الرئيسية / صوت العالم / سياسة ماكرون تقود فرنسا إلى الهاوية
سياسة ماكرون تقود فرنسا إلى الهاوية

سياسة ماكرون تقود فرنسا إلى الهاوية

بقلم محمود نعمان

جاء الإعلان الأخير عن استقالة رئيس الحكومة الفرنسية تعبيرا عن حدة الأزمة الشاملة غير المسبوقة التي تعيشها فرنسا وحالة عدم الاستقرار السّياسي وتنامي الغضب الاجتماعي التي كانت لها ارتدادات كبيرة على مكانتها الدولية.

حكومات مترنحة وغير شعبية

أعلن “فرانسوا بايرو ” رئيس الحكومة عن استقالته يوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 قبل أن ينهي عاما واحدا في منصبه بعد تصويت سحب الثقة في الجمعية الوطنية لتنتهي بذلك الحكومة الرابعة خلال الفترة الثانية لرئاسة ماكرون التي بدأت سنة2022 علما وانّ تكليف “بايرو” برئاسة الحكومة جاء نتيجة ضرب الرّئيس “ماكرون” عرض الحائط بإرادة النّاخبين والانقلاب على نتائج الانتخابات البرلمانية المبكّرة التي أجريت في جويلية 2024 والتي عكست رفض أغلب النّاخبين لسياسة ماكرون وأفرزت أغلبية يسارية إذ حصد تحالف “الجبهة الشعبية الجديدة” 182 مقعدا بينما جاء “الوسط الماكروني” في مرتبة ثانية بـ 163 مقعدا وحاز اليمين المتطرف على 143 مقعدا في الجمعية الوطنية كما تواصل الانقلاب عند انتخاب رئيسة الجمعية الوطنية لتي جاءت من “حزب النهضة” الرئاسي رغم خسارته في الانتخابات.

معطيات تبرز انقلاب ماكرون على إرادة الناخبين ليساوي بين “الفائز” والخاسر وينفرد باختيار رئيس وزراء “مناسب” لمواصلة تنفيذ برنامجه للتقشّف و”لإصلاح” نظام التقاعد و”يطمئن” رأس المال والشّركاء والحلفاء الخارجيين سواء “الناتو” أو الكيان الصهيوني فكان تكليف “بايرو” في سبتمبر2024 والذي وجد الدّعم من الحليف الطبقي أي اليمين المتطرّف لقطع الطّريق أمام حكومة يساريّة لا تخفي برنامجها الاجتماعي المناهض للسّياسة اللّيبرالية المتوحّشة لماكرون وتجهر بدعمها لقضية فلسطين وتنادي بإيقاف الدعم “الأعمى” لأوكرانيا في حربها ضد روسيا باعتبار كلفته المالية وإضراره بالدور وبالمصالح الفرنسية في أوروبا.

والعالم. جاء هذا التعيين المخالف لنتائج صناديق الاقتراع رغم علم “ماكرون” أنّه لن يَحُلَّ الأزمة السياسية ولن يجلب الاستقرار وسيكون مواصلة للفشل الذي طبع حصيلة عمل الحكومات السابقة منذ صعود ماكرون لكرسي الرّئاسة أوّل مرّة سنة 2017.

ماكرون يقود فرنسا إلى أخطر أزمة اقتصادية منذ السّبعينات

كان تصويت النواب يوم 8 سبتمبر2025 ضدّ مشروع ميزانية 2026 الذي تقدّمت به الحكومة السّبب الذي عجّل باستقالة رئيسها وهي ميزانية تضمّنت تخفيضا بـ 44 مليار يورو وتندرج ضمن “الخطّة التّقشّفية” النّيوليبراليّة التي اعتمدها فريق ماكرون كحلّ لأزمة الدّين العام وعجز الميزانية المتواصل والحال أنّ سياسة حكومات ماكرون المتعاقبة كانت سببا في ذلك الوضع بفعل سوء تسييرها المالي وإرهاق اقتصاد البلاد بمواصلة ضخّ الدّعم المالي والعسكري للنظام الأوكراني في حربه ضد روسيا.

الكلّ يعلم أنّ ماكرون منذ انتخابه في أوّل عهدة رئاسية له سنة 2017 اعتمد سياسة جبائية في “خدمة رأس المال” إذ قدّم للأثرياء والشركات تخفيضات ضريبية واسعة وألغى ضرائب الثّروة والسّكن وَسَنَّ ضريبة موحّدة على الأرباح وهي إجراءات وإن جاءت تشجيعا للاستثمار الخاص المحلّي والأجنبي فإنّها تحرم الدولة من إيرادات ضريبية سنوية تقدر بـ 62 مليار يورو أي ما يعادل 2.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي فكان اللجوء إلى التّداين لتغطية العجز في الميزانية ممّا رفع قيمة الدين الداخلي إلى 3600 مليار دولار أي ما يعادل 113بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول لسنة 2025 مع توقّعات ببلوغ 116 بالمائة في موفى العام الجاري وهو المعدل الأعلى في منطقة اليورو المتكونة من 20دولة وهو رقم يتجاوز الحد المسموح به في الاتحاد الأوروبي علما وأنّ تكاليف سداد الدّين ستتجاوز الإنفاق المخصص للدفاع والتعليم مع توقعات من وكالات التّصنيف الائتماني الدولية بتخفيض تصنيف فرنسا في ظل توقعات بانخفاض نسبة النمو الاقتصادي إلى مستوى 0.6 بالمائة.

تزامن هذا “السخاء الماكروني” إزاء رأس المال مع إجراءات اجتماعية أجّجت الغضب في الشارع ومنها قرار ترفيع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 سنة وتقليص النّفقات المخصّصة للخدمات الصّحّية الشّيء الذي أدّى إلى عجز مالي في القطاع الصّحّي بـ 23 مليار يورو سنة 2025 كما تعرضت القدرة الشرائية لعموم الفرنسيين للتدهور من بداية “العهدة الماكرونية” نتيجة لتضخم أسعار المواد والخدمات الأساسية وغلاء أسعار الطّاقة خاصّة بعد العقوبات على استيراد الطاقة من روسيا.

تراجع مكانة فرنسا الدولية

توازيا مع حدة الأزمة الدّاخلية قادت سياسة ماكرون إلى تراجع الدّور الفرنسي بشكل ملحوظ خاصة في إفريقيا إذ أدّت تلك السياسة – إلى جانب عوامل محلية – إلى صعود أنظمة مناهضة لمواصلة الهيمنة الاستعمارية الفرنسية ولو بشكلها الجديد في عدة بلدان من الساحل الإفريقي مثل مالي ووركينا فاسو وغينيا دون أن ننسى الأزمة الحالية مع الجزائر وتزايد المناهضة الشعبية لسياسة ماكرون الدّاعمة للكيان الصهيوني كما لا يمكن أن نتغاضى عن انحسار وجودها العسكري في تلك الدول مقابل تزايد حضور قوى أخرى دولية مثل روسيا والصين وفقدانها نصف حصّتها من الأسواق الإفريقية التي انخفضت من 11 إلى 5 بالمائة فقط سنة2025. أمّا على الصعيد الأوروبي فإن فرنسا ماكرون فقدت الوزن الذي كانت تحظى به وما زالت محاولاتها تزعم القارة العجوز لـ”لاستقلال” عن الامبريالية الأمريكية وإملاءات ترامب بعيدة عن تحقيق أهدافها.

خلاصة القول إن حقبة “ماكرون” أضعفت فرنسا على جميع الأصعدة تقريبا فرنسا التي لم تعد تلك القوة الكبرى التي يخشاها حلفاؤها وخصومها كما لم تعد ذلك الاقتصاد القوي الذي بمستطاعه تمويل حاجات الشعب الفرنسي وإن على حساب شعوب أفريقيا ومستعمرات الأمس. لقد قاد ماكرون “الإمبراطورية الفرنسية” تدريجيا إلى الأفول ومن غير المتأكد أن من سيخلفه سيكون قادرا على ما دمّره ماكرون.

إلى الأعلى
×