلى أداة للتّقشّف والقمع. أمّا الدولة فلم تعد “أداة في يد الشعب”، بل منصّة لتجويعه ولجمه وإخضاعه مجدّدا لشروط الدّائنين والهيمنة الأجنبية.
في هذا المقال لن نكتفي بتوصيف الحصيلة، بل سنحاول وضعها في سياقها الطبقي والسّياسي: من الذي صنع الأزمة؟ من المستفيد منها؟ ومن دفع الثّمن؟ وما هو البديل الحقيقي الذي يفتحه النضال الشعبي من أجل التحرّر الوطني والاجتماعي؟

انهيار اقتصادي شامل

رغم وعود التصحيح وشعارات السيادة… سارت تونس في عهد سعيّد نحو تعميق الانهيار الاقتصادي بدل تجاوزه. ولا يجد الباحث صعوبة في توفير المؤشرات الدّالة على ذلك:

  • لم يتجاوز معدل النمو السنوي 1.4% وهو معدل أقل من الحاجيات الدنيا لضمان استقرار اجتماعي (لتحقيق هذه الحاجيات تحتاج تونس لنسبة نموّ تقدر بحوالي+5%).
  • ارتفاع الدّين العمومي لأكثر من 140 مليار دينار وهو ما يمثل حوالي 80% من النّاتج المحلي الإجمالي وهو رقم مرعب وخطير لأنه يعكس مدى إخضاع الدولة التونسيّة لمراكز القرار الامبريالي، أمّا خدمة الدين السنوي فقد تجاوزت 22 مليار دينار أي حوالي ربع ميزانية الدولة ممّا جعل الميزانية رهينة لخدمة الديون بدل الإنفاق على الحاجيات الأساسية للسكان (من غذاء و تعليم وصحة ونقل) والتّنمية؟

تكشف هذه الأرقام زيف شعارات قيس سعيد فالدّين العمومي ليس قدرا اقتصاديا بل نتيجة سياسة مباشرة قائمة على الخضوع والاستسلام لقوى رأس المال المالي العالمي فالبديل ليس في البحث عن “تمويل جديد” بل في بناء اقتصاد وطني مستقل منتج وموجّه لخدمة الحاجيات الأساسية للشعب.

  • تراجع قطاع الفلاحة بشكل غير مسبوق ومن مظاهر ذلك تقلّص إنتاج الحبوب بأكثر من 60% وزيادة التوريد الغذائي ممّا فاقم هشاشة السّيادة الغذائية (تستورد تونس بين 50 % و70% من غذائها الأساسيّ خاصة الحبوب والزيوت والسكر والحليب).
  • تراجع نسبة مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج الداخلي إلى أقل من 14% نتيجة انسحاب وغلق العديد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة (بلغ عدد المؤسسات المغلقة بين 2019-2023 حسب الوكالة الوطنية للنهوض بالمؤسّسات الصغرى والمتوسطة حوالي 200 ألف مؤسّسة) وهي نتيجة حتمية لمنوال التنمية الهشّ القائم على التداين والمتجاهل للاستثمار في القطاعات المنتجة المحلية.
  • تفاقم العجز التجاري الذي بلغ حوالي 19.4 مليار دولار سنة 2024 أمّا نسبة تغطية الصادرات للواردات فهي لم تتجاوز 74% وهو ما يؤكّد استمرار التبعيّة للخارج. أمّا احتياطي البلاد من العملة الصعبة فهو في تآكل ولا يغطّي سوى 96 يوم توريد.
  • تراجع تصنيف تونس الائتماني (س.أ.أ2) ممّا جعل بلادنا عاجزة عن الاقتراض بشروط سياديّة

كل هذه المؤشرات تبيّن بالملموس، وبعيدا عن الشعارات الجوفاء، أن الاقتصاد لم يُنقَذ بل أُغرِق وتعزّزت تبعيّته دون إنتاج ودون استثمار ودون تشغيل وهي نتيجة مباشرة لمنوال اقتصادي تابع يخدم مصالح الطغمة المالية والبيروقراطية الحاكمة.

حصيلة اجتماعيّة مدمّرة

انعكست الأزمة الاقتصادية على المجتمع التونسي بشكل مباشر ومن المؤشرات الدّالة على ذلك:

  • توسّع دائرة الفقر لتشمل أكثر من 30% من السكّان (تشير دراسات البنك الدولي أنّ حوالي 3.4 مليون تونسي يعيشون تحت خط الفقر متعدّد الأبعاد).
  • بقيت البطالة في حدود 16% وتجاوزت 38% في صفوف حاملي الشهائد العليا.
  • انفجار نسبة التضخّم إلى أكثر من 10% سنة 2023 وهي نسبة مدمّرة للقدرة الشرائيّة للطبقات الوسطى والشّعبيّة.
  • تقلّص الدّعم بشكل حاد من 10.3 مليار دينار سنة 2020 إلى 6.5 مليار دينار سنة 2024 ممّا فاقم غلاء الأسعار.
  • التعليم العمومي يعيش انهيارا بنيويا حيث آلاف الانقطاعات وعقود التشغيل الهشّة وضعف الميزانيّة (انخفضت ميزانية وزارة التربية بنسبة 7% في 2024 مقارنة بنسبة 2020).
  • الصّحّة العموميّة تشهد نزيفا متواصلا من مظاهره المدمّرة هجرة جماعيّة للإطار الطبّي ونقص فادح في الأدوية الأساسّية وبنية تحتيّة متدهورة (تراجع الإنفاق العمومي على الصّحّة إلى ما دون 5.4% من ميزانية سنة 2024 مقابل 6.2% سنة 2019).
  • النّساء في الأرياف رغم الشعارات والضّجيج كنّ الأكثر تضرّرا من السياسات الاجتماعية التّقشّفيّة.

كل هذه المؤشّرات تدلّ على فقدان شبه كلّي للأمان الاجتماعي وتراجع أغلب إن لم نقل جلّ مؤشرات التنمية البشريّة وسط انسداد للآفاق.

من الشعبوية الزائفة إلى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي المعمّمين

رغم خطاب قيس سعيّد المتكرّر عن “العدالة الاجتماعية” و”الكرامة الوطنية” و”السيادة الوطنية”… لم يكن حكمه حسب المؤشرات المذكورة سوى استكمالا لمسار التفقير والتهميش الذي ثار ضدّه الشعب. لقد تحوّلت الشعارات الشعبوية إلى غطاء لسياسات تقشفيّة مجحفة دفعت الطبقات الشعبية ثمنها غلاء أسعار وفقدان للمواد الأساسية وبطالة وانسداد أفق.

في عهد سعيّد تقلّص الدعم وانهارت الصّحّة والتعليم وارتفعت نسبة الفقر وتفاقمت نسبة الهجرة. لم نرى سوى عدالة في تقاسم البؤس بين أفراد الفئات الشعبية في حين ظلت ثروات البلاد ومؤسّساتها في خدمة كبار الدّائنين والرأسمال المحلّي والأجنبي.

لقد فضحت السنوات الأربعة زيف الخطاب وكشفت أن سلطة قيس سعيد ليست منحازة للفقراء كما تزعم، بل ضدّهم بالفعل والمصلحة. وأنّ الحصيلة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الرّثّة ليست مجرّد نتائج عرضيّة، بل ثمرة منوال تنمية ومنطق سياسي معاد بطبيعته لمصاح الطبقات الشعبية.

لذلك وبكل وضوح لا إمكانية لأيّ إصلاح حقيقي داخل هذا المسار الكارثيّ الذي جوهره التفقير والاستبداد والتّبعية إلا التنظّم والنضال من أجل إسقاطه وبناء بديل شعبي يضع قطيعة حقيقية مع منوال النهب والتداين والتّبعية ويرفع راية السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الشعبية.

إلى الأعلى
×