عاشت تونس أيام 30 و31 جويلية وغرة أوت 2025 على وقع إضراب عمّال النقل الذي جاء ردّا على مماطلات الوزارة ورفضها الاستجابة لمطالب القطاع المشروعة سواء ما تعلّق منها بتحسن الأجور وظروف العمل أو بتحسين خدمات النقل التي شهدت تدهورا خطيرا تضرّر منه عموم النّاس. وقد بات من الواضح أنّ تنظيم هذا الإضراب في هذا الوقت بالذات يؤشرّ لما تختزنه الساحة الاجتماعية من تصاعد مقبل للاحتجاجات في أكثر من قطاع. فأوضاع عمّال النقل التي دفعتهم للإضراب ليست سوى صورة لما يعانيه العمّال كافّة في بلادنا من تدهور لحالتهم المادية والمعنوية. ومن النقاط المسجلة في إضراب عمّال النقل أنّه تمّ بقيادة نقاباتهم التي عملت سلطة الانقلاب الفاشية على ضربها وتحييدها في إطار ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل ككلّ اعتمادا على التخويف وتلفيق القضايا والاعتقال إضافة إلى حملات التخوين والتشويه الممنهجة.
لقد فشلت كل محاولات سلطة الانقلاب في إفشال إضراب عمّال النّقل عبر اللجوء إلى الأساليب البائدة التي يعرفها العمال والنقابيون مثل التلويح بالتسخير اعتمادا على القانون الفاشي الذي تمّ سنّه في ذروة قمع الإضراب العام النقابي الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 26 جانفي 1978 والذي أغرقه نظام بورقيبة في الدم، وباستعمال التهديد والوعيد من قبل المعتمدين وأعوان الأمن والحرس المصحوبين بأعوان “الشُّعَب” الجدد، ونقصد أعضاء المجالس المحلية الذين يحنّون إلى لعب دور لجان الرعاية أو لجان اليقظة سيّئة الذكر التي وُجدت في عهدي بورقيبة وبن علي. ومع ذلك خابت مساعيهم ونجح إضراب عمال النّقل الذين يربطون اليوم مع تقاليدهم النضالية الضّاربة في تاريخ تونس المعاصر.
ولم يكن إضراب عمال النقل التحرّك الوحيد الذي عرفته بلادنا هذه الأيّام. فقد تجمّع المعلّمون، رغم أنّهم في عطلة الصّيف، يوم 31 جويلية أمام وزارة التربية بدعوة من جامعتهم العامّة التابعة للاتحاد العام التونسي للشّغل، احتجاجا على وزارة تغلق باب التفاوض معهم ومع بقية النقابات تكريسا لخيارات دولة الاستبداد والتعسّف. ومن المرجّح أن تتلو هذا التجمع نضالات أخرى تلوّح بها نقابات التربية بعد أن تعفّنت الأوضاع المادية والمعنوية للمربين بشكل غير مسبوق. وفي ذات اليوم تحرّك المعطّلون عن العمل في عديد الجهات (سيدي بوزيد، قفصة…) رافعين نفس المطالب التي ما انفكّت تُرفع لمدة عقد ونصف في وجه حكومات الالتفاف على الثورة ومنها حكومات قيس سعيّد وهو الحقّ في الشغل. ومن الواضح أنّ ملف التهميش الاجتماعي الذي يشمل من بين ما يشمل المعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا سيزداد أهمّية في القادم من الأشهر بالنظر إلى تفاقم ظاهر البطالة وقناعة ضحاياها بأنّ وعود سعيّد كاذبة ولا تختلف في شيء عن وعود سابقيه، لذلك ليس من المستبعد أن تشهد بلادنا تحركات جديدة للفئات المهمّشة. وأخيرا وليس آخرا لا بدّ من الإشارة ونحن نتحدث عن التحركات الاجتماعية إلى كافة مظاهر الاحتجاج الأخرى بسبب انقطاع الماء والكهرباء في “عزّ الصيف”.
إنّ ما بلغته حياة التونسيين من تدهور عام شمل أبسط حقوقهم، وفي مقدمتها الحق في مياه الشرب والإنارة، أصبح يشحن الغضب والاستياء حيال سلطة فاشيّة، لا تُبالي بالشعب ولا تُنصت إليه ولا تَرى ما تُلحقه به من دمار ولا تحسّ بمعاناته اليوميّة بل تواصل اتّخاذ الإجراءات التي تعمّق الأزمة وتفاقم انعكاساتها عليه كما تواصل قمعه وقمع كلّ معارض أو منتقد لها أو محتجّ عليها وعلى ظلمها من أبناء الشعب المفقّر والمهمّش. ومن المؤكّد أنّ هذا الغضب وهذا الاستياء سيتّخذان تدريجيّا أشكال احتجاج عمليّة ومكشوفة وربّما انفجارات اجتماعية وسياسية غير متوقّعة وغير منظّمة فالظلم والقهر لا يولّدان مع الوقت سوى المقاومة. وفي مثل هذه الحال فإن الدور الملقى على مناضلات حزبنا ومناضليه وعلى كل القوى الديمقراطيّة والتقدّميّة هو في دعم النضالات العمّاليّة والشعبية والعمل على الارتباط بها والانخراط فيها ومساعدتها على تجاوز نقائص التجارب الماضية وأولها تجربة ثورة 2010-2011 وذلك من خلال تسليحها بالوعي والتنظيم فأمّا الوعي فمعناه ضبط برنامج النضال في بعديه المباشر والمرحلي وأمّا التنظيم فمعناه توفير الإطار الذي يحوّل النضالات القطاعية والمبعثرة إلى تيّار واحد قادر في الظرف المناسب على وضع حدّ لمنظومة الاستبداد والفاشية وخياراتها المعادية للشعب والوطن وإقامة سلطة الشعب التي تمكّنه من ممارسة سيادته على الدولة وعلى الثروة وتوظيفهما لتحقيق تحرّره الوطني والاجتماعي في إطار جمهورية ديمقراطية وشعبيّة.
صوت الشعب صوت الحقيقة
