بقلم حمادي المثلوثي
تكشف عزلة الكيان الصهيوني المتزايدة أنّ صمود الشعب الفلسطيني والمقاومة المسلحة لم يذهبا سدى. من غزة المحاصرة إلى ساحات التضامن العالمي، يتقدّم مشروع المقاطعة وتجريم التطبيع كأداة نضال فعّالة تضع الامبريالية والصهيونية في موقع الدّفاع وتعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية.
إنّ هذه التطوّرات ليست معزولة عن السّياق التّاريخي الطويل للمواجهة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، بل هي نتاج تراكم نضالي ممتدّ منذ نكبة 1948 مرورا بكل الانتفاضات حتّى ملحمة 7 أكتوبر 2023 وما تلاها من مواجهات.
من 7 أكتوبر إلى اليوم: كسر أسطورة التفوّق الصهيوني
منذ 7 أكتوبر دخلت المقاومة الفلسطينية مرحلة جديدة كسرت من خلالها أسطورة التفوق الصهيوني وأحرجت حلفاءه الإمبرياليين، فتعالت الأصوات في العالم (الجامعات والبرلمانات والنقابات)، مطالبة بفرض العقوبات وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني. معمّقة حصار الاحتلال في المحافل الدولية ومعزّزة لحركة المقاطعة عالميا، فاتحة بذلك أفقا استراتيجيا للقوى التحرّرية العربية والدوليّة لمساندة قضية فلسطين العادلة.
ومع تصاعد العدوان الوحشي على غزّة شهد العالم موجات غير مسبوقة من التظاهرات في العواصم العربية والغربية والآسيوية والأمريكية تندّد بالاحتلال وتضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف حازمة ضدّ حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني النازي في غزّة، حتّى داخل الولايات المتّحدة الأمريكية نفسها وأوروبا ظهرت أصوات وازنة في الجامعات والبرلمانات ومظاهرات عارمة في عديد العواصم والمدن تطالب بوقف الدعم العسكري للكيان الصهيوني وتندّد بسياسات الإبادة والتهجير القسري.
العزلة ثمرة المقاومة الباسلة
إنّ هذه التحوّلات العميقة والجوهرية ليست إلاّ مؤشرات دالة على ضعف المنظومة الامبريالية-الصهيونية وتأكيد على أنّ المقاومة الشعبية المنظّمة هي السبيل الأنجع لاستثمار هذه العزلة المتزايدة للكيان الغاصب وتحويلها إلى قوّة ماديّة وسياسيّة لصالح النضال التحرّري. لذلك لا بدّ من الربط بين النضال الوطني الفلسطيني والحركة العمّالية والشعبيّة في العالم باعتبارها القوة الأكثر ثوريّة والتزاما بقضايا التحرر، فيصبح بذلك دعم القضية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من مشروع التغيير الاجتماعي والسياسي الشامل ضدّ الاستبداد والنهب والعمالة.
المقاطعة واجب وطني وأممي
ضمن هذا السياق العام على جميع القوى الوطنية في الوطن العربي والعالم أن تعمل على تعزيز المقاطعة الشاملة للكيان الصهيوني وتجريم التطبيع في القوانين الوطنية وتكثيف الحملات الشعبية في الشوارع والجامعات والنقابات و العمل دون كلل ولا ملل على وضع حدّ للسياسات الرسميّة المتخاذلة والعميلة التي تغضّ الطرف عن جرائم الاحتلال أو تلك التي تبرّره بحجج واهية ليستمر تعاونها الأمني والاقتصادي مع الكيان الصهيوني.
فكل خطوة في اتجاه التطبيع تقوّي الاحتلال وتضعف المقاومة، وكل خطوة في اتجاه المقاطعة وتجريم التطبيع تعزّز عزلة الكيان وتضعفه وتضعه تحت ضغط مستمر.
لقد أثبتت تجارب حركات التحرّر الوطني عبر التاريخ أنّ العزلة لا تتحقق إلاّ بالنّضال الميداني والصمود الشعبي، فكما انهار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بفعل المقاومة الدّاخلية والتضامن الأممي، يمكن للشعب الفلسطيني، مدعوما بالقوى التقدّمية العالمية أن يحقّق نفس النّتيجة.
إنّ الانتفاضات المتعاقبة ومقاومة الحصار وتضحيات الأسرى والشهداء وملحمة طوفان الأقصى كلّها عوامل راكمت الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينيّة فأوصلتها لكل بيت وكل ساحة ،ليصبح الاحتلال غير قادر على إخفاء جرائمه ولا على تسويق نفسه كضحيّة، بل أصبح معزولا ومحاصرا في الرأي العام العالمي رغم استمرار دعم القوى العظمى.
فالمطلوب اليوم هو توحيد المقاومة وتوسيع المشاركة الشعبية لتحويل طوفان الرفض الشعبي إلى عقوبات حقيقية، لأن عزلة الكيان الصهيوني اليوم ليست هي نهاية الطريق بل بداية مرحلة جديدة من الصّراع، فالإمبريالية الأمريكية والأوروبية لن تتخلّى بسهولة عن هذا الكيان المجرم الذي يعتبر قاعدة متقدّمة لخدمة مصالحهم ومآربهم.
لذلك فالمعركة المقبلة سوف تكون حول كيف نحوّل هذا الرفض الشعبي والضغط الدولي إلى قرارات رسمية وعقوبات حقيقيّة ومقاطعات شاملة تشمل السلاح والاقتصاد والثقافة والرياضة ولن يتحقّق ذلك إلاّ باستمرار النضال الميداني الموحّد لجميع فصائل المقاومة وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية واستمرار نضال ومساندة الحركات الثورية و الشعوب في العالم.
سيبقى الكيان الصهيوني قادرا على إعادة التموضع والهجوم وهنا تأتي مسؤولية كل القوى الثورية والتقدّميّة والعمّالية للوعي بضرورة ربط نضالها ضدّ الامبريالية والاستغلال الداخلي بنضالها الأممي ضدّ الاستعمار والصهيونية بما يشكل جبهة عالمية موحّدة في مواجهة الامبريالية والصهيونية والرجعية وفي جعل فلسطين محور نضالها الأممي.
بالمحصلة نؤكّد بأن عزلة الكيان الصهيوني النازي دوليا هي ثمرة من ثمار المقاومة المستمرّة منذ عقود وأنّ هذه الثمرة يجب حمايتها وإسنادها ورعايتها حتى تؤتي نتائجها السياسية والاستراتيجية كاملة. كما نشدّد على أنّ كل تضحيات الشعب الفلسطيني ستظل المنارة التي تهدي الشعوب المناضلة في المنطقة والعالم نحو التحرّر والانعتاق من الاستعمار والهيمنة.
صوت الشعب صوت الحقيقة
