الرئيسية / عربي / العربدة الصهيونية ومشروع “إسرائيل الكبرى”
العربدة الصهيونية ومشروع “إسرائيل الكبرى”

العربدة الصهيونية ومشروع “إسرائيل الكبرى”

بقلم عمار عمروسية

قدّمت حكومة “نتنياهو” الفاشية على امتداد السنوات الماضية الكثير من الدلائل التي لا تقبل الدحض على اندفاعها المكشوف نحو تبني خيار القوة والبطش كأداة شبه وحيدة للتعاطي مع مجمل القضايا المطروحة إن في الساحة الفلسطينية أو في الإقليم عموما. فالحسم العسكري على جميع الساحات هو الأكثر حضورا في العقيدة الحربية للكيان وبالأخص بعد العملية البطولية لطوفان الأقصى وهو ما نجد ترجمته الملموسة في تزايد واتساع رقعة الاعتداءات الهمجية على الكثير من سيادة دول المنطقة وشعوبها تحت تعلاّت كاذبة تتمحور حول “الدفاع عن النفس” و”مقاومة الإرهاب” الخ… للتغطية عن الأهداف الحقيقية لهذه العربدة غير المسبوقة التي سرعان ما افتضح أمرها أولا بالحيثيات المروّعة لحرب الإبادة الجماعية قرابة العامين في قطاع غزة وجريمة التطهير العرقي الصامتة بالضفة الغربية وثانيا بالاعتداءات المتكررة على “لبنان” و”سوريا” و”اليمن” وثالثا العدوان على “إيران” ومؤخرا على “قطر” و”تونس” ورابعا بحملات التحرّش الخفيّ والمعلن بكل من دولتي “مصر” و”الأردن”.

فالمنطقة والإقليم عموما كانا تقريبا على الدوام منذ زرع الكيان تحت توترات دائمة تخللتها من حين لآخر حروب مدمّرة، إلا أنّ التصعيد الأخير يحمل دلالات شديدة المخاطر تتجاوز بكثير الحسابات التقليدية للكيان وهو أمر أصبح مكشوفا على نطاق واسع خصوصا بعد تتالي تصريحات الكثير من القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة المبشّرة بولادة “إسرائيل الكبرى” ضمن إطار أوسع يطلقون عليه تسمية “الشرق الأوسط الجديد” حيث تتطابق بالتمام والكمال تقريبا الأهداف والمصالح للعدو الصهيوني وحماته من القوى الامبريالية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية.

ومن المهمّ التأكيد على أنّ مجمل المتغيرات المتسارعة والعميقة بالمنطقة منذ سنتين أسهمت في الدفع القوي بعودة الجدل حول مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يمثّل ركيزة أساسية في الفكر الصهيوني منذ بداية تشكّله، ذلك أن “تيودور هرتزل” أورد في كتابه “الدولة اليهودية”، الصادر أواخر القرن التاسع عشر، ما يلي “نحن نسعى لإقامة وطن لليهود لا على رقعة ضيّقة بل على أرض تمتدّ بقدر ما تتيح لنا قوتنا وتأثيرنا”.
أكثر من ذلك، فالمشروع الاحتلالي التوسّعي كان دائم الحضور والبروز في كل المحطات الأساسية من تاريخ الصراع العربي الصهيوني من ذلك أنّ كل من “ديفيد بن غريون” و”موشي ديان” بذلا جهودا كبيرة في تكريس ذلك المشروع والدفاع عنه. فالأول أواخر ثلاثينات القرن الماضي أقام برنامجه السياسي للحكم تحت شعار “علينا أن نعدّ أنفسنا للتوسع…”، أمّا الثاني فقد استمات في إدارة مفاوضاته بعد النكسة تحت قولته الشهيرة “لقد عدنا إلى أراضينا التوراتية ولن نتراجع عنها بعد الآن”.

يتضح ممّا سبق أن تلويح “نتانياهو” بالتقدّم في تغيير وجه الشرق الأوسط وبناء “إسرائيل الكبرى” ليس بالأمر الجديد بل هو نفض غبار عن فكرة قديمة سبقت حتى زرع الكيان في جسد منطقتنا، زيادة على أنّ هذه الأطروحة ليست بالأمر العرضي والطارئ فهي الحجر الأساس في الإيديولوجية والبرامج السياسية لأهمّ الأحزاب الصهيونية وهي دليل قاطع على أن الصراع مع هذا الكيان يتجاوز حدود الأرض ليطال الهوية والتاريخ والمستقبل.

فمشروع “إسرائيل الكبرى” التي تسابق حكومة التقتيل والتدمير الوقت من أجل تكريسه على حساب سيادة دول الإقليم وعلى أنهار من دماء شعوبه يستند على خليط إيديولوجي هابط ومتخلف جمع بين القراءات الخرافية للنصوص الدينية التوراتية والنظريات الموغلة في الشعوذات التاريخية المفعمة بالعنصرية ونزعات التفوق والتعالي.

فالكيان الذي استمدّ مشروعية ولادته من قرار جائر واستعماري صدر عن الجمعية العام للأمم المتحدة عزز أركانه معتمدا على أفظع وسائل البطش والتهجير واختار عن وعي القفز على ضرورة ضبط حدوده الجغرافية تاركا الباب مفتوحا أمام نزعات التمدّد المشفوعة على الدوام تقريبا بسياسات الضمّ والإلحاق مثلما هو حاصل في أيامنا هذه مع غزة والضفة أو سوريا ولبنان…

إنّ “إسرائيل الكبرى” وفق التصور الصهيوني ليست فقط ضمّا مطلقا لكل فلسطين التاريخية بما تعنيه من تطهير عرقي وتهجير قسري لمواطني غزة والضفة نحو كل من “مصر” و”الأردن” بل هي احتلال لأجزاء من الأخيرتين بالإضافة إلى سطو على أراضي من لبنان والسعودية والعراق…

وهي بالمحصلة مشروع متحرك وفق موازين القوى والسياقات الإقليمية والدولية غير أنّ الثابت على الدوام هو النزوع نحو التوسّع والهيمنة، فمساحة الكيان الحالية مثلما أشار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” صغيرة، داعيا بوقاحة كبيرة إلى توسيعها في تناغم كامل مع السردية الصهيونية التي تزعم أنّ أرض الكيان تمتدّ من نهر النيل إلى الفرات، وبهذا المعنى يصبح تحقيق هذا الأمر مقدمات لحدوث متغيرات هائلة بل دراماتيكية لن تسلم منها لا الجغرافيا ولا الديموغرافي.

فالجغرافيا السياسية للإقليم والمنطقة دخلت بفعل الغطرسة الصهيونية الأمريكية في طور إعادة تشكّل جديد مازال لم يكتمل بعد والهندسية الديموغرافية تدير تفصيلاتها الجديدة آلة التقتيل بوسائل مختلفة منها حرب الإبادة والتجويع وتهيئة ظروف التهجير القسري غير أنّ المنازلة لم تحسم بعد بصفة جوهرية فالمعركة مفتوحة وقوى المقاومة وحاضناتها الشعبية أكدا عبر العقود الماضية قدرات هائلة على إفشال مخططات العدوان الصهيوني بالرغم من الانخراط الأمريكي النشيط والدعم الغربي المستمر. فتاريخ حركات التحرر الوطني في العالم وفي منطقتنا يزخر بانتصارات المقهورين أمام أعتى جيوش القوى العظمى وحاضر الصمود الأسطوري للمقاومة في غزة واليمن أفضل دليل على أنّ المستحيل ليس واردا في قاموس المقاومة.

إلى الأعلى
×