بقلم نبيل بن علي
يعود تركيز المجمع الكيمياوي في قابس إلى بداية السبعينيات كمشروع جهوي ليصبح فيما بعد مشروعا وطنيا يدرّ الأرباح على خزينة دولة الكمبرادور والتبعية، لكن بعد عشرات السنين ترهلت التجهيزات واستهلكت (amortis) فأصبحت أواخر التسعينات مصدرا للتلوث تنفث سمومها الغازية والمادية في الهواء والبحر والواحات. ورغم ذلك تواصل العمل بها سعيا لتكديس الأرباح على حساب أرواح المواطنين في قابس.
ورد في تقرير تدقيق بيئي بتاريخ جويلية 2025 أعدّه فريق “بحاث” عدم مطابقة نسب التلوث البيئي للمعايير البيئية المتفق عليها دوليا.
* المياه: أرقام كارثية
يضخّ المجمع الكيمياوي يوميا 50.880 م3/ساعة مياه تبريد ملوثة في البحر.
– حموضة 2.5 = PH (الطبيعي 5.5 – 9.5)، نسبة الحموضة هذه في الماء تتلف الأنابيب والأجهزة المعدنية. تسبّب جروحا وتهيّجا في الجلد وتعد خطرا بيئيا وصحيا كبيرا.
– الفلور 100 ملغ/ل (الحدّ الأقصى 3 ملغ/ل. 33 ضعف).
– الفسفور 8.73 ملغ/ل (الحدّ الأقصى 2 ملغ/ل. 4 أضعاف).
* الفوسفوجيبس : تصحّر بحري وتسمّم بيئي.
الكمية المصروفة يوميا: ما بين 14.000 و15.000 طن في الخليج تحتوي على:
– 13 كغ فلور / الطن
– 5 – 20 غ كاديوم / طن
– معادن ثقيلة (زنك ، كروم ، نحاس)
تقرّ تقارير التدقيق بعدم مطابقة جسيمة للمعايير وتأثير مدمر على البيئة البحرية.
* الهواء : تلوث خارج السيطرة
آخر قياس الانبعاثات في 2010 فقط!
– ثاني أكسيد الكبريت: 7805 (الحدّ الأقصى 300، حوالي 26 ضعف)
– فلوريد الهيدروجين : 184 (الحدّ الأقصى 5، حوالي 36 ضعف)
– ثاني أوكسيد النيتروجين: 924 (الحدّ الأقصى 500. حوالي الضعف)
– غبار : 68 (الحدّ الأقصى 40. حوالي الضعف)
* نفايات خطرة وضوضاء
– مواد خطرة (فاناديوم، حمأة كاديوم) بلا تتبع أو عزل
– الضجيج : 90 ديسيبل (الحد 85) عدم حماية العمال.
انطلاقا من هذه المعطيات الواردة في تقرير التدقيق البيئي حيث تجاوزت نسب التلوث كل المعايير الدولية بأضعاف، خرج مواطنو قابس تحت ضغط انتشار الأمراض المختلفة تنفسية وهشاشة العظام والسرطانية التي طالت أبناءهم، وإثر اختناق العشرات من التلامذة، في مسيرات حاشدة سلمية رافعين شعارا واحدا : “تفكيك الوحدات”.
كانت قابس ولا زالت ضحية سياسات اجتماعية واقتصادية فاشلة في كل المجالات وخاصة منها في المجال البيئي الذي أصبح بوابة موت لكل مظاهر الحياة في البر والبحر، حيث تمّ القضاء على الثروة السمكية في البحر التي كانت مورد رزق لعديد العائلات وتهديدا لحياة المواطنين خاصة بالأمراض السرطانية التي قضت على العديد حيث فقدت عديد العائلات فردا أو فردين من بين أفرادها. ولما خرج الأهالي محتجين عن الوضع البيئي المتردي مطالبين بحقهم في بيئة نظيفة سليمة واجهتهم حكومة المنظومة الشعبوية الفاشلة من جهة بالماتراك والغاز المسيل للدموع وبالإيقافات ومن جهة أخرى بتشويه هذه الاحتجاجات بأنه يقف وراءها متآمرون على السلطة، وأنه لا يمكن غلق هذه الوحدات لما تدره على خزينة الدولة من موارد، وكأن هاته الأرباح أغلى من حياة مواطني قابس، مع العلم أن الأدوية التي تستوردها الدولة لمختلف الأمراض نتيجة التلوث وضياع الثروة السمكية ، تضاهي تكلفتها هاته الأرباح.
التلوث مسّ عديد الجهات بنسب متفاوتة: قفصة وصفاقس والهوارية وبن عروس…الخ لكن دولة الكمبرادور والتبعية مواصلة في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الفاشلة مضحية بحياة المواطنين وهذا ما عاشته وتعيشه قابس.
الأكيد أن منظومة الحكم الشعبوية عاجزة عن إيجاد الحلول لما يعانيه الأهالي من مظالم وعلى رأسها مسألة التلوث وهذا ينسحب على كل الجهات.
الأزمة المركبة التي تعيشها البلاد اليوم في حاجة ملحة إلى منوال تنموي جديد في إطار برنامج وطني كبير يقطع مع الماضي ويؤسس لمرحلة جديدة تكون فيها سيادة الشعب على ثروات بلاده ويقطع كذلك مع الهيمنة الإمبريالية ومع خدمها في الداخل.
صوت الشعب صوت الحقيقة
