بقلم عمار عمروسية
يبدو أنّ رئيس الحكومة “نواف سلام” وأغلبية فريقه على عجلة من أجل المرور بالقوّة لتنفيذ واحدة من أعقد المهمات في الساحة اللبنانية ونقصد نزع سلاح المقاومة وتحديدا ما كان تحت أيادي مقاتلي “حزب الله”.
والحقيقة أنّ هذه العجلة ليست بالأساس وليدة رغبة أو رغبات لبنانية داخلية بقدر ماهي استجابة لإملاءات صهيو-أمريكية بدعم قويّ من بعض الأنظمة العربية العميلة مثل السعودية والإمارات وقطر الخ…
فالعودة المتهافتة الآن لواحدة من أشدّ المشكلات تعقيدا في الساحة اللبنانية على امتداد أكثر من عقدين ليس سوى أولاّ محاولة جديدة لتحقيق ما عجزت عنه الحروب المدمّرة بما فيها أعتى الضربات العميقة والقاسية التي طالت البنية التنظيمية والعسكرية لحزب الله أثناء منازلته الأخيرة مع كيان الاحتلال النازي، وثانيا استغلالا رخيصا لمجمل المتغيّرات السلبية الحاصلة ضمن محور المقاومة، وثالثا تصفية حساب قديم مع المقاومة وسلاحها وحاضنتها الشعبية، ورابعا تعبيدا للطريق لإلحاق “لبنان”بدول الغدر والتطبيع ضمن ما يعرف باتفاقيات “ابراهام للسلام”.
فحكومة “نواف سلام” قفزت فوق متطلبات اتفاق “الطائف” وبنوده المرتبطة بأمرين هما شرعية سلاح المقاومة وأحقيتها في دحر الاحتلال الصهيوني وتحرير الأراضي اللبنانية.
وهي التي انقلبت على خطابها التكليفي الذي حدّد أولويات حكمها كالآتي:
أ- وقف إطلاق النار ووضع حدّ للعربدة الصهيونية.
ب- الانسحاب الكامل لجيش العدو من كل المناطق المحتلة.
ج- تحرير الأسرى اللبنانيين.
د- الشروع في إعادة الإعمار.
ه- وضع استراتيجية دفاع وطني قادرة على استيعاب مسألة سلاح المقاومة.
وهي، أي الحكومة، من خرجت عن مضمون القرار الأممي 1701 بإقدامها على توسيع مجالات سحب السلاح من كلّ لبنان لا من جنوب نهر الليطاني مثلما ورد بذاك القرار، زيادة عن التزامها بتدمير جميع ما سيقع تسلّمه من عتاد!!!
فكلّ الحيثيات الظاهرة والخفية تدفع إلى الاعتقاد الجازم بأنّ الحكومة اللبنانية والرئاسة أيضا يتصرّفان في هذا الملّف كأدوات تنفيذ لاشتراطات قوى داخلية وخارجية معادية لسيادة لبنان وعزّة شعبه.
فجلب سلاح “حزب الله” لجلسات التداول الرسمي كان بأمر أمريكي وجد ترجمته الملموسة في ورقة “توم برّاك”، مبعوث البيت الأبيض، وهو أمر لم يجد وزير الإعلام اللبناني حرجا يوم 7 أوت بعد انتهاء الجلسة الحكومية من القول أمام الملأ “لقد وافقنا على الخطوط العريضة من ورقة المبعوث الأمريكي”! والأنكى من ذلك أن نقاش السلاح قد تمّ في ظلّ مقاطعة 5 وزراء جميعهم من المكوّن الشيعي “حزب الله” و”أمل” وهو أمر ينسجم مع رفضهما المطلق لهذا التمشي ومخرجاته منذ الجلسة الأولى يوم 5 أوت حيث سارع حينها حزب الله بإصدار بيان وصف فيه تكليف الجيش بوضع خطة تطبيق حصر السلاح بالخطيئة الكبرى والمروق عن الميثاقية بما تعنيه من حتمية التوافق الوطني الواسع في المسائل الوطنية الكبرى.
خطيئة “نواف سلام” و”جوزيف عون” لقيت الترحاب الواسع من الإدارة الأمريكية إذ سارعت وزارة خارجيتها إلى الإشادة بـ”الخطوة الحكيمة… وعودة الدولة لشعبها…” وأضاف “توم برّاك” قائلا “إنه قرار تاريخي… هو قرار شجاع…”.
ذات المضامين تقريبا وقع التعبير عنها في الإعلام الصهيوني والبعض من العواصم الغربية والعربية.
فالكلّ هناك يرقص على وقوع السلطة اللبنانية في كماشة قوى الهيمنة الخارجية وأدواتها الوظيفية بالداخل اللبناني المنهك بثقل الأزمة الاقتصادية وعربدة الكيان الصهيوني الذي يقابل خطوة الاستسلام الحكومي بمزيد الاعتداءات والانتهاكات التي تجاوزت بعد هدنة 27 نوفمبر 2024 أكثر من 4 آلاف خرق جوي وبري وبحري زيادة عن سقوط أكثر من 200 شهيد بينهم عدد من مقاتلي “حزب الله”.
قرار الحكومة كما ورد تسلّل من بعض الفجوات الواردة في نصّ اتفاق وقف إطلاق النار الموّقع عليه في 27 نوفمبر الماضي حيث أعطى للكيان الغاشم حقّ “الدفاع عن النفس” الذي عادة ما يقع فهمه وفق المنطق الصهيوني على أنّه حرية جيش الاحتلال في مباشرة أعماله العدائية وفق حساباته الخاصة وتقديراته الانفرادية التي لا رقيب عليها سوى لجنة إشراف يرأسها جنرال أمريكي!!!.
وقرار الحكومة وجد طريقه إلى النور ضمن ترتيبات دولية وإقليمية يصبّ أغلبها في إعادة صياغة المنطقة وإعادة تشكيلها بما يتلاءم مع مقتضيات ما يسمّى بالشرق الأوسط الجديد الذي لا يحتمل بالمطلق لا وجود سلاح المقاومة ولا فكرها ولا حتى ثقافتها.
فهو فضاء شاسع للوحشية الصهيونية والهيمنة الأمريكية-الغربية وهو ميادين سطوة الديكتاتوريات العربية العميلة التي تسوس شعوبها في مرتبة الرعايا والعبيد.
فقرار حكومة “نواف سلام” وضع الدولة اللبنانية في مفترق طريق شديد المخاطر لعلّ أهمها السلم الأهلية التي قد تترك مكانها إلى انقسامات مجتمعية ومناطقية وطائفية من الممكن جدّا أن تتطوّر إلى حرب أهلية طوى لبنان صفحاتها الدموية منذ سنة 1990.
إنّ تكليف الجيش بإعداد خطة نزع السلاح وتحديد ما تبقّى من أشهر هذه السنة لإنجاز هذه المهمة الشائكة فيه استدعاء صريح للزجّ بالقوات المسلحة في مواجهة مع المقاومة وسلاحها دون النظر للتعدد المذهبي والطائفي للجيش زيادة عن الانقلاب الصريح على واحد من أهم ثوابت العقيدة الدفاعية التي حمت سيادة لبنان لعقود ومكنته من تحقيق انتصارات كبيرة.
فوضع الجيش في وجه المقاومة مخاطرة كبيرة لا أحد بإمكانه التكهن بنتائجها فضلا عن أنها مثلما أسلف مروق أرعن عن ثلاثي كسر شوكة الاحتلال ونقصد “الجيش، المقاومة، الشعب”.
صوت الشعب صوت الحقيقة
