الرئيسية / الافتتاحية / غزة تجوع… غزة تُباد… وحكام العرب يتواطؤون بنذالة
غزة تجوع… غزة تُباد… وحكام العرب يتواطؤون بنذالة

غزة تجوع… غزة تُباد… وحكام العرب يتواطؤون بنذالة

23 شهرا من حرب الإبادة الوحشيّة التي طالت كل ملامح الحياة في غزّة الشّهيدة، بشرا وحجرا وشجرا. حرب إبادة قذرة استعمل فيها الكيان النازي كلّ أساليب التّدمير التي عمل الفكر الإنساني،ّ الذي اكتوى بنار الحروب الوحشية، على ضبط قواعد وقوانين بشأنها تحفظ الأدنى من كرامة البشر حتّى أثناء المواجهات المسلّحة. لقد تفصّى كيان الاحتلال، بغطاء من سيّده الامبريالي الأمريكي المشارك بل المشرف مباشرة على الجريمة، من كل هذه القوانين والأعراف في تحدّ سافر للضّمير البشريّ. حطّم كل جدار في القطاع وضرب كل شروط البقاء مثل محطّات تحلية المياه وتوزيعها ومولّدات الكهرباء ودمّر المشافي وأخرج أغلبها عن الخدمة. ولم يكتف العدوّ بذلك فاتّجه إلى أفظع ما يمكن استعماله من أسلحة ضدّ الإنسان وهو سلاح التجويع الذي وصل اليوم الدرجة الخامسة حسب الأمم المتحدة، وهذه الدرجة المتقدّمة تعني أنّ البشر أضحى عاجزا عن الوقوف والمشي جرّاء التّجويع المتعمّد. وهو أمر شاهده العالم على الهواء مباشرة، رجال ونساء وأطفال يسقطون موتى وهم في طوابير الحصول على ماء ملوّث في الغالب يمكن أن يؤجّل الموت إلى حين لا غير. يضاف إلى ذلك كلّه رصاص الغدر الذي يحصد يوميّا أجساما منهكة بالجوع والعطش وهي تحاول تلقّف “مساعدة” مسمومة من “الكوبوي” الأمريكي.

لقد وصل الوضع الإنساني في غزّة إلى درجة مفزعة من الوحشيّة. لكن ما كان لهذا الوضع أن يبلغ هذه الدرجة من الوحشيّة دون المشاركة العضويّة والوظيفية للنظام الرسمي العربي الذي يتواطؤ ويتآمر بل إنّ بعضه يتحمّس أحيانا أكثر من الصهيوني والامبريالي الأمريكي لمزيد تدمير غزة وتشريد الفلسطينيين والقضاء على المقاومة. لقد أفادت عديد التسريبات المتطابقة إصرار نظام الإمارات والسّعودية مثلا على مزيد ضرب غزة حتى يتمّ سحق المقاومة التي ما انفكّت تقضّ مضاجع الخونة كما تقضّ مضاجع الصهاينة والامبرياليين بصمودها الأسطوري وعملياتها النوعية في وقت ظنّ فيه كلّ الأوغاد أنّها انكسرت. إنّ الأنظمة العربيّة لم يبلغ موقفها حتى مستوى موقف بعض الحكومات الأوروبية المساندة تقليديا وعمليّا للكيان والتي جمّدت بعض الاتفاقيات معه خاصة تلك التي تهمّ التسليح. إنّ حكام العار، من العرب والمسلمين، لم يجرؤ أيّ منهم على إلغاء اتفاقيات التطبيع مع الكيان وقطع العلاقات الدبلوماسية والأمنيّة والتجارية معه أو استعمال البترول سلاحا للضغط على القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الخ… وحتى من يرفع شعارات “مناصرة القضية” كما هو الحال عندنا في تونس فهو يرفض تجريم التّطبيع كما يرفض إلغاء الاتفاقيات العسكرية والأمنية المهينة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لقد بلغت هذه الأنظمة حدّا من العجز أفقدها حتى القدرة على إصدار “بيانات الإدانة والشجب” لا في علاقة بغزة وفلسطين فحسب بل حتى في علاقة بالتهديد الصهيوني – الامبريالي الأمريكي المفضوح لها. ولا أدلّ على ما نقول من حالة الموت السّريري لجامعة الدّول العربيّة التي تتعامل مع ما يجري في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والسودان كأنه يجري في كوكب آخر.

إنّ ما نريد تأكيده هو أنّ ما يجري اليوم في غزة وفلسطين وفي كامل المنطقة إنّما يكشف بشكل فاضح وقوف الأنظمة العربية في الصفّ المعادي لحركة التحرّر الوطني العربيّة من الاستعمار والصهيونية والهيمنة الأجنبية عامّة. فهذه الأنظمة رغم اختلاف درجاتها في التورّط مع الأعداء تمثّل جزءا لا يتجزّأ من أعداء شعوبنا بل هي طرف مرتبط عضويّا، طبقيّا وسياسيا واستراتيجيا، بهؤلاء الأعداء من نظام امبريالي استعماري وكيان صهيوني غاصب. إنّ هذه الانظمة تدرك جيّدا أنّ مصلحتها لا هي مع شعوبها ولا هي مع المقاومة الفلسطينية بل ضدّها. إنّ أيّ انتصار تحقّقه المقاومة في فلسطين أو يحققه النضال في أيّ قطر من الأقطار في المنطقة يمثل ضربة موجعة لها ككيانات وظيفيّة، عميلة وخائنة، يرتبط وجودها باستمرار وجود العدو في المنطقة. وهو ما يفسّر استمرار علاقات أنظمة التطبيع بالكيان ومدّه بما يلزم للقضاء على المقاومة. كما يفسر تدخل السعودية والإمارات وقطر لأجل فرض افتكاك سلاح المقاومة في لبنان ولو أدّى ذلك إلى حرب أهلية في بلد منهك ومحاصر وعرضة يوميّا للعدوان من قبل الاحتلال الصهيوني. وهي ذات الأنظمة التي تغذّي الحرب الأهلية الرّجعية في السّودان ممّا شرّد شعبه وجوّعه وأعاده نصف قرن إلى الوراء. وهي التي تحاصر اليمن الأبي وتنخرط في العدوان على إيران وتفرض بمعيّة “العثماني الفاشي” أردوغان تقسيم ليبيا وتتآمر على الجزائر وتحاول محاصرتها من خلال دعم نظام المخزن الرجعي المطبّع في المغرب. وهي أخيرا وليس آخرا التي تهدي تريلونات الدولارات بسخاء لا حدّ له لمعتوه البيت الأبيض الفاشي العنصري دونالد ترامب.

إنّ أنظمة العار والخيانة تتحمل كامل المسؤولية على ما يجري في غزّة، وفي الضفّة التي يتصاعد فيها الاستيطان وهو ما يجعل منها عدوّا للشعب الفلسطيني ولشعوبنا قاطبة لا يمكن التحرر من الوجود الصهيوني الامبريالي إلّا بالتحرّر منها هي أيضا. لكن مسؤولية أنظمة العار فيما يحصل اليوم لا يعفي شعوبنا وقواها الحيّة من أيّة مسؤوليّة. فهذه الأنظمة ما كان لها أن تتصرّف بهذه الطريقة الخرقاء الموغلة في العمالة والخيانة والنّذالة لو لم تجد أمامها في الغالب شعوبا خانعة وسلبيّة تتفرّج على المذابح في فلسطين ولبنان واليمن ولا تتحرّ ك بما تقتضيه الحال بل لا تتحرّك حتى بالمستوى التي تتحرّك به. وكمثال ساطع على ذلك هل كان للنظام المصري أن يتصرّف وأن يسلك هذا السّلوك الخائن والذليل تجاه مأساة غزّة لو تحرّك شعب مصر وقواه الحية، شعب الـ120 مليون نسمة؟ إنّ مائة ألف فقط حتى لا نقول مليونا، قادرة على اقتحام معبر رفح ورفع الحصار عن غزّة وإدخال الغذاء والدواء لها. ما من شكّ في أنّ شعوبنا منهكة بمشاكلها الدّاخلية ومضروبة على يديها بأنظمة استبداديّة، فاشيّة لا تفكّر إلّا في عروشها. لكنّ ذلك لا يفسّر كلّ شيء بل يطرح رأسا مسؤولية القوى الثورية والوطنية والتقدمية المطالبة بالعمل بلا هوادة من أجل فهم هذا الواقع ورسم سبل تجاوزه فكريا وسياسيا وميدانيا ولها في صمود المقاومة الأسطوري في غزّة درس يؤكّد أنّه حالما اجتمع الوعي بالفعل والإرادة فإن الشعوب لا تقهر مهما كانت قوة العدو ووحشيته ومهما كانت صعوبة الظرف واختلال موازين القوى الصّارخ.

إلى الأعلى
×