بقلم عادل ثابت
تعتبر الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية عالميا، وبفارق كبير! فلديها أكثر من 750 قاعدة عسكرية مختلفة الأنواع والأحجام خارج ترابها، موزعة على أكثر من 80 دولة في العالم وتمتدّ عبر مختلف البحار والقارات، من ألمانيا إلى أستراليا مروراً بالبحرين وكوبا… الهدف من وراء ذلك هو إحكام السيطرة الأمريكية على مختلف المناطق في العالم.
ولئن يعود تاريخ أولى القواعد العسكرية الأمريكية إلى نهاية القرن 19 على غرار قاعدة غوانتانامو التي أنشئت سنة 1898 معلنة بذلك النوايا التوسعية للامبريالية الأمريكية في أمريكا اللاتينية، فإن توسّع التواجد العسكري الأمريكي شهد تطورا كبيرا منذ الحرب العالمية الثانية بصفة خاصة وتعزز فيما بعد مع قيام حلف شمال الأطلسي الذي دشّن حقبة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي. وقد كان للاتفاقيات التي عقدها الامبريالية الأمريكية آنذاك مع بريطانيا القوة الاستعمارية الكبرى دور كبير في انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في مناطق واسعة من العالم مثلما هو الحال بالنسبة لقاعدة دياغو غارسيا في المحيط الهندي.
تمركز استراتيجي للقواعد العسكرية الأمريكية في الخليج
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات يمكن القول أن الانتشار العسكري الأمريكي دخل حقبة جديدة اتسمت بتقليص تواجد القوات الأمريكية في أوروبا مقابل تعزيز حضورها في الشرق الأوسط الذي يمثل أكثر المناطق استراتيجية في العالم بالنسبة للامبريالية الأمريكية وحلفاءها، سواء جغرافيا بالنظر إلى موقع القوى المقابلة (روسيا والصين والقوى الإقليمية في المنطقة) أو تجاريا أو لما يحتويه من مخزون استراتيجي من الغاز والنفط. ولا يمكن التغاضي في هذا المجال عن الدور المتواطئ الذي لعبته الأنظمة العميلة في المنطقة في فتح أراضيها أمام استقبال تلك القواعد تارة بتعلة الاحتماء من إيران وتارة أخرى في إطار التنافس بينها (قطر، الإمارات، السعودية…).
وقد تواتر التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة خلال العشريات الأخيرة سواء في أفغانستان أو العراق أو سوريا أو مؤخرا خلال الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة والتي شاركت فيها الولايات المتحدة الكيان الصهيوني العدوان على إيران بضربات جوية غير مسبوقة الحجم لقاذفات بي-2 ألقت خلالها 14 قنبلة GBU-57 الخارقة للتحصينات، التي تزن حوالي 14 طن والتي يقع استعمالها لأول مرة، على المنشآت النووية الإيرانية فوردو ونطنز وأصفهان.
ومعلوم أنه لم يكن لمثل هذه العملية العسكرية أن تتمّ لولا التنسيق العسكري مع الكيان الصهيوني ولولا الدور الذي لعبته مختلف القواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة في بلدان الخليج وفي المنطقة على مختلف الأصعدة الاستخباراتية واللوجيستية العملياتية، فمجموع الطائرات المشاركة في العدوان الأمريكي على إيران ناهز الـ 125 كما تمّ أيضا إطلاق حوالي 20 صاروخ توماهاوك لاستهداف المنشآت العسكرية الإيرانية تمهيدا للضربات الجوية، هذه الصواريخ انطلقت من غواصة في المنطقة تحت إشراف القيادة المركزية للولايات المتحدة CENTCOM والتي مقرها قاعدة العديد الجوية في قطر.
توزيع القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة
يتوزّع الحضور العسكري الأمريكي في الخليج على أكثر من 20 نقطة بين قواعد مؤقتة ودائمة تضمّ حوالي 50 ألف جندي. ضمن القواعد الدائمة تحصى 8 في كل من البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت وقطر والسعودية والإمارات. ينضاف إلى ذلك القطع البحرية المتحركة وما يقدّمه الكيان الصهيوني من دعم وتعاون خصوصا على مستوى التنسيق والتخابر وتخزين السلاح.
إلى جانب ذلك الحضور الميداني في بلدان الخليج تلعب القواعد العسكرية الأمريكية في المناطق المحيطة دورا هاما على المستوى العسكري واللوجيستي والاستخباراتي. ومن أهم تلك القواعد تحتلّ قاعدة دياغو غارسيا المتواجدة في عمق المحيط الهندي دورا استراتيجيا وحيويا، إضافة إلى قاعدة لومونييه بجيبوتي، عاصمة الصومال، التي تعتبر قطعة أساسية في المواجهة مع اليمن.
البحرين
قاعدة الدعم البحري في البحرين هي القاعدة البحرية الأمريكية الأساسية في المنطقة حيث يقيم الأسطول الخامس وهي أيضا مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية. يمكن لميناء البحرين العميق استيعاب أكبر السفن العسكرية الأمريكية، مثل حاملات الطائرات. يعود تاريخ هذه القاعدة إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية في المنطقة ومنذ 1948 أصبحت تستخدم من قبل البحرية الأمريكية قبل أن تصبح تحت إشرافها التام في 1971.
العراق
لا يزال حوالي 2500 جندي أمريكي منتشرين في مناطق عدّة من العراق ويتوزعون أساسا على قاعدتين جويتين، قاعدة الأسد في الأنبار غربي العراق وقاعدة حرير في أربيل في كردستان شمال العراق والتي لا تبعد سوى 115 كلم عن إيران. لئن كان تمرير هذا التواجد يقع تحت غطاء التحالف الدولي للتصدي لداعش فإن القوات الأمريكية استهدفت خلال السنتين الأخيرتين مجموعات موالية لإيران ومساندة للمقاومة الفلسطينية.
الكويت
يعود التواجد العسكري الأمريكي في الكويت إلى حرب الخليج الأولى في جانفي 1991، وقد تحوّل إثر الحرب إلى تواجد دائم موزع على عديد القواعد العسكرية، أهمّها معسكر عريفجان أين يوجد أحد مراكز القيادة المركزية الأمريكية علاوة على 9000 جندي أمريكي وقاعدة علي السالم الجوية التي تضم فرقة من القوة الجوية الأمريكية 386.
تعتبر الكويت مركزا لوجيستيا هاما لتخزين المعدات والتجهيزات العسكرية علاوة كونها محورا رئيسيا للنقل الجوي وبوابة للإمداد ونشر القوة القتالية في المنطقة.
قطر
تُعدّ قاعدة العديد الجوية في قطر أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط وتضمّ حوالي 10 آلاف جندي، وتحتضن مركز قيادة القيادة المركزية الأمريكية وقواتها الجوية وقوات العمليات الخاصة في المنطقة.
كما تضم القاعدة طائرات مقاتلة، بالإضافة إلى قوة البعثة الجوية 379، التي تشمل “قدرات النقل الجوي، والتزود بالوقود جواً، والاستخبارات، والمراقبة والاستطلاع، وكذلك قدرات الإخلاء الطبي الجوي”، وفقًا للجيش الأمريكي.
سوريا
تتمركز غالبية القوات الأمريكية المتواجدة هناك في شمال شرق سوريا التي تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ويقدّر عدد هذه القوات بحوالي 2000 جندي موزعين على حوالي 30 نقطة من بينها 17 قاعدة عسكرية.
الإمارات
تعتبر قاعدة الظفرة الجوية قاعدة إستراتيجية في مجال الاستطلاع وجمع الاستخبارات ودعم العمليات الجوية القتالية. تستضيف قوة البعثة الجوية الأمريكية 380، المكونة من عشرة أسراب طائرات إلى جانب طائرات مسيرة (درون).
المملكة العربية السعودية
يتمركز التواجد العسكري الأمريكي الدائم بالسعودية في قاعدة الأمير سلطان الجوية ومعسكر التدريب العسكري بقرية إسكان الذي يستضيف حوالي 3000 جندي.
الأردن
أصبح التواجد العسكري الأمريكي في الأردن رسميا منذ 2021، حيث يتواجد هناك حوالي 3200 جندي أمريكي تحت غطاء “مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية” و”مكافحة الإرهاب”. تستضيف قاعدة موفق السلطي الجوية في الأزرق الجناح الجوي الاستكشافي 332 التابع للقوات الجوية الأمريكية في القوات الجوية المركزية الأمريكية.
هل يعني هذا التفوّق العسكري هزيمة شعوب المنطقة؟
لئن خلفت التدخلات العسكرية والحروب التي شنتها الامبريالية الأمريكية دمارا واسعا في عديد البلدان هناك ونجحت إلى حدّ الآن في الحيلولة دون بروز قوى إقليمية تهدد مصالحها ومصالح عملائها في المنطقة وأمن صنيعتها الكيان الصهيوني، فإنه لا يمكننا التسليم بانتصارها الحاسم والنهائي. وهو ما بيّنته مؤخرا الحرب العدوانية ضدّ إيران، رغم حجم الخسائر التي تكبّدتها هذه الأخيرة، حيث بان بالكاشف هشاشة الدفاعات والتحصينات الإسرائيلية أمام الصواريخ الإيرانية وحيث أصبح توازن الرعب أقل اختلالا ممّا تروج له الدعاية الامبريالية والصهيونية، كما أنّ وصول الصواريخ الإيرانية إلى قاعدة العديد رأس حربة القواعد الأمريكية في المنطقة يجعل من تلك القواعد أهدافا افتراضية، وهو أمر واقع لم يعد ممكنا التغاضي عنه. كما يواصل اليمن من جانبه الانتصار للمقاومة معلنا تمرّده على أعتى قوى الدمار المتمركزة في المنطقة. هذا على مستوى واقع اليوم، أمّا إذا نظرنا إلى تاريخ المنطقة القريب فالنهايات عموما ما كانت في غير صالح القوى العسكرية الأمريكية التي أجبرت على الانسحاب من العراق في 2011 بعد أن تكبّدت خسائر بشرية ومادية كبيرة، ثمّ بعدها من أفغانستان في 2021.
صوت الشعب صوت الحقيقة
