بقلم منذر خلفاوي
بمناسبة الاحتفالات بالذكرى الـ 80 على للانتصار على اليابان سنة 1945 ، وبعد يومين من قمة شنغاي الاقتصادية أقامت الصين يوم الأربعاء 3 سبتمبر استعراضا عسكريا هائلا في ساحة “تيان آن مان ” واكبه خمسون ألف مواطن صيني شد انتباه العالم لما تضمنه من أسلحة متطورة تشبه الخيال العلمي، شملت مائة طائرة ومئات العربات المصفحة. وقد شارك في العرض عشرة آلاف جندي بحضور26 زعيم من قادة العالم من بينهم الرئيس الروسي بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ اون ورئيس الوزراء الهندي مودي حليف أمريكا الذي دفعته زيادة الرسوم الجمركية بـ 50 بالمائة الى التقارب مع الصين ورئيس ايران …الخ، في حين لم تقع دعوة أي من زعماء البلدان الامبريالية الغربية. لقد تم يوم 9 ماي استعراض عسكري روسي مماثل بمناسبة الاحتفال بنهاية الحرب الكبرى الوطنية ضد المانيا النازية بحضور رئيس الصين واليوم جاء دور الصين لتؤكد أنها بصدد ردم الفجوة مع الولايات المتحدة الامريكية في المجال العسكري بسرعة فائقة وأنها قوة عظمى لا يمكن تجاهلها.
تصعيد سباق التسلح بين القوى الامبريالية
في الوقت الذي توالت فيه الإجراءات الحمائية الأمريكية مع مجيئ ترامب للحكم برفع الرسوم الجمركية ضد منافسيها وحتى ضد حلفائها وما رافقها من ردود فعل مماثلة تمثل في حد ذاتها حربا تجارية من أجل الهيمنة الاقتصادية وإعادة اقتسام العالم، وبالتوازي مع ذلك تستعرض القوى العظمى الامبريالية عضلاتها لتعمق حالة الردع المتبادلة فيما بينها للحصول على حصة اكبر في السيطرة على العالم، وإن يبقى الإنفاق العسكري الأمريكي هو الأكبر بالعالم بمعدل 37 % لعام 2024 ، فإن نسبة انفاق الصين تصل الى 12% من الانفاق العالمي. وقد قررت بكين تطوير جيشها عبر زيادة مستمرة بنسبة 10 في المئة في موازنة الدفاع الصينية.
من بين أنظمة التسليح التي كُشف عنها خلال العرض، برز الجيل الجديد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طراز “د اف-س 5″ ويقدر مداه بـ 20 ألف كيلومتر الى جانب أكثر من مائة نوع من الطائرات والمعدات العسكرية منها النووية والفرط صوتية والعابرة للقارات ونوع ” الذئاب الروبوتية ” التي تعوض أو ترافق الجنود في المعارك البرية، إضافة لمركبات غوص ومسيّرات تحت مائية. غير أن الأسلحة الأكثر أهمية على المدى البعيد التي اشتمل عليها العرض العسكري الصيني هي أنظمة الدفاع الجوي الليزرية المتنقلة الجديدة المثبتة على الشاحنات والسفن، التي تعد بمثابة نقلة نوعية في نظم الدفاع الجوي الأكثر تطوراً وعلى إظهار ما يُسمّى ب”الثالوث النووي” (صواريخ برية وبحرية وجوية)، في دلالة واضحة على أنها باتت قوة نووية مكتملة الأركان.
أهم الرسائل الموجهة للعالم
الاستعراض ليس تفصيلًا بروتوكوليًا بل يتضمن رسائل عديدة تُظهر للعالم تكتلًا مضادًا للغرب، ورسالة دعم متبادل مع القوى التي تشاركها موقفًا عدائيًا أو تنافسيًا تجاه الولايات المتحدة وهي رسالة تهديد الى دول جنوب شرق آسيا (مثل الفلبين وفيتنام وماليزيا) وتحمل دعوة للتكيف مع الواقع الجديد، أي أن التعاون مع الصين أفضل من مواجهتها باعتبارها القوة البحرية المهيمنة في الإقليم.
أثناء التظاهرة ألقى الرئيس تشي جي بينغ كلمة مركزية قال فيها إن “الإنسانية اليوم أمام خيار سلام أم حرب، حوار أم مواجهة”، مؤكّدًا أن الصين “تقف على الجانب الصحيح من التاريخ ” وان “الصين تعمل من أجل السلم والاستقرار العالميين” ما يعني أنها مستعدة للحرب وتسعى الى فرض هيمنتها الى جانب العدو الأمريكي وأن لها حلفاء ذوي قدرات نووية تضاهي قدرات الغرب وحلف الناتو وهي مستعدة لمنازعتها وردعها. كما أنها رسالة لحلفائها التي تعرض نفسها عليهم كمظلة ردع ونفوذ لا يستهان بها ويمكن التعويل عليها كشريك استراتيجي ينهي احتكار الغرب ويبني توازنا عالميا جديدا يكون لبدان آسيا موقعا رياديا فيه وبالنسبة للأسواق التجارية العالمية تسعى الى إقناعها بان أسلحتها تنافسية بأسعار أقل و شروط أخف و تكنولوجيا أسرع في النقل ما يفتح الباب أمام بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لتقليل الاعتماد على الأسلحة الامريكية.
ردود الأفعال لم تتأخر
ردة فعل ترامب الفورية كانت عبر رسالة على منصة التواصل الاجتماعي “أرجو أن تنقلوا أحر تحياتي إلى فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، بينما يتآمران ضد الولايات المتحدة الأمريكية ” مما يعني أن الإدارة الأمريكية واعية بمخاطر التسلح المتطور للصين وأن روسيا التي تخوض حربا لمدة طويلة رغم محاولات تحييدها مؤقتا مازالت متحالفة معها ولم تخضع لتهديدات حلف الناتو والدليل أنها ماضية في استهداف أوكرانيا إذ أنها قامت باستهداف المقر الحكومي أياما فقط بعد حضور بوتين في الصين ورفض زيلنسكي لقاءه في الكرملين .
كما لم يُخفِ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” “مارك روته” قلقه البالغ، وحذّر من أن الصين تتفوق بكثير على القوات البحرية الأميركية وحلفائها الغربيين في بناء السفن باعتبار أن الأسطول الأكبر عدداً هو الذي ينتصر دائماً تقريباً حسب دراسة أجرتها كلية الحرب البحرية الأميركية عام 2023 .
تراكم الأسلحة يهدد البشرية
إن مختلف المناورات العسكرية واستعراض الأسلحة المتطورة النووية للقوى الامبريالية لا يعني سوى التهديد باستعماله في أي وقت إما عبر الحروب بالوكالة أو مباشرة في حال استعصى الحل الديبلمواسي والسلمي وفي كل الحالات فإن إنتاج وتطوير السلاح وعسكرة الاقتصاد على حساب الخدمات الاجتماعية والاستثمار في البنية التحتية لتحسين مستوى عيش الطبقة العاملة وشعوب العالم لا يتم بهذا الحجم والسرعة ليُرمَى في البحر أو لاستعماله لأغراض سلمية بل حتما سيقع استخدامه في الحروب ولن تكون نتائجه كما حصل في الحربين العالميتين السابقتين بل إن مآلاته هي القضاء على الأخضر واليابس أي تدمير البشرية والطبيعة والقضاء على الإنسانية. لقد وصلنا مرحلة خطيرة تتطلب من الشعوب وقواها الثورية والديمقراطية تكثيف الجهود ضد العسكرة والحروب والاعتداء على الشعوب ولن يتم ذلك إلا بالقضاء على النظام الامبريالي الرأسمالي سواء في أمريكا أو الصين أو روسيا وممثليه من الأحزاب الفاشية والاليغارشيا في مختلف بلدان العالم لقد آن الأوان لبعث الجبهة العالمية المناهضة للامبريالية خاصة في ظل ما يشهده العالم من مجازر وحرب تطهير عرقي وتهجير وتجويع في غزة وحرب مدمرة في السودان وسعي نحو نزع سلاح المقاومة في الشرق الأوسط و محاولات الإطاحة بالحكم في فنزويلا للسيطرة على الثروات الطبيعية لصالح الشركات الامبريالية ..الخ
صوت الشعب صوت الحقيقة
