الرئيسية / صوت المرأة / الأحوال الشخصية: من أجل مجلة ثورية تقطع مع كل أشكال الدونية والتخلف
الأحوال الشخصية: من أجل مجلة ثورية تقطع مع كل أشكال الدونية والتخلف

الأحوال الشخصية: من أجل مجلة ثورية تقطع مع كل أشكال الدونية والتخلف

بقلم فضيلة الدشراوي

إن قدر النساء في المجتمعات العربية والإسلامية خاصة أن يعشن معاناة مضاعفة بسبب أنظمة الحكم البالية المتهالكة ومنظومتها الإيديولوجية الرجعية والموروث الثقافي البائد والعقلية الذكورية الجاثمة على عقول النساء والرجال على حد السواء، وأخص بالاهتمام هنا أوضاع التونسيات اللاتي قاسين طويلا كغيرهن وعانين عذابات وصلت حد القتل بل التقتيل البشع ومع ذلك آلين على أنفسهن أن يناضلن ضد شتى أنواع الظلم والقهر والتمييز الجنسي ونلن من السجون والتعذيب ألوانا على مدى عقود وإلى الآن كل ذلك في سبيل تحقيق ولو نزر من حقوقهن وحريتهن. وبفضل نضالاتهن ونضالات حركات وطنية ديمقراطية تحررية وحركات يسارية تقدمية في الخمسينات وقبلها، فرضت بعض المكاسب، إذ أقرت بعض القوانين والمبادئ لحمايتهن من القهر والتحكم برقابهن وليتمكن من تنظيم شؤون أسرهن بالتوازي مع أزواجهن. وأدرجت في مجلة ألا وهي مجلة الأحوال الشخصية بتاريخ 13 أوت 1956 وهي تعتبر رغم الهنات التي تتخلل فصولها قفزة مهمة في سبيل تقدم وتطور أوضاع النساء في تونس.

إن من أهم الإنجازات التي حققتها نساء تونس هو القطع مع ظاهرة تعدد الزوجات وزواج المتعة والزواج القسري بدون رضى أحد الطرفين على الأقل وتزويج البنات في سن مبكر والضرب والجلد وتحريم طلب الطلاق والحرمان من النفقة والسكن وحتى حضانة الأطفال… لقد تخلصت المرأة التونسية من هذه القيود التي طالما أدمت شخصها وكرامتها ونفسيتها وجسدها وتمتعت بهذه المكاسب على قلتها كما فرضت في عهد بن علي بعض التعديلات سنة 1993 منها التعديل في أحكام الطلاق لتشمل مزيدا من الضمانات للمرأة ودعما لحقوق الأم في حضانة للأبناء. وتم تعديل أحكام المهر والنفقة والاشتراك في الملكية والتعاون بين الزوجين عوض مفهوم طاعة الزوجة لزوجها لما فيه من إذلال وخنوع وتركيع. كما عدلت بعض أحكام أخرى لإضفاء نوع من الصرامة حتى لا يقع خداع المرأة بالطلاق الغيابي ولضمان النفقة والحضانة وحقوق الأم والأبناء. لقد أدخل مفهوم الشراكة المالية بين الزوجين ليكونا شريكين في إدارة الحقوق المالية داخل الأسرة وتنظيم الميزانية مع مراعاة حقوق كل طرف. وتعتبر هذه التعديلات خطوة في محاولة لتطويع مجلة الأحوال الشخصية لمقتضيات الواقع المعاش ولمواكبة تطور المجتمع ولدعم حاجيات الأسرة وتعزيز حقوق النساء. وفي 2006 وقع تعديل الفصل 56 مكرر ليضمن حق الحاضنة ومحضونها في السكن حتى لا يتجرأ الزوج على التفويت في مقر السكن وحرمانها وأبنائها منه، وهو تعديل يعرض الزوج المنفصل للسجن لأن من واجبه توفير السكن للزوجة والأبناء. إنها مكاسب جزئية ولكنها إيجابية أنجزت في عهد بن علي تحت ضغط النساء في سبيل تخفيف عبء الواقع الذي هدّهن وأنهكهن. وبعد الثورة ومع بداية تصاعد موجات العنف ضد المرأة بأنواعه (نفسي، جسدي، اقتصادي، لفظي، جنسي…) أطلقت صيحات فزع من المنظمات الحقوقية والجمعيات النسوية وفي أوساط المثقفات وعلت أصوات التونسيات في شارع الثورة وشوارع مدن تونس منددة بهذا العنف ومحدثة ضغطا هائلا على مؤسسة الرئاسة والحكومة والبرلمان لإصدار قانون في 11 أوت 2017 يهدف إلى وضع تدابير للحيلولة دون تفشي ظاهرة هذا الداء ومحاصرته بالوقاية منه والصرامة في معاقبة مرتكبيه من أجل ضمان احترام الذات البشرية والمساواة الفعلية بين الجنسين.

إنه قانون يسند مجلة الأحوال الشخصية في دعم الحقوق والحريات والمساواة الفعلية بين الجنسين. لكن ذلك لا يمنع القول بأن المجلة ما زالت في الحقيقة لم تلمس مكمن الداء ولم توضع بعد النصوص الترتيبية والآليات التطبيقية لتفعيل القوانين والاتفاقيات مثلما كان الأمر قبل الثورة. لقد جعلت كل الأنظمة التي توالت على البلاد من مجلة الأحوال الشخصية غطاء للتضليل والخديعة واستعمال “حرية المرأة” (لدى بورڨيبة) للشهرة والبروز كقائد حداثي عصراني ضامن لحقوق النساء. إلا أنه في الأصل كان يخدم نظامه في كل أصقاع التراب التونسي مستعملا خطابا مضللا والادعاء بأنه محرر نصف المجتمع والأب الروحي المسؤول عن التونسيات وحقوقهن، في حين أن بناتنا يرزحن تحت وطأة الفقر والفاقة ونير استغلال الرأسمال الغربي لجهودهن في المعامل الألمانية والبلجيكية والفرنسية والإيطالية المزروعة في القرى والمدن ويعانين من عمليات التسريح المتكررة كل سنتين، وأحيانا كل أربع سنوات ليقع تجديد قوى العمل بمجموعات جديدة تترك مقاعد الدراسة قسرا لإعالة أسرهن.

على نفس النهج سار زين العابدين بن علي، وبحكم انتشار القنوات التلفزية وتطور الإعلام، قدم المرأة التونسية على شاشات البلاد كواجهة جميلة جذابة للإيهام بأن نساء تونس سعيدات يحظين بالاهتمام في التشغيل وفي مختلف المواقع التي كانت حكرا على الرجال (تنشيط إذاعي وتلفزي وبروز إعلامي …). ولا يعدو الأمر عن كونه مجرد تغطية على أوضاع مزرية تعيشها النساء في الواقع رغم أنهن اقتحمن عديد مراكز العمل بفضل جهودهن وتفانيهن وحرصهن على تحقيق أحلامهن. رغم ذلك لم يجرأ بن علي الذي بادر بتنقيح بعض فصول المجلة، مراجعتها مراجعة جذرية مثلما تقتضيه التطورات التي عرفها المجتمع التونسي وبقي مثله مثل سلفه حبيس جبة الأفكار الدينية البالية وقوانين الشريعة المحافظة التي تجاوزها الزمن. وحتى الباجي قائد السبسي المحسوب على الجهة الحداثية استعمل مسألة المساواة في الإرث لغاية انتخابية دنيئة ثم أغلق هذا الملف الحقوقي نهائيا، هم يرتعبون من هذه المسألة وكأنهم سيلقون بذكوريهم في البحر ولا ننسى أنه القائل ذات يوم في نائبة “مالها إلا مرا”، إذن هكذا حكامنا يخشون أن تخدش ذكوريتهم وحتى يقطعوا الطريق أمام مطالبة النساء بالمساواة التامة والفعلية بين الجنسين.

ذات يوم 14 جانفي 2011 حلمنا وانزاحت عن عيوننا وقلوبنا غشاوة أكثر من نصف قرن وفرحنا وظننا أن فجر الحرية انبثق وأن النساء في تونس سيغنين للفرح إلا أن رؤوس الأفاعي سرعان ما أطلت ونفث الإخوان وبقايا النظام القديم سمومهم وانهالوا على البلد نهبا وسلبا وفسادا وإفسادا وتدميرا للدولة ولمؤسساتها ومحاولة لإعدام المدنية والعود بنا إلى العروشية والقبائلية ومحو مفاهيم الحقوق والحريات والمساواة بين الجنسين ، فاستعرت الحرب من جديد وكانت التونسيات في الصفوف الأمامية في قلب الصراعات المحمومة والدموية فيه العشرية الظلماء إلا أن نضالاتهن والشعب التونسي حدت من تطاول إخوان المآسي على مدنية الدولة وعلى حقوق النساء وتراجع أولئك الحكام عن تمرير فصول وقوانين تزج بنا في غياهب الماضي المتخلف وبالمحصلة لم يمر فصل”المرأة مكمل للرجل” ولم تتجرد الدولة من مدنيتها.

مرّت عشرية قاتمة وحلّت خمسية عاتمة

إن ما عجز عن تنفيذه الإخوان بدأ الرئيس الشعبوي المنقلب ينجزه بخطى حثيثة متسارعة وبدون ضجيج في خضم ضياع ويأس شعبي عام بعد فقدان الثقة في النخب السياسية التي وقعت فريسة لمنابر إعلامية مأجورة يؤمها منطق السب والشتم والصراخ ونواب زجّ بهم في البرلمان لتحويله إلى سرك وحلبة صراع سمجة وهذا ما هيأ الرأي العام لقبول الانقلاب والسير في ركابه وما جعل الرئيس يستولي على الحكم باستعمال العسكر ويحكم عليه قبضته. مع حشو أدمغة الناس بالشعارات والتهديدات “للفاسدين والخونة” وفي الأثناء أسرع لضرب مؤسسات الدولة وجعلها في طابور الوظائف للحاكم بأمره وهو يجردها الواحدة تلو الأخرى من كل صلاحياتها. ها هو الآن وقد أرسى نظاما شعبويا يمينيا متطرفا فشل على جميع الأصعدة، وها هو يسوق البلد إلى الخراب: اقتصاد مدمر، بلد غير منتج، فقر مقذع، غلاء أسعار مشط، بطالة في تزايد، قروض مضاعفة، لا وجود لانتدابات، أجور مجمدة، توترات اجتماعية وجرائم خطيرة ومخدرات… والحلول قمع واعتقالات وسجون وتعذيب. ونصيب المرأة التونسية من ذلك وبحكم هشاشة أوضاعها كبير جدا.

نساء تونس اليوم يعشن الفاقة في كل مناحي الحياة ويتجرعن مرارة الظلم والقهر والقمع والتجويع والتجهيل و”الحرقة” وركوب خطر البحار ومعهن أطفالهن، نساء تونس يحرمن من ولوج الشأن العام ويبعدن من مواقع القرار.

إن المرأة التونسية قاومت طويلا خيارات حزب الدستور التونسي، وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي وحركة النداء وحركة النهضة وها هي في معمعان الصراع من جديد، تواجه حكما شعبويا يمينيا متطرفا يخدم رأسمالا غربيا متوحشا مهيمنا أتى على الأخضر واليابس ومد أذرعه السرطانية إلى كل مفاصل البلاد ومنابع ثرواتها وفئاتها الاجتماعية وأجناسها وكبّلها بمنظومة عمالة جديدة متشددة تريد تجريد التونسيات من مكاسبهن وتسعى لحرمانهن من حقوقهن وإبقائهن في وضع التبعية الدائمة للجنس “الأقوى”. إن سلطة الحاكم الحالي تمثل تهديدا خطيرا لحريتهن وحقوقهن، بل لطفرة المكاسب التي حزنها من بعض قوانين وفصول مجلة الأحوال الشخصية. لقد بدأ هذا الحاكم بإلغاء الفصل الثاني من دستور2014 لمحو مبدإ مدنية الدولة وإعدام التشاريع الحداثية التقدمية لجعل الدستور يغترف القوانين من الشريعة الإسلامية المتكلسة “الصالحة لكل زمان ومكان”، كما تخلص من الفصل 21 لسنة2014 الذي ينص على المساواة في الحقوق والواجبات بين التونسيين والتونسيات وتظاهر بأنه مع مبدإ التناصف في المجالس الانتخابية إلا أنه قطع عنهن الطريق بالمرسوم 55 الذي أغلق الباب أمامهن للدخول إلى معترك الحياة في الشأن العام وحرمانهن من الوصول إلى مراكز هامة وإلى مواقع القرار ولعل نتائج الانتخابات ‘البرلمانية”26% وانتخابات مجالس الأقاليم 9٫5% خير دليل على ذلك. أما بخصوص مجلة الأحوال الشخصية فهو لم يكلف نفسه عناء مراجعة أي مسألة ذات الصلة عفى عنها الزمن ولم تعد ملائمة للوضع الحالي ولم يضف بندا أو فصلا واحدا خلال خمس سنوات به مكسب للمرأة التونسية الصبورة المعطاء والمكافحة ولم نلمس جهدا إيجابيا في دحض مظاهر التمييز الجنسي الصارخ في مسألة المهر، رئاسة الزوج للأسرة، الولاية على الأطفال، اختيار محل السكن، عدم المساواة في الإرث وهو الموضوع المقدس لديه الذي لا يلمس ولا يقترب منه علما أنه طرح في سنة 1930 من طرف المفكر الطاهر الحداد.

إن الأخطر اليوم أن الحاكم بأمره يهيأ الرأي العام عبر أبواقه وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تسريبات لتعديلات خطيرة تزيد في تعفين أوضاع النساء وتعيدهن إلى وضع قديم بائس طالما قاومنه وضحين من أجل تجاوزه.

إن الحاكم في ذروة الأزمة الشاملة وانهيار الحياة الاقتصادية والاجتماعية والقيمية وعجز “الدولة” على الإنقاذ أو التخفيف من الأزمة وفي ذروة حكم الاستبداد والتسلط لا يجد من الحلول إلا نوعين:

1- العنف والقمع والاعتقالات والسجون،
2- طمس العقل والفكر وروح البحث عن الحلول العلمية والمنطقية مع السعي إلى الاغتراف من الدين والتقاليد وثقافة الماضي المتخلف لإدامة حكمه وسلطته موهما الشعب بتقديم الإصلاحات والحلول للمعضلات الحارقة. إذن أمام الأوضاع الصعبة التي يعيشها الأزواج اليوم ارتأى الحاكم المشرع أن يقدم تعديلات في فصل أو أكثر من فصول وقوانين مجلة الأحوال الشخصية تجنبا للمزيد من التعقيدات والمعاناة كما يبرر وأن يضع إصبعه على المفتاح السحري لمعالجة ظاهرة الطلاق وتحديدا وربما كبداية “الطلاق بالتراضي “وقد يمر فيما بعد لفصول أخطر للتفريط فيها ولسان حال ما يروج أو يدعى لتبنيه والاقتناع به محاولة على وسائل التواصل الاجتماعي تمهد وتهيأ الرأي العام بأساليب تنفذ بسهولة إلى عقول الكثيرين للقبول بها.

إن موضوع الطلاق موضوع قديم جديد وهو من ضمن مشاكلنا الاجتماعية المتفاقمة كالبطالة وضعف المقدرة الشرائية وتدهور الخدمات والمرافق العمومية…ولا بد من استراتيجية يشترك فيها خبراء في عدة مجالات مترابطة (اقتصاد، اجتماع، سياسة، تربية، ثقافة تعليم…) وجمعيات حقوقية وهياكل ذات الصلة ترسم مخطط علمي وبرنامج وطني ينزع إلى القطع مع كل أسباب الظاهرة ليهيأ لغد أفضل ولكن الحقيقة ذلك غير ممكن في مثل هذا السائد الذي نعيشه والذي علينا تغييره بالنضالات ومقاومة منظومات الخور.

كلنا نعرف أن أسباب الطلاق هي أساسا المشاكل الاجتماعية والضغوطات الحياتية وما يترتب عنها كعدم توفير المال ووسائل العيش الغذائية والصحية الضرورية وعدم القدرة على تسديد معلوم الكراء وفواتير الماء والكهرباء وديون أخرى وما يترتب عنه من توترات نفسية وعصبية. وهناك سبب ثان وهو مرتبط في جانب منه بالسبب الأول وهو العنف الأسري بكل أنواعه والذي يزيد في حدته نقص الوعي وسيطرة العقلية الذكورية التي اعتادت من جديد بقوة وتدخل العائلات المتصاهرة وحتى بعض الأمراض المسكوت عنها. وقد قدمت وزارة المرأة بمعية المجتمع المدني النسب التالية التي أنزلت في تقرير بالمرصد الحكومي: 58%من المطلقات تعرضن للعنف من طرف أزواجهن (44 % عنف نفسي – 26٫7 % عنف لفظي – 15,6% عنف جنسي – 11,7 % عنف اقتصادي – 5,3 % عنف جسدي). وهي نسب مفزعة وما أذكى هذا العنف هو خطابات الكراهية والتهديد والوعيد التي يسري تأثيرها كالنار في الهشيم وهو ما يؤدي حتما للعنف المباشر فالانفصال.

أمام نسبة الطلاق المتصاعدة صاروخيا سنويا وأمام التباطؤ الكبير في الإجراءات القضائية وحال القضاء الذي وصل إلى مرحلة مقلقة من التردي وتقلص الكادر ارتأى صاحب الأمر والنهي أن يقوم بتعديلات في الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية التي نرنو إلى تثويرها كليا لا إلى ترقيعها أو تعديل شيء منها تعديلا سلبيا. إن الطلاق في تونس حتى وإن كان بالتراضي ينظمه قانون الأحوال الشخصية وإذا حصل هذا التدخل المزمع القيام به وهو تسليم ملفات قضايا الطلاق بالتراضي إلى عدول الإشهاد فهو يعني إخراجها من أدراج المحكمة إلى مكاتب العدول وهي انتكاسة خطيرة لحقوق المرأة في تونس وتهديد للبنية القانونية والاجتماعية للأسرة، فهذا التصرف ينزع عن المحكمة صلاحيات هي من مهام القضاء والقضاء وحده الضامن الأول للعدالة الاجتماعية فأي انتكاسة بطعم الحنظل وأي عودة خائبة إلى الوراء.

إن الطلاق كالزواج عقد مدني له تبعات اجتماعية وقانونية معقدة والمحكمة مدعوة للحفاظ على الوضع المدني للزوجين المطلقين فهي الجهة التي تمثل القانون النابع من دراسة وفهم معمقين للزواج كعقد مدني مبني في حد ذاته على قوانين وله بدوره تبعات قانونية أخرى اجتماعية معقدة وتمثل المحكمة الجهة الرقابية المستقلة لضمان حقوق الشريكين عند الانفصال كما توقف الحدث قانونيا للحفاظ على الوضع المدني للطرفين وهي من شأنها أن تفرض على “رئيس العائلة” الالتزامات كالنفقة والسكن وتتدخل في القضايا المحورية ذات الصلة لتنظمها كالزيارة وحضانة الأبناء … إذن ما رأيكم لو يستقيل القضاء وتوصد المحكمة أبوابها في وجوه الراغبين في الطلاق بالتراضي أو غيره ويأخذ عدول الإشهاد هذه المسؤولية على عاتقهم؟! ستأخذ المسألة منحى أخطر ونعود إلى نظام رجعي تقليدي قديم يفتح المجال للاستغلال والضغط الاجتماعي والأخلاقوي والانتهاك الصريح لحقوق المرأة التونسية ولحقوق الإنسان. فإذا أراد المشرع المنفذ تحويل الطلاق بنوعه المذكور أو بأنواعه الثلاث إلى العدول فهو يريد إفراغه من مضمونه القانوني الحقوقي ولا يأخذ في الاعتبار سياقاته الاجتماعية والإنسانية وهكذا يفتح الباب على الظلم والكيل بمكاييل مختلفة ويرسخ اللامساواة ويقوض العدالة التي هي قوام الدولة المدنية.

إذن من هنا علينا أن نعي أن الطلاق على أيدي العدول هو مشروع يكرس الهيمنة الذكورية ويتنكر لمكاسب المرأة التونسية التي تعاني هشاشة عامة وهو يهدف إلى إعفاء المحكوم عليه من سداد معلوم النفقة وتخليصه من دفع ما عليه من نفقة ومن فوائد مترتبة عن التأخير.

لم يعد خافيا اليوم أن حقوق النساء وحريتهن والمساواة الفعلية بين الجنسين مهددة فعليا وبالتالي فحقوق الإنسان التي تعتبر قاعدة الدولة المدنية صارت بدورها بين المطرقة والسندان.

لا رجوع إلى الوراء ولا للمساس بمكتسبات التونسيات. لنعمل على تجاوز ما لم يعد يتماشى ومصالح وطموح وأحلام المرأة التونسية من في فصول وبنود في المجلة.

بالمزيد من النضال ندعم ونعزز الحقوق والحريات ونفعل المساواة التامة بين الجنسين.

معا للدفاع عن حقوق الإنسان وتخليصه من براثن التخلف والتقوقع وتحريره من قبضة الرأسمال المتوحش المرعب الذي يمد أذرعه المشوكة إلى كل تفاصيل حياتنا.

معا في الانخراط في النضال الوطني الديمقراطي ذي الأفق الاشتراكي لنضمن ميلاد مجلة ثورية تقطع مع جميع أشكال الدونية والتخلف والرداءة.

إلى الأعلى
×