لازال الكيان الصهيوني يواصل جرائمه في تحدّ غير مسبوق لكل القوانين والأعراف والهيئات الدّوليّة. فجرائم الإبادة في غزة والضفة والقدس مستمرّة بطريقة بشعة.كما أنّ يده لا تزال طليقة في سوريا ولبنان واليمن، يعتدي متى شاء وكيفما شاء وبأي طريقة شاء. ولم يكتف الكيان النّازي بذلك بل توجهت صواريخه هذا الأسبوع لتضرب في “أرض حليفة” هي أرض قطر التي كان أغلبيّة المراقبين يستبعدون أن تكون في يوم من الأيام موضوع استهداف من الكيان الصهيوني وهي المحمية الأمريكية التي تتربع على نصف أرضها قاعدة العيديد، أكبر قاعدة عسكرية جوية أمريكية في الخارج، علاوة على ارتباطها المتين مع حكام كيان الاحتلال. لكن مع ذلك لم يتورّع ناتنياهو عن توجيه صواىيخه إلى حي سكني في الدوحة أين كان وفد حركة حماس المفاوض بصدد مناقشة آخر مقترحات ترامب حول الوضع في غزّة وهي مقترحات اتضح أنّها مجرّد طعم ابتدعه مجرم البيت الأبيض بالاتفاق مع نتنياهو لجلب قادة حماس وتجميعهم في مكان واحد لتسهيل القضاء عليهم. ومن المعلوم أنّ لا الرادارات ولا وسائل الإنذار ولا الطائرات الرابضة بقاعدة العيديد تحرّكت أو حتّى أعلمت حكّام قطر بالهجوم وهي القادرة على رصد حركة “ذبابة” كما يقال ممّا يؤكّد أنّ العدوان مخطّط له من الجهتين.
إن الضربة الموجهة الى أرض قطر تؤكد للمرّة الألف تفصّي كيان الاحتلال من أي ضوابط قانونيّة أو أخلاقيّة وهو ما عبر عنه بكل صلف قادته وعلى رأسهم نتنياهو الذي اعتبر العدوان “فرصة ثمينة طالما أن الهدف ثمين” قاصدا بذلك قادة حماس. وقد أضاف أن عصابته النازية ستظل تلاحق القادة الفلسطينيين في أي بلد كانوا. وهو ما عبّر عنه بنفس الصّلف ممثل الكيان في مجلس الأمن الدولي وفي أروقة الأمم المتحدة ذاتها إذ أكّد أنّ “إسرائيل” لا تعترف لا بحدود ولا بسيادة دول في ملاحقتها لمن تعتبرهم “إرهابيّين” مكرّرا أنّ ما حصل في قطر لن يكون الفعلة الأخيرة التي يفعلها هذا الكيان الغاصب. وبطبيعة الحال ما كان للقادة الصهاينة أن يعربدوا بهذا الشّكل لو لا ما توفّره لهم واشنطن من حماية مطلقة تجعلهم فوق أي محاسبة أو أي مساءلة باعتبارهم أداتها المتقدمة في المنطقة التي تحمي بها مصالحها بل باعتبارهم العصى التي تضرب بها كل من يهدّد تلك المصالح.
ولكن الضربة الأخيرة لم تحمل رسالة إلى قطر فحسب بل إنّها تحمل أيضا رسالة إلى بقيّة دول المنطقة وهي أن إرادة كيان الاحتلال فوق كل إرادة وأنّ الخضوع له يجب أن يكون كاملا وبلا شروط. ولئن فهمت ضرباته لسوريا ولبنان في إطار تأمين الحدود من أي منغّص رغم رضوخ نظامي دمشق وبيروت، والضربات إلى اليمن لإسكات أي جبهة لإسناد غزّة، فإن ضرب قطر لا معنى له سوى أن دويلات الخليج ليست خارج مخطّط إعادة صياغة المنطقة الذي يشتغل عليه كيان الاحتلال، بإشراف أمريكي، ويخلق له كل شروط تنفيذه استغلالا لما يسمّيه حكّامه “الفرصة التاريخية”. لقد فهمت “دول مجلس التعاون الخليجي” الرسالة وزادت، مثلها مثل غالبيّة أنظمة العمالة والخيانة في المنطقة، في دك رأسها في الرّمل وهي التي ما انفكت تسند كيان الاحتلال وتمول أجزاء من عدوانه على الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وعلى بعض بلدان المنطقة وتقدّم الأموال الطائلة للطاغية الأمريكي وتقوم ببعض الأعمال بالوكالة عنه في اليمن والسودان وليبيا وسوريا ولبنان وغيرها دون أن يشفع لها كل ذلك حين تقتضي المصالح “ذبح” إحداها وتمريغ أنف حكامها في التراب. وبعبارة أخرى فإن بلدان الخليج، وهو ما بيّناه في أكثر من مناسبة في صفحات هذه الجريدة، ليست خارج مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلى إعادة ترتيب المنطقة وتفتيتها على أسس طائفية لتأبيد السيطرة عليها في ظرف يشتد فيه صراع كبريات القوى الامبريالية بما فيها الصين وروسيا حول إعادة اقتسام مناطق النقوذ في المنطقة والعالم.
إن ما جرى ويجري في منطقتنا يؤكد مرة أخرى عجز الأنظمة القائمة و فشلها حتّى في الدفاع عن جلدها ممّا يجعلها فريسة سهلة للكيان الصهيوني والامبريالي الأمريكي الغربي وكل من هبّ ودبّ من قوى الهيمنة والعدوان وهي ليست فالحة إلّا في قمع شعوبها وفي التناحر فيما بينها وفي الهرولة لتقديم الخدمات لكلّ ظالم معتدٍ. وهو ما يجعل منها عبءً على شعوبنا وجب التخلص منه. إن شعوبنا لن ترى لمهانتها نهاية إلا بالخلاص من هذه الزائدة المسمّاة النظام الرسمي العربي بكافة مكوناته من المحيط إلى الخليج. فنحن أمام أنظمة وظيفية وتابعة وريعية لا هدف لها سوى حماية مصالح الأسياد في دول المركز. إن أنظمة مدججة بالسلاح عاجزة عن حماية سمائها وأرضها وسواحلها البحرية هي أنظمة فاقدة لمسوغ الوجود. كما أنّ أنظمة يباد أمامها شعب شقيق دون أن “تهتز لهم قصبة ” كما قال الشاعر العراقي مظفر النواب ، هي أنظمة عروش لا تعامل معها إلا بالنضال ولا شيء غيره حتى تتحرر شعوبنا منها وتدكّها دكّا وتأخذ مصيرها بيدها لتبني حاضرها ومستقبلها على أسس وطنية ديمقراطية وشعبية حقّة، دونا عن ذلك ستبقى فلسطين تقاوم وحدها وستبقى بقيّة الأقطار، بما فيها بلدنا تونس، مستباحة وسيبقى العدو الصهيوني يعربد دون رقيب ولا حسيب والامبريالي الأمريكي الغربي يحكم بأحكامه كما يشاء.
فإلى النضال بلا هوادة من أجل تحرير أوطاننا من الهيمنة الامبريالية والغطرسة الصهيونية ومن أنظمة العار والخيانة والمذلة.
صوت الشعب صوت الحقيقة
