بقلم عمار عمروسية
يشارف العدوان الهمجي على القطاع على طيّ عامه الثاني غير أنّ شهيّة التقتيل والتدمير لدى جيش الاحتلال ما زالت مفتوحة لمزيد إراقة دماء النساء والأطفال، فحكومة “نتنياهو” وضعت نفسها فوق القانون الإنساني وجميع هيئات ما يعرف بالمجتمع الدولي مستفيدة من وضع الإفلات من العقاب وكل أنواع المحاسبة التي تقف وراءها “أمريكا” وبعض الدول الغربية.
فبشاعة الجرائم المرتكبة وفظاعاتها المروّعة المنقولة بالصورة والصوت تقريبا على مدار الساعة، كما لم يحدث من قبل، أسهمت في تعزيز تيار عالمي متعاظم من جهة منتصر لشعب غزة وقضيته العادلة ومن جهة أخرى وإن بدرجات متفاوتة معادي لكيان الاحتلال الذي أضحى كثيرون، حتى من مسانديه التقليديين، لا يجدون حرجا في رفع أصواتهم عاليا ضدّ سياسات التوحّش مطالبين بالوقف الفوري للمجازر ومعاقبة منفذيها.
فكل المؤشرات تدفع إلى الاعتقاد بأن كيان الاحتلال قد منّي في حربه الأخيرة بخسائر كبيرة طالت الجوانب البشرية والاقتصادية وبالأخص مجال الوعي حيث تهاوت السردية الصهيونية القديمة القائمة على التمعّش من “الهولوكوست” والتقمّص الدائم لدور الضحية، وطفت إلى السطح حقائق مغايرة وضعت كيان الاحتلال في مكانه المستحق.
فهو مارق ومنبوذ لأنه وفق عديد الهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية قاتل أطفال مثل “داعش” و”بوكوحرام” وهو أقل من الدولة وأقرب إلى العصابات الإجرامية المسكونة بهوس العظمة والتفوّق الذي يقوده بخطى حثيثة نحو ارتكاب أسوا مجزرة في العصر الحديث، الأمر الذي جعل “فرانشيسكا البانيزي” المقررة الأممية الخاصة تتجرّأ على وصف ما يحدث بأنه “إبادة جماعية… وجريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان” ذهب ضحيتها أكثر من 63 ألف شهيدا بينهم 281 مدنيا من ضحايا لقمة العيش المغموس بالدم والإذلال و269 مواطنا نتيجة التجويع الممنهج.
لقد أصبحت صورة الجيش الصهيوني مقترنة بالمذابح والتدمير والهدم والاستيطان في الضفة وحكومة “نتنياهو” ضربت عرض الحائط بجميع القرارات الدولية وأحكام الهيئات القضائية العالمية مثل محكمة الجنايات أو المحكمة الدولية ممّا جعل قيادات صهيونية عالية في المجالين العسكري والسياسي مجبرة على مغادرة الصمت والتعبير عن آرائها النقدية الغاضبة مثلما هو الشأن بالنسبة لقائد الأركان ووزير الحرب سابقا “موشيه يعالون” الذي قال منذ ديسمبر 2024 “إسرائيل تنفذ تطهيرا عرقيا في القطاع… تهدم بيوت السكان وتهجّرهم لإقامة مستوطنات”.
لقد خسر الكيان معركة الوعي على النطاق العالمي فعمّت المظاهرات والاحتجاجات أهمّ شوارع عواصم العالم وأكبر جامعات الدول وبرزت أصوات حكومات أوروبية منادية بمعاقبة الكيان وتزايد عدد الدول من أمريكا اللاتينية التي أقدمت على قطع علاقاتها أو قلصتها إلى حدود دنيا مع دولة الاستيطان الفاشستية غير أن حكومة “نتنياهو” ما زالت متمسّكة بخيار القوة العسكرية الغاشمة لتحقيق أهداف هذه الحرب التي أضحت منذ أشهر حتى في عيون الكثير من الصهاينة عبارة عن ملهاة عبثية تديرها من ناحية الحسابات الشخصية لرئيس الحكومة الواقف أمام أبواب السجون نتيجة تتبّعات قضائية متعلقة بتهم رشاوى وفساد ومن ناحية أخرى منتوج تحالف أحزاب يمينية متطرفة.
فحكومة التقتيل وقفت ولا زالت سدّا منيعا أمام جميع محاولات تهدئة الأوضاع وعقد صفقات بالرغم من مرونة “حماس” وباقي فصائل المقاومة التي كثيرا ما تعاطت بروح إيجابية مع مقترحات الوسطاء رغم انحيازهم للكيان الذي لا يعرف سوى لغة القوة وتأكد للجميع بأن انخراطه من حين لآخر في المفاوضات ليس سوى ربحا للوقت وبحثا عن أوهام النصر المطلق.
لقد عبث رئيس الحكومة بجميع جولات التفاوض وأوصلها إلى طريق مسدود بدعم أمريكي مكشوف وأدخل جيشه في خطط عسكرية متلاحقة أفضت إلى مزيد إنهاك الأخير والحطّ من روحه المعنوية بالإضافة إلى تفاقم الخسائر في المعدات والأرواح. فمجرم الحرب “نتنياهو” يدير فصول الاستمرار في الحرب رغم إخفاقاته المتلاحقة نتيجة بسالة المقاومة وصمود حاضنتها الشعبية. فأقوى جيش بالمنطقة علق في وحل غزة باعتراف كبار العسكريين الصهاينة وهو حسب “غالنت” وزير الحرب السابق “يراوح مكانه ويسير نحو هزيمة استراتيجية كبيرة” ليس مستبعدا أن تكون “عربات جدعون 2” التي شرع جيش الاحتلال منذ يومين في تنفيذها حلقة أخرى من شأنها تعميق مآزق الكيان عالميا وداخليا بعد تنامي حراك دعاة وقف الحرب وعقد صفقة تحرير الأسرى.
إن جميع ما يرشح حول “عربات جدعون 2” ينذر بدخول حرب الإبادة الجماعية طورا جديدا أشدّ قسوة على المدنيين زيادة على الشروع الفعلي في خلق شروط التهجير القسري بعد احتلال مدينة غزة ودفع حوالي مليون من متساكنيها نحو جنوب القطاع ومن المفارقات العجيبة أن التصديق على هذه الخطة وبداية تنفيذها يتزامن مع ضخّ إعلامي عربي وغربي حول جولة مفاوضات جديدة بناء على ورقة الوسطاء لتي سارعت “حماس” وباقي الفصائل المقاومة على قبولها حقنا لدماء المدنيين ومحاولة لتجنيبهم مآسي التجويع والتعطيش والتهجير بالتوازي مع ذلك مازال “نتنياهو” ومجلس حربه ملازما الصمت القريب من الرفض تحت دعاوي القبول فقط برفض الصفقة الجزئية التي كان طوال الوقت الماضي ينادي بها.
يقتل “نتنياهو” الأبرياء والوقت معا بمشاركة أمريكية غير مشروطة ويوغل في الدم الفلسطيني بحثا عن تحقيق منجزات كبيرة يبدو أنها لم تعد في متناول جيشه المنهك بحرب استنزاف بطولية تديرها فصائل المقاومة التي أثبتت الوقائع الميدانية قدراتها الكبيرة على سرعة التأقلم مع الأوضاع الناشئة مع حسن استخلاص الدروس من منازلاتها مع عدو تنقذه ترسانة أسلحته الفتاكة و تعوزه إرادة القتال.
صوت الشعب صوت الحقيقة
