الرئيسية / الافتتاحية / أمام استفحال القمع: لا حل إلاّ في التصدّي للجور والظلم
أمام استفحال القمع: لا حل إلاّ في التصدّي للجور والظلم

أمام استفحال القمع: لا حل إلاّ في التصدّي للجور والظلم

عاد ملفّ الحريات ليطرح من جديد وعاد التونسيات والتونسيون يتابعون أخبار بلدهم عبر الفضائيات الأجنبية ومن خلال بيانات المنظمات الدولية والوطنية والشبكة الاجتماعية كما كان الحال في عهد بن علي. صحيح أنّ الانتهاك الممنهج للحقوق العامة والفردية لم ينقطع يوما منذ انقلاب 25 جويلية 2021، لكن الوتيرة ما انفكت تتصاعد خلال المدة الأخيرة مع تفاقم الأزمة العميقة والهيكلية التي تنخر منظومة الحكم اللاوطنية واللاشعبية القائمة. إنّ نظام قيس سعيد مثل أضرابه من أنظمة الاستبداد يُصعّد من استهداف خصومه أفرادا و تنظيمات وفعاليات وحراكات اجتماعية كلّما اشتدت أزمته وازدادت صعوباته التي تشمل اليوم كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، الداخلية منها والخارجية.

لقد ظل سعيّد منذ انتصابه حاكما فرديّا مطلقا يكرّر سرديّته التي تتمثّل في إلقاء مسؤوليّة تواصل تدهور أحوال الشّعب في ظلّ حكمه على “الخونة والمتآمرين” و”جيوب الردّة التي يخوض ضدّها حرب تحرير شاملة” ممنّيا عامة النّاس بقرب “الخلاص”. ولكن مرّ العام بعد العام وتمّ القذف بعشرات السياسيين والإعلاميين والنقابيين ورواد الشبكة الاجتماعية في السجن لكنّ أحوال الشعب لم تتغير بل ازدادت سوء وهو ما وسّع دائرة المنتقدين والمعارضين التي شملت عناصر من أقرب المقرببن للحاكم بأمره بمن فيهم نواب في برلمان الدمى أصبحوا لا يتوانون عن نعته بالفاشل وعن التشكيك في دوافع حملاته القمعية بل فيهم من اعتبره منقطعا عن الواقع وبعيدا كل البعد عن مشاغل الشعب ومطالبه. ولكن الفاشل، حتّى يغطّي فشله ويمرّر ميزانيته الجديدة التي لا تختلف جوهريا عن سابقاتها والتي من شأنها مفاقمة أوضاع الشعب، خيّر كالعادة الهروب إلى الأمام.

لقد أعلنت سلطة الانقلاب في المدة الأخيرة الهجوم على الجمعيات والمنصات الإعلامية باسم “التحري في تمويلاتها وسلامة تسييرها المالي”، فلا يمرّ يوم تقريبا دون تجميد نشاط جمعية أو منصّة إعلاميّة لمدة شهر قد تتبعه خطوة جديدة وهو الحلّ، والجميع على قناعة أن الغرض الحقيقي هو ضرب “الوسائط” التي تُعنى خاصّة بالشأن العام وتنتقد النظام وأنّ قائمة المستهدفين قد تشمل في القادم من الأيام والأسابيع والأشهر النقابات والأحزاب السياسيّة لفرض صمت القبور وتصحير الحياة العامة وحرمان الشعب من أدوات التعبير وآليات التمثيل الديمقراطي وأطر التنظّم للدفاع عن حقوقه. وفي نفس الوقت تتواصل المحاكمات السياسية متخذة أشكالا مهزليّة لا تراعي أبسط شروط المحاكمة العادلة على غرار ما حصل في محاكمة الأستاذ أحمد صواب التي دامت 7 دقائق وأسفرت عن الحكم عليه بخمس سنوات سجنا دون أن يحضر ويحضر محاموه، كلّ هذا في انتظار ما سيحدث في سلسلة المحاكمات القادمة التي ستشمل سنية الدهماني ومراد الزغيدي وبرهان بسيس وعبير موسي علاوة على استئناف قضية التآمر.

لكن من الواضح أنّ رغبة الدكتاتور ستصطدم بمقاومة أقوى من السابق فكلّ ما يتخذه من خطوات قمعية جديدة وكل ما يقرره من إجراءات اقتصادية واجتماعية مفلسة في ميزانيته لا يفعل سوى تغذية مزيد النقمة واتساع دائرة النقد والمعارضة والدفع نحو التحرّك لإيقاف تيار الانهيار الجارف. وهو ما تشهد به تحركات قابس والمعطلين عن العمل وإضراب أعوان البنوك في المدة الأخيرة. وهو ما تشهد به اليوم حالة التضامن مع الأستاذ أحمد صواب بعد صدور الحكم الجائر عليه ومع الأستاذ جوهر بن مبارك الذي يخوض إضرابا وحشيا عن الطعام الخ… كما تشهد عليه موجة الاستنكار التي تلت جملة الإجراءات التعسفية التي لحقت عددا من الجمعيات والمنظمات والدعوات المتصاعدة للتصدي لهذا التدهور الخطير في أوضاع الحريات، في انتظار ما سيقرره كلّ من اتحاد الشغل ونقابة الصحافيين بخصوص الإضراب العام الذي لوّحا به. وبشكل عام فإن حالة الغضب والاستياء تزداد ومعها يزداد التحفّز للنضال.

إنّ الدهورة المتصاعدة لأوضاع الحريات العامة والفردية واعتماد القمع والتنكيل والتشويه والمغالطة أسلوب حكم إضافة إلى الإمعان في نفس الخيارات التي تعيد إنتاج التبعية والفقر والبطالة والبؤس وتردّي الخدمات العامة كما تشهد بذلك ميزانية العام الجديد لن يزيدا حكم قيس سعيّد إلّا افتضاحا وهو ما من شأنه أن يسرّع بنهايته. وفي هذه الحال فإن دور القوى الثورية والتقدمية هو اليقظة والوعي والتنظبم حتى لا يقع السطو مجددا على نضال الشعب. إن سقوط الديكتاتورية يجب أن يكون في اتجاه الديمقراطية الحقة وهي الديمقراطية الشعبية التي تلغي كل الخيارات والسياسات اللاوطنية واللاشعبية وترسي بدائل تكرس سيادة الشعب على مقدراته وعلى قراره.

إلى الأعلى
×