الصحافيون التونسيون في قلب المعركة، والصحافة الحرة تنتصر للحقيقة ولغزة والفلسطينيين
كتب سمير جراي
في شهر أفريل الماضي وفي خطوة بدت متأخرة بعد المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني في حق الفلسطينيين، واغتياله مئات الصحافيين وعائلاتهم، واعتماده سياسة الإبادة الشاملة، وقّعت مؤسسات صحفية فرنسية ودولية رسالة تدين سياسة الكيان المجرم في قتل الصحفيين.
المؤسسات والصحافيون الموقعون أكدوا حينها أن جميع الزملاء الذين اغتالتهم آلة القتل كانوا يرتدون خوذات وسترات واقية من الرصاص، تحمل شعار “صحافة“، مما يشير بوضوح إلى أنهم إعلاميون محترفون.
صرخ الصحافيون الفرنسيون في وجه الكيان المجرم: “مذبحة لم نشهد لها مثيلا“.. ونددوا مع مؤسساتهم التي من بينها قنوات فرنسية عرفت بخطها التحريري المنحاز للكيان مثل (آل سي اي) و (لوفيقارو) بقتل شهود الحقيقة ومنع الصحفيين من دخول القطاع لنقل الحقائق كاملة، لا كما يرويها المحتل الصهيوني، وقال الصحافيون في رسالتهم “باعتبارنا صحفيين ملتزمين بشدة بحرية الإعلام، من واجبنا أن ندين هذه السياسة، وأن نظهر تضامننا مع زملائنا الفلسطينيين“، مضيفين “نحن لا نطلب هذا لأننا نعتقد أن التغطية الإعلامية لأحداث غزة لن تكون مكتملة بدون الصحفيين الغربيين، بل لأن هدفنا هو نقل الحقيقة وحماية زملائنا الفلسطينيين الذين أظهروا شجاعة لا تصدق، من خلال إرسال صور وشهادات تعبر عن المأساة غير القابلة للقياس.”
قبلها وفي أكتوبر سنة 2023 وقع أكثر من 750 صحفيا ينتمون إلى مؤسسات إعلامية دولية عريضة تدين استهداف الصحفيين الفلسطينيين في غزة وقتلهم على يد الجيش الصهـ يوني، وانتقدت العريضة بشدة تغطية الإعلام الغربي للجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، اعتبرت العريضة حينها إن غرف الأخبار مسؤولة عن الخطاب اللاإنساني الذي يبرر التطهير العرقي للفلسطينيين، وإن المعايير المزدوجة وعدم الدقة والمغالطات تكثر في الصحف والنشريات والمجلات والمواقع الأمريكية.
دعت عريضة الـ750 إلى حماية الصحفيين الذين ينقلون الأخبار من غزة مع منع الكيان دخول الصحافة الأجنبية، وبيّنت العريضة أنه بالنظر إلى نمط الاستهداف المميت للصحفيين المستمر منذ عقود، تظهر تصرفات “الكيان” قمعا واسع النطاق لعمل الصحافيين.
وقبل هذا كله وفي سنة 2021 وقّع أكثر من 500 صحفي من عدة دول رسالة مفتوحة توضح المخاوف من تجاهل وسائل الإعلام الأمريكية للقمع الصهـ يوني للفلسطينيين، إلا أن الدعوات إلى تغطية عادلة لم تجد آذانا صاغية من قبل المسؤولين على هذه المؤسسات.
واليوم ومع فشل كل هذه الجهود والحملات الدولية في إيقاف جرائم الكيان في حق الصحافيين الفلسطينيين، تأتي حملة “الإثنين” الأول من سبتمبر 2025 غير المسبوقة في تاريخ الصحافة، لتؤكد التضامن العالمي مع صحافيي فلسطين عامة، وغزة خاصة، لما يتعرضون له من إبادة هم وعائلاتهم.
أكثر من 250 وسيلة إعلامية من أكثر من 70 بلدا تنخرط في الحملة
وتشارك أكثر من 250 وسيلة إعلامية من أكثر من 70 بلدا في هذه الحملة للتنديد بقتل جيش الاحتلال عددا كبيرا من الصحافيين في غزة، بمبادرة من منظمتي “مراسلون بلا حدود” و“آفاز” وبقيادة الاتحاد الدولي للصحفيين.
عنونت أغلب هذه المؤسسات صفحاتها الأولى ومواقعها وواجهاتها الإلكترونية بجملة معبّرة: “بالمعدل الذي يقتل فيه جيش الاحتلال الصحافيين في غزة، لن يبقى قريبا أحد لينقل ما يحدث“، وهي رسالة عُرضت على خلفية سوداء لصحف ومواقع وواجهات رقمية لإذاعات تونسية منها “صوت الشعب” التي انضمت للحملة، وعلى الصفحات الأولى لصحف مثل لومانيتيه الفرنسية، وبوبليكو البرتغالية، ولا ليبر في بلجيكا ومؤسسات دولية أخرى.
أحصت منظمة مراسلون بلا حدود مقتل أكثر من 210 صحافيين منذ بدء الإبادة في غزة، وأكدت المنظمة في بيان لها تنديد هذه المنظمات وهيئات التحرير بالجرائم التي يرتكبها الكيان ضد الصحافيين الفلسطينيين دون عقاب، داعية إلى حمايتهم وإجلائهم على نحو عاجل، وطالبت بالسماح بدخول الصحافة الدولية إلى القطاع باستقلالية.
النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي انظمت إلى هذه الحملة ودعت الصحافيات والصحافيين ووسائل الإعلام التونسية إلى الانخراط فيها، قالت إنها تتابع سياق تصاعد الجرائم المرتكبة ضد الصحافة الفلسطينية، وخصوصا في قطاع غزة، حيث ارتكب الكيان الصهيوني المؤقت انتهاكات ممنهجة ومروّعة، بكثير من الألم والغضب، وبإحساس عميق بالمسؤولية المهنية والإنسانية.
وأوضحت النقابة أن الحملة الإعلامية العالمية تمثل أوسع تحرك إعلامي دولي موحّد في تاريخ الصحافة العالمية، للمطالبة بوقف استهداف الصحفيين الفلسطينيين، وفتح المجال للصحافة الدولية المستقلة لدخول غزة.
وذكرت النقابة بأن ما يحدث في غزة لا يندرج فقط ضمن إطار الهجمة الصهيونية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة والباسلة، بل يشكّل اعتداء ممنهجا على الصحافة الحرة وعلى الحق في الوصول إلى المعلومات، كما أن استهداف الصحفيين وقتلهم وهم يمارسون عملهم تحت شارات واضحة ومعدات إعلامية ظاهرة، يُعد جريمة حرب موثّقة بموجب القانون الدولي الإنساني.
وأكدت أن السكوت على هذه الجرائم يُعد تواطؤا ضمنيا، وأن واجب التضامن لا يسقط مهما كانت الاعتبارات السياسية أو التوازنات الدولية، كما أن التضامن بين الصحفيين في العالم ليس مجرد موقف رمزي بل هو جزء من المعركة من أجل حرية التعبير وكرامة المهنة، ومن أجل حماية مستقبل الصحافة كأداة لكشف الحقيقة ومساءلة السلطات، كما شددت على أن ما يُمارس على الصحفيين في غزة هو رسالة ترهيب موجهة إلى كل الصحفيين في العالم. ومن هنا، فإنّ الدفاع عن زملائنا في غزة هو دفاع عن كلّ صحفي وصحفية يطمح إلى أداء واجبه بحرية واستقلالية.
الصحافة التونسية في قلب الحملة الدولية نصرة للصحفيين الفلسطينيين
أكدت نقابة الصحافيين أنه منذ اللحظات الأولى لانطلاق الحملة الإعلامية الدولية لنصرة الصحافة الفلسطينية، انخرطت فيها عدة وسائل إعلام وهياكل مهنية تونسية بشكل بارز وشجاع، متوجهة بتحية اعتزاز وفخر إلى كافّة وسائل الإعلام التونسية التي لبّت نداء الضمير وانخرطت في معركة الشرف دفاعًا عن الصحفيين الفلسطينيين. وأشارت إلى أن انخراط الإعلام التونسي في هذه المبادرة ليس سوى امتدادا طبيعيا لموقف تونس التاريخي والراسخ في نصرة القضية الفلسطينية. واعتبرت أن التضامن الصحفي اليوم ليس مجرّد واجب مهني أو أخلاقي، بل هو سلاح مقاومة في وجه آلة الإرهاب الصهيوني التي تحاول إسكات صوت غزة وكسر أقلام أحرارها.
لقد أثبت الإعلام التونسي مرّة أخرى أنّه في قلب المعركة وأنّ قضية فلسطين هي قضية حرية وكرامة لكل أحرار العالم، ومن هنا نُجدّد العهد على مواصلة الطريق حتى ينتصر صوت الحقيقة على رصاص الاحتلال.
هذه الهبّة من الصحافيات والصحافيين التونسيين الأحرار تؤكد أن الشاذ لا يقاس عليه، ونقصد هنا ما أقدمت عليه منذ أيام الصحافية التونسية في قناة “العربية” ريم بوقمرة التي انتقلت إلى عمق فلسطين المحتلة لتحاور وزير صهيوني مسؤول على أعمال إجرامية كثيرة في حق الفلسطينيين، وإن لا يسعنا هنا أن نعود بالحديث إلى تفاصيل هذه المقابلة القبيحة والحوار التعيس الذي قامت به بوقمرة والذي أثار سخطا واسعا لدى التونسيات والتونسيين وأثار غضبهم، ووصلت حملة التنديد به إلى حد المطالبة بسحب الجنسية التونسية منها، فيمكننا أن نذكّر أيضا بمواقف بطولية لصحافيات وصحافيين تونسيين اختاروا ضميرهم وإنسانيتهم، وانتصروا للحق وللمهنة على حساب مواطن شغلهم وعلى رأسهم الصحافي بسام بونني الذي استقال من قناة “بي بي سي” لما يحتمه عليه الضمير المهني كما قال، بسبب انحياز القناة إلى الرواية الصهيونية في تغطياتها لحرب الإبادة على غزة، وكذلك استقالت الصحافية جيهان نصري من العمل كمتعاونة مع موقع قناة “الحدث” من تونس، بعد أن أطلقت القناة على المقاومة الفلسطينية صفة “الإرهابيين” واحتجاجا على الخطاب الذي وصفته بالتحريضي ضد المقاومة الفلسطينية.
كما أعلنت الصحافيتان التونسيتان أماني الوسلاتي وأشواق حنشي سنة 2023 استقالتهما من قناة CANAL + الفرنسية دفاعا عن القضية الفلسطينية بعد انحياز الخط التحريري للقناة إلى الكيان الإجرامي.
وبالعودة إلى الحملة الدولية الإعلامية الدولية لنصرة الصحافيين الفلسطينيين، تقول الصحافية وعضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين جيهان الواتي: “في زمن تُسفك فيه دماء الحقيقة وتُكمَّم فيه أفواه الصحفيين والصحفيات تُطل علينا الحملة الدولية للتضامن مع الصحافة الفلسطينية كشعلة نور في ظلام الظلم والقمع.”
وتضيف “هذه الحملة ليست مجرد صوت يُدوّي بل هي سيفٌ يشقّ ستار الصمت ليكشف جرائم الكيان الصهيوني بحق أهلنا في فلسطين وبحق الصحفيين الذين يدفعون أرواحهم ثمناً لنقل الحقيقة.” وتبيّن اللواتي: “رغم تخاذل بعض المؤسسات الإعلامية التي انحنت أمام ضغوط السلطة والمال فإن أغلب الزملاء والزميلات الصحفيين بقلوب نابضة بالكرامة، وقفوا كالبنيان المرصوص يدعمون هذه الحملة بشكل فردي رافعين شعلة الحق في وجه الطغيان، إنهم صوت الضمير الإنساني وهم الذين يثبتون أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي ميثاق دم وكرامة، عهدٌ على قول الحق مهما كانت التضحيات.”
ونقول نحن من منبرنا هذا مرة أخرى: عاشت الصحافة الحرة نصيرة الصحافيين الفلسطينيين، وداعمة للقضية الفلسطينية، وكل قضايا التحرر في العالم.
صوت الشعب صوت الحقيقة
