الرئيسية / عربي / هل عاد شبح الحرب الأهلية ليخيّم على لبنان من جديد؟
هل عاد شبح الحرب الأهلية ليخيّم على لبنان من جديد؟

هل عاد شبح الحرب الأهلية ليخيّم على لبنان من جديد؟

بقلم حبيب الزموري

تحاول الإمبريالية الأمريكية منذ مدة بمعاضدة عملائها في المنطقة استكمال المهام التي لم يتمكن الكيان الصهيوني من تحقيقها على الساحة اللبنانية وعلى رأسها تفكيك المنظومة العسكرية للمقاومة وتجريدها من السلاح، ولئن كانت قضية سلاح المقاومة وخاصة حزب الله تطفو على السطح عند كل أزمة سياسية سياسية فإن طرحها هذه المرة يختلف من حيث الظرفية الداخلية والخارجية التي تحيط بلبنان وبحزب الله حيث طرحت المبعوثة الأمريكية مورغان أورتاغوس، خلال زيارتها إلى لبنان في فيفري 2025، هذه القضية قائلة إنّه “يجب نزع سلاح حزب الله في أقرب وقت ممكن من خلال الجيش اللبناني”. وعقدت أثناء زيارتها التي استمرت ثلاثة أيام عددًا من اللقاءات، من بينها لقاءات مع رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وبعد لقاءاتها مع السياسيين اللبنانيين، قالت “إن إسرائيل لن تقبل بإطلاق الإرهابيين النار عليها داخل أراضيها”. أثارت تصريحات أورتاغوس جدلًا في الساحة اللبنانية وأعطت إشارة الانطلاق لنقاش واسع النطاق حول قضية نزع السلاح غير القانوني في البلاد ولا سيّما سلاح حزب الله.

وبعد انتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية في جانفي 2025، ألقى خطابًا أمام مجلس النواب اللبناني، أشار فيه إلى عدة التزامات مستقبلية له. وكانت من بين القضايا التي تناولها الرئيس في خطاب القسم قضية احتكار السلاح بيد الدولة، حيث قال إن من المهمّ وجود السلاح بيد الجيش اللبناني فقط. وفي مقابلة له لصحيفة العربي الجديد في أفريل 2025، قال عون إنه يريد أن يكون عام 2025 عام احتكار السلاح بيد الدولة، وأضاف أنه عندما يتخلى حزب الله عن سلاحه، سيمكّن أعضائه من الالتحاق بالجيش اللبناني. وخلال لقائه مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قال عون إنه مثلما التزم في خطاب القسم، فإنه بالفعل يعتزم تنفيذ قرار حصر السلاح قريبًا.

وعندما مثلت حكومة نواف سلام بيانها الوزاري أمام مجلس النواب، أكدت أنّها تلتزم بتنفيذ ما قاله الرئيس عون في خطاب القسم عن احتكار السلاح بيد الدولة. كما أشار رئيس الوزراء نواف سلام إلى موقف الدولة بشأن حل الميلشييات ونزع السلاح، وقال في مقابلة له لصحيفة “واشنطن بوست” في أفريل 2025 إن الدولة تصمّم على حصر السلاح بيد الشرعية في شمال نهر الليطاني وجنوبه، وهو ما يتماشى مع ما قاله الرئيس في هذا الموضوع.

وفي 19 جوان 2025 زار مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبنان حاملاً خريطة طريق أمريكية مفصلة من 6 صفحات لطرحها على المسؤولين اللبنانيين. سمّيت الخريطة بـ “ورقة براك” وتضمنّت مطالب واضحة بنزع سلاح حزب الله والفصائل المسلحة كافة في لبنان بشكل كامل قبل نهاية 2025. في المقابل، تعِد الخطة الأمريكية بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق اللبنانية المحتلة المتبقية ووقف الضربات الإسرائيلية على لبنان. إضافة لذلك، سيفتح تنفيذ نزع السلاح باب الدعم المالي الدولي لإعادة إعمار مناطق في لبنان دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وهو دعم تقول واشنطن إنها لن تقدمه في ظلّ احتفاظ حزب الله بالسلاح. شملت ورقة براك أيضاً عناصر أوسع لترتيب أوضاع لبنان الإقليمية والداخلية، منها تسريع إصلاحات مالية واقتصادية، ومراقبة الحدود والمعابر لضبط التهريب. ولضمان تنفيذ الاتفاق المقترح، وعرضت الخطة إنشاء آلية بإشراف الأمم المتحدة لتأمين إطلاق سراح معتقلين لبنانيين لدى إسرائيل بالتوازي مع تقدّم خطوات نزع السلاح. واشترطت واشنطن أيضاً إصدار الحكومة اللبنانية قراراً بالإجماع يلتزم بنزع السلاح كمكوّن أساسي في أي اتفاق نهائي.

أمهل المبعوث الأمريكي القادة اللبنانيين حتى غرّة جويلية 2025 للردّ رسمياً على هذه المقترحات، وصرّح بأنه سيعود إلى بيروت للاستماع إلى ملاحظاتهم، إن أكثر ما يلفت الانتباه في الورقة هو تزامنها مع اشتراط واشنطن صدور قرار رسمي لبناني يلتزم علناً بتطبيقها. هذا الربط بين الالتزام السياسي والمساعدات العسكرية والاقتصادية، جعل الدولة اللبنانية أمام معادلة دقيقة. وفيما التزم حزب الله الصمت العلني حيال المقترح فإنه أعلن على لسان أمينه العام نعيم القاسم في خطاب متلفز قبيل ساعات من نهاية المهلة التي حددها المبعوث الأمريكي: “حق الحزب واللبنانيين في قول “لا” لأمريكا و”لا” لإسرائيل. واتهم القاسم واشنطن وإسرائيل بمحاولة استغلال الظرف الراهن لفرض واقع جديد في لبنان والمنطقة يخدم مصالحهما، داعياً جميع اللبنانيين إلى عدم مساعدة أمريكا وإسرائيل في تنفيذ مخططاتهما”.

وفي اجتماعها يومي 5 و7 جويلية تبنت الحكومة اللبنانية الورقة الأمريكية مدخلة عليها بعض التعديلات الشكلية المتمثلة أساسا في الأمن مقابل السلاح – أي لا نزع لسلاح حزب الله قبل ضمان الانسحاب الكامل ووقف النار – في حين تعارض “إسرائيل” أيّ ربط مسبق بين التزامها وقيام حزب الله بخطوات أولاً. ووفق تقارير صحافية، فإن الولايات المتحدة نقلت إلى بيروت رفض “إسرائيل” طرح “الانسحاب أولاً”، ما وضع واشنطن في موقف الضغط لتليين الموقف اللبناني الداخلي. بالتزامن، واصلت إسرائيل قصفها اليومي ما أبقى التوتر مرتفعاً وزاد الشكوك في نواياها حيث رصدت الحكومة اللبنانية منذ تطبيق قرار وقف إطلاق النار أكثر من 3000 خرق صهيوني للاتفاق أودى بحياة 230 شخصا أغلبهم من المدنيين كما يصرّ جيش الاحتلال على إبقاء تمركزه في خمس نقاط على الأراضي اللبنانية لدواعي أمنية حسب تصريحات قادته محتفظا لنفسه حسب نفس التصريحات بحق شن غارات والتدخل العسكري كلما رأى ضرورة لذلك.

إن هذه الضغوطات التي تمارس يوميا على الدولة اللبنانية ما كان لها لتستمر وتتنامى لولا هشاشة النظام السياسي الطائفي وتفكك النسيج الاجتماعي بسبب حرص البورجوازية اللبنانية على إعادة إنتاج العلاقات الطائفية داخل دواليب الدولة لرعاية مصالحها وتجديد هيمنتها الطبقية ومصالح هذه الطبقة مرتبطة بالرأسمالية العالمية بقيادة الامبريالية الأمريكية التي حوّلت السياسة الدولية إلى صفقات بيع وشراء لا مكان فيها لقيم التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها، لا تخفي الإمبريالية الأمريكية تحت قيادة ترامب نيّتها في تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى بازار كبير كل شيء فيه قابل للاستثمار بما في ذلك المعتقدات والمشاعر والحقوق والإنسان.. ولنجاح هذا المشروع الاستثماري الضخم لا بدّ من إزالة بعض العقبات التي تنتمي إلى شرق أوسط قديم لم يعد يستجيب لحاجيات وطموحات القوى الامبريالية على غرار القضية الفلسطينية وحركات مقاومة الاحتلال الصهيوني والقوى المناهضة للتطبيع معه، في هذا السياق بالذات يتنزل الحصار الذي يتعرض له حزب الله وكافة قوى المقاومة في المنطقة فتجريد حزب الله من سلاحه جزء لا يتجزأ من إجهاض تيار المقاومة وتصعيد تيار التطبيع والتفريط في الحقوق الفلسطينية والعربية المنتهكة من قبل الصهيونية والامبريالية ووكلائها الرجعيين.

فها هو التاريخ يعيد نفسه في شكل مأساة ساخرة فمن ذبح الفلسطينيين واللبنانيين في تل الزعتر وفي صبرا وشاتيلا يرقص طربا اليوم بالقرارات التي تتخذها الدولة الطائفية لتجريد الشعب اللبناني من سلاح الردع الوحيد الذي يحول دون تنزّه الدبابات الصهيونية في شوارع بيروت مرة أخرى وليس من باب الصدفة أيضا أن يكون أول من سلم سلاحه من الفصائل هي حركة فتح التي انحرف بها التيار الانتهازي التفريطي في تبنّي واضح من السلطة الفلسطينية العميلة لخيار تصفية المقاومة.

كل الظروف الموضوعية مهيّأة في لبنان لاشتعال فتيل حرب أهلية جديدة ولكن ما يمنع اندلاعها هو وعي كافة الأطراف بحجم الدمار والخسائر التي ستتكبدها ولكن خاصة خشية هذه الأطراف من الدروس التي يمكن أن يستخلصها اللبنانيون بسرعة والتي يمكن أن تقودهم إلى الإطاحة بالنظام الطائفي برمّته لفائدة بديل ديموقراطي، علماني، وطني، شعبي.

إلى الأعلى
×