بقلم: حمّه الهَمَّامي
لَا تغُرنَّكَ اللِّحى والصّورُ
تسعةُ أعشارِ من ترى بقَرُ
أبو الطيّب المتنبّي
رؤساء وملوك وأمراء ووزراء خارجيّة 57 دولة عربيّة وإسلاميّة تمتدّ مساحتها على 32 مليون كلم مربّع (ربع مساحة اليابسة تقريبا) ويبلغ عدد سكّانها 2.1 مليار نسمة (26 بالمائة من سكّان العالم) وحجم إجمالي ناتجها المحلّي 27.949 مليار دولار أمريكيّ (عند تعادل القوّة الشرائية) وعدد جيوشها مجتمعة يبلغ 17 مليون و577 ألف فرد إلى حدود 2023 مع علم أنّ معظم هذه الجيوش مدجّج بأحدث الأسلحة، ومن بينها من يمتلك السّلاح النوويّ…اجتمعوا يوم الاثنين 15 سبتمبر/أيلول في العاصمة القطريّة، الدّوحة، لـ“بحث الردّ على العدوان الصهيوني الغادر على أحد أعضاء منظّمة التعاون الإسلامي والجامعة العربيّة ومجلس التّعاون الخليجيّ” و“اتخاذ الإجراءات الحازمة لردع المعتدي“. ولكن وكما كان منتظرا بل كما جرت العادة (“اللّه لا يقطعلنا عادة“ يقول أهل بلدي) تمخّض الجبل فولد فأرا. فالبيان الختامي الصادر عن “القمّة” كلّه إنشاء. أوّلا وقبل كلّ شيء لا ذكر في كامل البيان لعبارة “الكيان الصّهيوني” ولا لكلمة “صهيونية” أو “صهيوني” بل لا حديث إلّا عن إسرائيل وكأنّها الدولة الشرعيّة القائمة على أرضها لا الكيان الاستيطانيّ، الإحلاليّ، القائم على أرض لها شعب اسمه الشعب الفلسطيني.
هذا أوّلا وثانيا لا إجراء ملموسا واحدا ضد الكيان أو ضدّ الوحش الأمريكي، داعمه وسيّده وشريكه حتى في العدوان على قطر، بل إن هذا الوحش صاحب التاريخ الملطّخ بالدماء مازال يُحظى في البيان الختامي بلقب “الوسيط“. ولا قرارا واحدا إلزاميّا أو إجباريّا لكلّ أعضاء “المنظمة“ لعزل المعتدي ومنعه من التّمادي في انتهاك أبسط القوانين والأعراف الدّولية والإنسانيّة. لا دولة مطبِّعة واحدة أعلنت قطع تطبيعها مع العدوّ أو حتّى تعليق اتفاقيات السّلام المعقودة معه. لا دولة واحدة تربطها علاقات اقتصاديّة وتجاريّة مباشرة أو غير مباشرة بالعدوّ أعلنت وضع حدّ لتعاونها معه. للتّذكير “دولة مصر العربيّة” التي لا تمدّ غزّة بقارورة ماء وتتمنّع عن فتح معبر رفح وقّعت في شهر أوت/أغسطس 2025 “اتفاقية كبرى” لتوريد الغاز الطبيعي من الكيان تبلغ قيمتها 35 مليار دولار تمتدّ حتى عام 2040. أمّا تركيا أردوغان “الزعيم الإسلامي–العثماني الكبير” فقد صارت، حسب تقرير لقناة الجزيرة بتاريخ 21 ماي/أيار 2025، خامس أكبر دولة مصدّرة للبضائع إلى “إسرائيل” خلال سنة 2024. لا دولة واحدة من هذه الدول وعلى رأسها دولة آل سعود هدّدت ولو مجرّد التّهديد باستعمال سلاح النّفط إذا لم يتمّ إيقاف حرب الإبادة في غزّة. وبالطبع لا كلمة واحدة عن المقاومة في غزّة حتّى لا يتّهم “الجمع” بالتواطؤ مع “الإرهاب” أو، ولعلّ هذا هو الأرجح، لاتفاق الأغلبيّة مع الوحش “الأمريكي” على “القضاء على حماس” وتنصيب حكم آخر محلّ حكمها في القطاع. لا دولة واحدة بما فيها قطر أعلنت تخلّيها عن الحماية الأمريكية الكاذبة وغلق قواعد الامبريالي الأمريكي المنتشرة في أراضيها لحماية مصالح الكيان الصهيوني والاعتداء على كلّ نظام من أنظمة المنطقة يجرؤ على مواجهته دفاعا عن سيادته أو إسنادا للشّعب الفلسطيني. ومن المضحكات المبكيات أنّه عند ذكر الدّول التي تعرّضت ولا زالت تتعرّض لاعتداء الكيان النازي تمّ الاقتصار على ذكر لبنان وسوريا ولم تذكر لا اليمن ولا إيران وعلى ما يبدو فهذان البلدان ليسا من المنطقة أو ربّما “يجوز“ الاعتداء عليهما “شرعا” في نظر “أصحاب السموّ والجلالة والفخامة” لرفضهما الانصياع لإرادة من انصاعوا بل انبطحوا له بالكامل.
هؤلاء “الأصحاب“ ألقوا باللّائمة، في بيانهم، لا على أنفسهم وإنّما على “المجتمع الدولي” لأنّ “صمته إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة هو الذي شجّع “إسرائيل” على التّمادي في اعتداءاتها“ حسب ما جاء في المقدّمة. وصمتهم هم وخيانتهم وغدرهم وعمالتهم أليس لها دور هي أيضا في تشجيعه؟ حتّى أكبر المغفّلين قادر اليوم بعد عامين من حرب الإبادة في غزّة على فهم أنّه ما كان للكيان الغاصب أن يعربد كيفما يشاء ومتى يشاء وأينما يشاء لولا ما وجده ويجده من تواطؤ مخز من أنظمة العار والعمالة في المنطقة التي لم تمارس أيّ ضغط جدّي يذكر على ذلك الكيان لأنّها لا تمثل مصالح أوطانها وشعوبها بل مصالح أقليّات عميلة ولأنّ لها مصلحة هي أيضا في القضاء على أيّ مقاومة بل لها مصلحة في قبر القضيّة الفلسطينيّة برمّتها لتأبيد سيطرتها على شعوبها.
إنّ الاطّلاع على ما جاء في البند الأوّل من البيان الختامي يكشف بشكل فاضح نفاق “أصحاب السموّ والجلالة والفخامة” وكذبهم وخيانتهم بل لنقلها بوضوح انحطاطهم السّياسي والأخلاقي غير المسبوق. إنّ هذا البند يبيّن أنّ كلّ همّ هؤلاء ليس وقف حرب الإبادة في غزّة أو تحرير فلسطين أو وضع حدّ للعربدة الصهيونية في المنطقة بل إنّ كلّ خوفهم هو ألّا تتوقّف عمليّة التّطبيع مع الكيان وألّا يفسد ناتنياهو ما تمّ منها بسبب تصرّفاته المتهوّرة. جاء في النقطة الأولى من البيان ما يلي: “التّأكيد على أنّ العدوان الإسرائيليّ الغاشم على دولة قطر الشّقيقة واستمرار الممارسات الإسرائيليّة العدوانيّة، بما في ذلك جرائم الإبادة الجماعيّة والتّطهير العرقيّ والتّجويع والحصار والأنشطة الاستيطانيّة والسياسيّة التوسّعية إنّما يقوّض فرص تحقيق السّلام والتعايش السّلمي في المنطقة ويهدّد كل ما تمّ إنجازه على طريقة إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل بما في ذلك الاتّفاقات القائمة والمستقبليّة“. اقرؤوا جيّدا: “الاتّفاقات القائمة والمستقبليّة” فأصحاب السموّ والجلالة والفخامة منزعجون من “طيش” ناتنياهو و“تهوّره” لا لانعكاساته على حياة شعب بأكمله بل على حياة شعوب المنطقة بأكملها التي لا يخفي الصّهيوني نيّته في استمرار العدوان عليها واقتلاع جزء منها من أرضه لتحقيق وهم “إسرائيل الكبرى” وإنّما لأنّه يهدّد “المنجزات” المحقّقة في مجال التّطبيع كما يهدّد الخطوات اللّاحقة المزمع قطعها في هذا المجال في المستقبل لاستكمال تصفية القضيّة الفلسطينيّة وفرض واقع جديد في المنطقة “يطيب فيه العيش” للكيان الموسّع وأمراء الطوائف الذين سيعيشون في حماه وحمى راعيه الأكبر.
هذا هو كلّ ما يزعج “زعماء” العالمين العربيّ والإسلاميّ الذين وافقوا على البيان الختاميّ وهو ما حرصوا على تسجيله في النّقطة الأولى من البيان ليكيّف بقيّة النّقاط الأخرى. فمن سيواجه العدوان على غزّة حسب أصحاب السموّ والجلالة والفخامة؟ بالطبع ليس هُمُ وإنما “المجتمع الدولي” المطالب حسبهم بالتحرّك العاجل لوضع حدّ للممارسات الإسرائيليّة في غزة“ (البند 12). ومن سيضع حدّا للاعتداءات المتكرّرة على بلدان المنطقة؟ الجواب واضح أيضا إذْ ورد في البند 8 ما يلي: الدّعوة إلى “تحرّك المجتمع الدّولي العاجل لوضع حدّ للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة“. وليس هذا فقط فأصحاب الجلالة والفخامة يحذّرون في البند 14 من “التّبعات الخطيرة لاستمرار عجز المجتمع الدّولي عن لجم العدوانيّة الإسرائيليّة” وكأنّهم ليسوا هم العجز بعينه. والأنكى من كلّ ذلك هو أنّ هؤلاء المتمنّعين عن اتخاذ أي إجراء جدّي ضدّ العدوّ الصهيوني لهم من الوقاحة ما يجعلهم يوجّهون الدعوة إلى كافة الدول… “إلى اتخاذ كافة التدابير القانونية والفعّالة الممكنة لمنع إسرائيل من مواصلة أعمالها ضد الشعب الفلسطيني…وفرض العقوبات عليها…. ومراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها…“. يا للمسخرة فهم لا يلزمون أنفسهم بشيء ويريدون إلزام غيرهم بأن يفعل كذا وكذا… فحتى عندما سئل الناطق باسم القمّة خلال الندوة الصحفيّة عمّا إذا كانت النقطة المتعلّقة بالدعوة إلى “مراجعة العلاقات الدبلوماسيّة والاقتصاديّة مع إسرائيل ” ملزمة للأنظمة العربيّة والإسلاميّة المطبّعة أجاب بوضوح أنّ هذه الفقرة “لا هي إلزاميّة ولا هي إجباريّة” لهذه الأنظمة التي لديها مطلق الحريّة كي تقرّر ما تراه صالحا.
ما ذا بقي إذن في البيان الختامي؟ جاء في البند 21: “نؤكّد دعم الوصاية الهاشمية التّاريخية التي يتولّاها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين على الأماكن المقدّسة“. صاحب الجلالة المطبّع والمتعاون بشكل مفضوح مع الكيان النازيّ في كل جرائمه ضد الشعب الفلسطيني وضد شعوب المنطقة سيرا على خطى والده وجدّه العميلين تُثبّت رعايته للأماكن المقدّسة. فهل تحرّك يوما للدفاع عنها في وجه محاولات التهويد المستمرّة حتى تُعهد له رعايتها؟ بالطّبع لا. وهو ما يعرفه القاصي والدّاني فتلك الأماكن لها شعب يدافع عنها ويستشهد من أجلها وهو ما يمثّل أكبر ضمانة لحمايتها.
بعد ذلك جاء في البند 22 ما يلي: التأكيد على ضرورة العمل على تثبيت المقدسيّين على أرضهم ودعم لجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السّادس ملك المملكة المغربيّة وذراعها التنفيذي وكالة بيت مال القدس الشريف“. المطبّع الآخر الذي فتح أبواب المغرب الشقيق على مصراعيها للكيان لكي يغرس فيه مخالبه في كافّة المجالات دون استثناء ويستعمله مركزا لتوسيع نفوذه في المنطقة وميناء لعبور الأسلحة التي يستوردها لتقتيل سكّان غزّة وسوقا لأسلحته هو بشهادة مناهضي التّطبيع في المغرب …هل ثمّة في كلّ هذا ما يؤهّله لدعم المقدسيّين لتثبيت تواجدهم على أرضهم؟ بالطّبع لا. ولكن لماذا كلّ هذا النّفاق؟ الأمر واضح…مجاملات بين أهل “البيت الواحد” …كلّ واحد منهم يعرف سيرة الآخر وكلمة السرّ بينهم : “لا تفضحني ولا أفضحك“.
لنواصل. نصل الآن إلى البندين الأخيرين من البيان الختاميّ. فالبند 24 يوصي “باتخاذ جميع التدابير الممكنة ضمن أطرها القانونيّة الوطنيّة لدعم تنفيذ أوامر القبض الصادرة عن المحكمة الجنائيّة الدوليّة بتاريخ21 تشرين الثاني 2024 ضدّ مرتكبي الجرائم بحقّ الشعب الفلسطيني. كما يدعو الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ببذل الجهود الدبلوماسية والسّياسة والقانونيّة لضمان امتثال إسرائيل بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال، لالتزاماتها الملزمة بموجب التّدابير المؤقّتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 26 كانون الثاني 2024 في قضية “تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزّة“. ألم يكن الأجدر بـ“أصحاب السموّ والجلالة والفخامة“، لو توفرت فيهم أدنى درجات الهمّة والشهامة، اتّخاذ موقف جماعي بالانضمام إلى الدّعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضدّ الكيان منذ شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 علما وأنّ من بين الدول الأربع عشرة التي انضمّت إلى هذه الدعوى لا يوجد سوى 4 دول (تركيا، مصر، ليبيا، فلسطين) من بين الـ57 دولة الحاضرة في القمّة.
أمّا البند الأخير، 25، فقد جاء فيه : “نعرب عن عميق امتنانا لدولة قطر أميرا وحكومة وشعبا على ما بذلوه من جهود دؤوبة في استضافة وتنظيم اجتماعات هذه القمّة بكل حكمة ورؤية استراتيجية الخ…بالطبع هذا كلّ ما تطلبه قطر. الشّكر والامتنان وتأكيد “مكانتها الإقليميّة والدّوليّة” كـ“وسيط” و“التنديد بأشدّ العبارات بالمعتدي الإسرائيلي” دون ذكر لراعيه الذي كان على علم بالعدوان ومؤيّد له والذي لم يشغّل قاعدة العيديد الضّخمة لاعتراض طائرات المعتدي وصواريخه لأنّ” دور القاعدة هو حماية قطر من إيران” فقط. فهل توجد مهازل أشنع من هذا؟
هذا ما ورد في بيان قمّة منظّمة التعاون الإسلامي “بكلّ حكمة ورؤية استراتيجيّة“. وهو يعكس ما وصلته مثل هذه الأطر من اهتراء لتصبح في الحقيقة عنوان عار ومذلّة. جيوش الدول المشاركة الجرّارة ليست موجّهة ضدّ الأعداء الخارجيين من امبرياليين وصهاينة وليست مهمّتها دعم الشعب الفلسطيني وإنّما هي مجنّدة لقمع شعوبها أو لمواجهة بعضها بعضا خدمة بالوكالة لمصالح أولئك الأعداء. إنّ أصوات “أصحاب السموّ والجلالة والفخامة” لا تعلو إلا ضدّ بعضهم البعض أما حين يتعلّق الأمر بالوحش الأمريكي والنازي الصهيوني فهي تخفت بالكامل وتحضر “الحكمة” التي تعني في هذه الحالات الانبطاح ولا شيء غيره لأن “الجماعة“ مفروضون في معظمهم فرضا على شعوبهم. ولا وليّ نعمة لهم غير حاكم البيت الأبيض أو صاحب التّاج البريطاني أو ساكن الإيليزي أو مغتصب فلسطين. وهو ما يجعل من الوهم الاعتقاد في أنّ “الفرج” سيأتي على أيدي هؤلاء الحكّام والأقليّات الطبقية الرجعية والعميلة التي يمثّلونها. وليس أدلّ على ذلك من أنّ لا ناتنياهو ولا ترامب أخذ قمّتهم بجدية. ففي الوقت الذي كانوا يصدرون فيه بيانهم دخلت حرب الإبادة في غزة مرحلة غير مسبوقة من الوحشية بموافقة ترامب المعلنة والوقحة لكن “أصحاب السمو والجلالة والفخامة” عادوا من حيث أتوا وكأنّهم ليسوا على علم بهذا التّصعيد…أو ربّما ذهب في ظنّهم أنّه على “المجتمع الدّولي أن يتحرّك بسرعة…”
إن “الفرج” لن يأتي إلّا عن طريق الشّعوب حين تعي مصالحها وتنظّم صفوفها و تقرّر منازلة أعدائها الداخليّين والخارجيّين…إنّ شعوبنا تمرّ في الغالب بظروف من أقسى ما عرفت في تاريخها دمّرت حياتها ومزّقت صفوفها وزرعت فيها وقتيّا اليأس والإحباط ناهيك أنّها أصبحت غير قادرة على الدفاع عن حرّيتها فما بالك بالدفاع عن حرّية غيرها…لكنّ هذا الوضع لن يكون إلّا مؤقّتا تاريخ شعوبنا التي ستنهض من جديد لتضرب بقوّة…
في الأثناء المقاومة مستمرّة في غزّة مقدّمة ألف درس ودرس لأنظمة العار و“أصحاب السموّ والجلالة والفخامة” العاجزين الفاشلين… قطعة أرض بمساحة 360 كلم مربّع لا يتجاوز عدد سكّانها المليوني نسمة وعدد مقاتليها عشرات الآلاف تصمد في وجه أفظع تحالف امبريالي استعماري في القرن 21 له من السّلاح والقدرات التقنية ما يدمّر الأرض كلّها ولكنّه يعجز عن هزمها وإخضاعها وهو يحاربها ليلا نهارا لم يُبق فيها منزلا أو عمارة أو بيت عبادة أو مشفى أو مدرسة لم يدمّرها أو يلحق بها ضررا. استعمل كل أصناف الأسلحة الناريّة كما استعمل كل أصناف أسلحة الإبادة الأخرى وفي مقدمتها سلاح التجويع الممنهج… ولكنّه فشل في إخضاع قطعة الأرض هذه لأن اسمها غزّة مقبرة الغزاة… سبحانك يا غزّة… إنّ إرادة الشعوب لا تقهر. والشّعوب حتى عندما تهزم عسكريّا في معركة من المعارك فإنّها تعود إلى النزال من جديد أقوى وأشد لأنّها تراكم وتستفيد من تجاربها إلى أن تحقق النّصر… غزّة تعيد اليوم القضية الفلسطينية إلى الواجهة. ملايين الناس يكتشفون طبيعة الكيان الغاصب ويخرجون إلى الشوارع للاحتجاج عليه وعلى رعاته. المئات منهم من أكثر من أربعين دولة ينطلقون هذه الأيّام من تونس في “أسطول الصمود” نحو غزّة لكسر الحصار المضروب عليها. مئات من البشر من مختلف الأجناس والعقائد والألوان والبلدان والثّقافات تؤلّف بين قلوبهم وعقولهم قضية واحدة: غزّة المقاومة، غزّة الشهيدة، يبحرون من أجلها لا سلاح لديهم سوى العزيمة والانتصار للقيم الإنسانيّة المعادية للظلم والقهر والعدوان. ومن الجهة الأخرى… من يَمن العزّة والكرامة والإباء، من مقبرة الغزاة الثانية، لا يتوقّف الإسناد رغم القصف والدمار… في كل مرّة يطلّ علينا “يحيى سريع” ببدلته العسكريّة ليؤكّد أنّ الإسناد سيستمرّ، مهما كانت التّضحيات، حتّى وقف حرب الإبادة في غزّة… بالمقابل رؤساء وملوك وأمراء 57 دولة إسلامية وعربية تعداد سكانها 2.1 مليار نسمة وجيوشها 17 مليون و577 ألف فردا يعجزون عن اتخاذ إجراء عملي وحيد ضدّ الوحش الصهيوني الامبريالي لا لشيء إلّا لأنّهم أبعد ما يكون عن تمثيل شعوبهم وأوطانهم…
في النهاية وحتى لا أنسى : في نفس اليوم الذي صدر فيه بيان العار والفاشوش والمهانة دون أن يتضمّن أيّ إجراء عملي ضدّ “الكيان” أعلن رئيس حكومة إسبانيا “غير الغربية وغير الإسلاميّة” إلغاء صفقة شراء أسلحة من هذا الكيان بقيمة 700 مليون يورو تنديدا بما يرتكب في غزة من مجازر. وهي ثاني صفقة شراء أسلحة تلغيها الحكومة الإسبانية في شهر سبتمبر الحالي.
فليسقط “أصحاب السموّ والجلالة والفخامة“
فليسقطوا هم وعروشهم ورئاساتهم وقممهم
ولتحيا المقاومة ولتحيا غزّة وفلسطين…
المجد للشّهداء معبّدي طريق الحرّية…
عاش التّضامن الأممي…
يا عمّال العالم وشعوبه وأممه المضطهدة اتحدوا
تونس، في 16 سبتمبر 2025
صوت الشعب صوت الحقيقة
