الرئيسية / صوت الوطن / المسلك الصحي بالمروج: الجريمة
المسلك الصحي بالمروج: الجريمة

المسلك الصحي بالمروج: الجريمة

بقلم التوهامي بن زيد

تعدّ أحياء المروجات من أكبر الأحياء في تونس الكبرى، وهي من المناطق الحديثة إذ نشأت في أواخر السبعينات من القرن الماضي في إطار تمدّد العاصمة جنوبا للتخفيف من ضغط الطلب على السكن في العاصمة. وقد بلغت اليوم درجة عالية من الكثافة السكانية. وهو أمر غير مستغرب بما أنها، كمدينة، يطغى عليها البناء العمودي، والسكن الجماعي.
وهذه الغابة من العمارات السكنية، تأوي ما يفوق الـ 300 ألف ساكن، يضاف إليهم أعداد كبيرة من طلبة المدرسة العليا للأعمال (business school) بحيّ عمر اللواتي المحاذي لسوق الجملة علما وأنّ المدينة تأوي مبيتين جامعيين عموميين ومبيتات جامعية على ملك الخواص.

كل هذه الكثافة السكانية، لم تواكبها العناية اللازمة بالبنية الأساسية (تجديد شبكة الطرقات والأرصفة المتقادمة) وبالمساحات والمناطق الخضراء. فباستثناء فضاء “ميامي” الذي صمّم وأنجز في البداية ليكون منتزها عائليا ومتنفسا لمدينة ما انفكت تكتظ بساكنيها لا يوجد مساحة من هذا النوع عدا حديقة مساحة خضراء صغيرة بالمروج الخامس أنشئت في السنوات الأخيرة وهي بمثابة حديقة محدودة من حيث المساحة والتجهيزات. حتى فضاء “ميامي” سرعان ما حاد عن وظيفته وأهدافه بفعل جشع المستثمرين، أصحاب المقاهي والمطاعم حاد عن وظيفته الأصلية وأهدافه الترفيهية. لقد أصابه التلف على جميع المستويات فاندثر عشب المساحات الخضراء فيه جرّاء استعمالها عشوائيا من قبل أصحاب المقاهي الذين اتخذوا من هذه المساحات دون وجه حق فضاء للتوسع. وفي جانب آخر منه، انتصب وبشكل عشوائي وغير مرخص فضاء لألعاب الأطفال (manège)، غير محمي وبتجهيزات بدائية وقديمة في منظر مقرف (“دراجح” ولعب غابت عنها جميع أبسط مظاهر الذوق وأقل درجات الحماية). ورغم كل المساعي لإصلاح الوضع بما في ذلك قرارات الهدم في حق البعض منها فإن هذا الفضاء أصبحت تعمّه الفوضى. ونتيجة لذلك لم يعد جالبا للزوار وبات شبه مهجور.

إنها خسارة كبرى بالنسبة إلى متساكني مدينة المروج الكبرى ولكن السلط المحلية والجهوية (بلدية، معتمدية، ولاية) لا تحرك لذلك ساكنا.

وتجدر الإشارة إلى أنّ بلدية المروج من البلديات الكبرى، التي تتحوّز على رصيد عقاري كبير بعضه مهمل كليا تقريبا ومثال ذلك فضاء “ميامي 2” وهي مساحة شاسعة وشاغرة تقع قبالة “منتزه ميامي” الذي سبق الحديث عنه. كانت شركة “موبلاتاكس” للموبيليا قد أقامت عليه قاعة عرض كبرى ولكنها بعد سنوات طويلة من الاستغلال أخلت المكان فتحوّل إلى مربض مجاني للشاحنات الكبيرة ويستغل جانب منه مجانا أيضا من طرف إحدى المقاهي (terrasse) التي انتصبت بحذوه وتستغل هذه المساحة مرة في السنة لاحتضان السرك، والحال أنه كان من الممكن استغلال هذه المساحة الكبيرة لتحسين حالة المرفق العام لفائدة المواطنين سواء كسوق يومي أو كحديقة للأطفال أو غير ذلك.

وعلى غرار ذلك توجد العديد من المساحات (حديقة وساحة العلم، ساحة حي الحرمين الخ…) والفضاءات العامة على امتداد أحياء المروج الخمسة، إمّا مستباحة من طرف أصحاب المقاهي أو لإقامة “نصب” وأكشاك الذين تحوّزوا دون وجه حق على جانب من هذه المساحات. مثال ذلك ما حصل في “مقهى العلم” التي استولى عليها صاحب مقهى “كاكاو” فأصبحت ملكا له، وأمام صمت السلط استولى على مادة الطريق (trottoir)، لتوسعة واجهة المقهى ذات الطابقين.

يحصل كل ذلك ومقر الشرطة البلدية لا يبعد من هناك غير عشرات الأمتار لا غير.

أمّا المسلك الصحي بالمروج 1، فحدّث ولا حرج

فهو، أي المسلك، غابة في الأصل، يمتدّ من بن عروس، قبالة “مستشفى الحروق البليغة” إلى غاية المعهد الثانوي بالمروج 1، ليمرّ أمام العمارات وصولا إلى الطريق العام في مدخل المروج. والحقيقة أنّ بعض أعضاء النيابة الخصوصية بعد الثورة وخاصة العناصر الشابة وأخص بالذكر المناضل مهدي العوجي قام بمجهودات جبارة ليصبح المسلك بالمواصفات الجيدة التي صارت عليها في السنوات الماضية قبل أن يقع السطو عليه. ثمّ عندما فازت “القائمة الشبابية” برئاسة بلدية المروج، قامت بإنجاز مسالك داخل المسلك لممارسة رياضة المشي والعدو رغم أنها لم تكن بمواصفات علمية إذ سرعان ما جرفت سيول الأمطار جوانب منها. أمّا الآن وبعد تولي السيدة المكلفة بتسيير شؤون البلدية حاليا ومع بداية إنجاز أشغال توسعة المدخل الجنوبي للمروج وقع تمكين المقاولة القائمة بالأشغال من المسلك ليصبح مأوى للآليات الثقيلة (تراكسوات، شاحنات… الخ.). ومنذئذ انطلقت فصول الجريمة.

لقد تمّ اقتلاع أشجار المسلك بالعشرات، وسبق أن قلنا إن أصل المسلك غابة قديمة أشجارها معمّرة، عمرها أضعاف أضعاف جميع أحياء المروج بما فيها من مؤسسات وهياكل وهي بطبيعة الحال أقدم من البلدية والمعتمدية نفسها.

لم تقف الجريمة عند هذا الحدّ، بل إن تلك الأشجار لا نعلم أين ذهبت (تحوّلت إلى فحم) ومن استفاد من ذلك ؟؟!

والجميع يعلم صرامة القوانين والتراتيب التي تسبق اقتلاع شجرة واحدة حتى وإن كانت من الملك الخاص، فما بالك بعشرات الأشجار على أرض عمومية (أكثر من 100 شجرة).

وما زاد الطين بلّة أن وزارة التجهيز وشركة استغلال وتوزيع المياه قرّرتا تجديد قنوات نقل المياه التي تمرّ في الأصل عبر المسلك الصحي، فقد تقرّر القيام بتلك الأشغال ضمن أشغال توسعة المدخل الجنوبي للمروج وإنجاز المحوّلات، وهو أمر نتفهمه بحكم اقتضاء المصلحة العامة، ولكن في النهاية كان ذلك من دواعي تخريب المسلك التي لم يقع إصلاح ما ترتب عنها من أضرار.

علما وأنّ الأشغال التي تقوم بها الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) بالاشتراك مع مصالح التجهيز، لتغيير القنوات متواصلة ولم تنته منذ عام كامل تمتد على خط بطول ألفي (2000) متر تقريبا.

ما لا يمكن قبوله إذ ليس له أيّ تبرير، هو تحطيم السور الخارجي للمسلك من ثلاث (3) جهات، واحدة تفتح على الطريق المروج/ نعسان، قبالة محطة الوقود والثانية والثالثة على جانبي الملعب البلدي، والذي بدوره وقع التفريط فيه للخواص تحت مسمّى “جمعيات” وأصبح الأطفال ينشطون فيه بمقابل.

قلنا إذن إنّ تحطيم السور وفتح ثلاث أبواب أو مداخل من ثلاث جهات مدخلين منهما المحاذيين للملعب فقد وقع تهديم السور الخارجي على طول 10 أمتار أمّا البوابة الثالثة على طريق نعسان/المروج قبالة محطة الوقود فهي بطول حوالي العشرين (20) مترا أو يزيد. علما وأنّ هذا السور يتكون من جزئين، حائط في الأسفل بعلو متر تقريبا يعلوه مشبّك حديدي، لكنه معد بحرفية وإتقان وهو جميل جدا، المفارقة أنّ هذا الجانب بحديده لم يعد له وجود!!! من انتفع به؟؟؟! لمصلحة من؟؟؟! لا نعلم شيئا عن ذلك.

كان المعتمد السابق الذي وقع إنهاء مهامه مؤخرا، وفي تعليقه على كل هذا قال: “إنّ المقاول تعهّد بإرجاع المسلك كما كان” ولكن هل سيكون بمقدور المقاول إعادة الأشجار المقطوعة إلى مكانها وكما كانت من قبل؟

لقد تحوّل المسلك الصحي بالمروج إلى مرعى للأغنام والأبقار. ولا أحد يعلم ما إذا سيعود يوما إلى ما كان عليه متنفسا للمدينة ومكانا للشباب والكهول والشيوخ نساء ورجالا لممارسة رياضة المشي والعدو والرياضة وفضاء لمتعة التجوال.

لا أحد يعلم ذلك في ظل انتشار إشاعات كثيرة، لعلّ أسوأها النية في تغيير صبغة المسلك الصحي ليصبح ملكا لمستثمرين خواص في شكل ملاعب للتنس بمرافقها من مطاعم ومقاهي لا يمكن الدخول إليها إلا بمقابل. والخطر كل الخطر أنّ ما يروج من أخبار تؤكد أنّ المشروع جاهز وتمويلاته متوفرة والمسألة مسألة وقت لا أكثر.

أين الحقيقة في كل ذلك ؟؟؟؟!

إلى الأعلى
×