بقلم علي الجلولي
أصدر مجلس الأمن الدولي يوم 31 أكتوبر 2025 القرار 2797/2025 الذي حمل بعض الجديد مقارنة بالقرارات السابقة، سواء الصادرة عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن ذاته، أو بقية الهيئات الدولية والإقليمية. والجديد هو تنصيص القرار على اعتبار المقترح الذي تقدم به الملك المغربي حول الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هو “الحل الأفضل” للمسألة الصحراوية. لقد استتبع إعلان هذا القرار حملة إعلامية وسياسية من قبل النظام المغربي الذي اعتبر القرار إنصافا لمقاربته وتوجه الملك بخطاب دعا فيه الجارة الجزائر التي انقطعت معها العلاقات الرسمية منذ أوت 2021 (الحدود مغلقة منذ 1994) إلى الدخول في “حوار أخوي” للمساعدة على حل الإشكال الصحراوي. وفيما اعتبرت جبهة البوليزاريو أنّ القرار يحمل انحيازا للجانب المغربي، فإن التنصيص على استمرار عمل لجنة الإعداد للاستفتاء، هو بمثابة الاعتراف الضمني بكون الحل لن يكون إلا بالآليات الشرعية وأساسا الاستفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي.
وقد استقطب الموضوع الرأي العام الإقليمي والدولي في ظل أوضاع تتجه أكثر نحو التوتر في أكثر من مكان في العالم. فكيف نفهم سياق القرار وخلفياته ومضمونه؟ وهل يستجيب هذا القرار لتطلعات الشعب الصحراوي؟ وهل من العادل دعوة الصحراويين إلى تقرير المصير الذي قد يكون بالانفصال عن الدولة المغربية؟
القضية الصحراوية عبر التاريخ
بالعودة إلى التاريخ القريب يفصح لنا أن الصحراء الغربية كانت مستعمرة إسبانية من سنة 1884 إلى سنة 1975، خاض شعبها نضالا عنيدا أولا للتمسك بهويته الوطنية والثقافية، وثانيا لرفض الاحتلال الذي انطلق في البداية في منطقة الساحل ثم تمّ تعميمه سنة 1958 ليمتد إلى الساقية الحمراء ووادي الذهب حين “عمّم” الاحتلال الإسباني أن مجمل الصحراء الغربية هي مقاطعة إسبانية عاصمتها الإدارية مدينة “العيون”. وقد فرض نضال الشعب الصحراوي على الاحتلال الإسباني الاعتراف بحق تقرير المصير، واعترف أمام الأمم المتحدة بضرورة تصفية الاستعمار في هذا الإقليم، وعوض التمتع بالاستقلال اتجهت الأمم المتحدة إلى إصدار قرار في 20 ديسمبر 1966 يدعو إلى تنظيم استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، ثم القرار 2354 في 19 ديسمبر 1967، لكن تلكؤ الإدارة الاستعمارية أعطى اندفاعة جديدة للحركة الوطنية الصحراوية إذ تمّ إعلان تأسيس الحركة الطليعية لتحرير الصحراء سنة 1968 التي قادت نضال الشعب الصحراوي، من ذلك انتفاضة الزملة في 17 جوان 1970 التي أغرقها الاحتلال في الدم. خلال حقبة الاستعمار الإسباني لم يعتبر المخزن المغربي أنّ الصحراء مغربية ولم ينخرط في أيّ نضال أو ضغط من أجل تحرير الصحراء، ففي 14 سبتمبر 1970 أكّد الملك المغربي صحبة رئيسي الجزائر وموريتانيا تأييد حق الصحراويين في تقرير المصير والاستقلال، وتمّ تشكيل لجنة ثلاثية لتنسيق التعاون لتطبيق قرارات الأمم المتحدة. علما وان المغرب بدأ يعبّر عن مطامعه في الصحراء منذ 1957 حين طالب رسميا في 14 نوفمبر بضمّ موريتانيا والصحراء الغربية لترابه وذلك في الأمم المتحدة.
في 10 ماي 1973 تمّ تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليزاريو) التي أعلنت بعد 10 أيام انطلاق الكفاح المسلح ممّا أجبر الإسبان على الدخول في مفاوضات مع “البوليزاريو” في 9 سبتمبر 1975 حول ترتيبات الاستقلال ومستقبل العلاقات بين الدولتين وتبادل الأسرى، وفي شهر أكتوبر تمّ الإعلان عن قيام الإدارة الصحراوية في المناطق المحررة.
وفي الوقت الذي كانت فيه الحركة الوطنية الصحراوية تستعد لبداية بسط سلطتها على أراضيها، قام المخزن المغربي بتنظيم هجومه على الصحراء وشعبها وبدأ ذلك بتنظيم “المسيرة الخضراء” كما سمّاها الحسن الثاني والتي تمثلت في تنظيم “زحف” قوامه 350 ألف من أزلام الملكية يوم 6 نوفمبر 2025 وصلوا إلى مدينة العيون الصحراوية، وبعد أسبوع وتحديدا يوم 14 نوفمبر 1975 وقّع النظام المغربي اتفاقية جديدة مع إسبانيا وموريتانيا تقرّ اقتسام الأراضي بين البلدين الجارين، وضمان مصالح إسبانيا ونصيبها من ثروات الصحراء. وبذلك بدأ الاحتلال المغربي للصحراء الذي ما يزال متواصلا حتى اليوم. ورغم إصدار الأمم المتحدة للقرار 1514 الذي ينصّ على حق تقرير المصير للشعب الصحراوي إلا أنّ النظام المغربي قام بكل ما يعزز سيطرته على الإقليم وخاصة بعد “اتفاقية هيوستن” في 6 سبتمبر1991 التي تنصّ على وقف إطلاق النار بين الدولة المغربية وجبهة “البوليزاريو” في أفق إنجاز الاستفتاء على مصير الصحراء وتقرير مصيرها من قبل شعبها إمّا بضمان الاستقلال الكامل أو بالبقاء تحت السيادة المغربية مع التمتع بالحكم الذاتي. وبطبيعة الحال قام النظام المغربي بكل التعطيلات التي تضرب إمكانية إنجاز الاستفتاء مثل التلاعب بالسجلات المدنية والعمل على تغيير التركيبة الديموغرافية للمناطق الصحراوية بغزوها بالمغاربة مقابل تشريد أكثر ما أمكن من الصحراويين في المناطق المغربية سواء من خلال شراء الذمم وممارسة مختلف الضغوط وخاصة من خلال القمع السافر الذي تعرّض له النشطاء من المتمسكين والمدافعين على مبدأ تقرير المصير، وهو ما طال أيضا المناضلين المغاربة وتحديدا من اليسار الجذري والحركة الماركسية اللينينية التي كانت تقريبا القوة الوحيد التي دافعت علنا وبكل وضوح عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، هذا الشعب الذي انقسم ترابيا بين “الجزء المحتل” الخاضع لسيادة النظام المغربي، و”الجزء المحرر” وهي عموما أراضي المخيمات في “تندوف” ومحيطها تحت سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بزعامة “البوليزاريو” التي تحوز اعترافا دوليا وإقليميا واسعا، لكنه بدأ في التراجع لحساب المقاربة المغربية الرسمية على خلفية مواقف وتحالفات النظام المغربي الذي قدّم كل ما طلب منه من قبل الامبريالية والرجعية العربية لتسهيل عملية الالتفاف على الاتفاقيات الحاصلة مع الطرف الصحراوي، ممّا حدا بجبهة “البوليزاريو” أن تعلن يوم 14 نوفمبر 2020 إنهاء الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، علما وأنّ العام ذاته هو عام اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء في العهدة الأولى لترامب، كما اتجه كيان الاحتلال إلى نفس القرار في إطار الانخراط اللامشروط للمخزن في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأيضا بعض الدول الامبريالية مثل فرنسا وبريطانيا التي تتجه جميعا إلى مكافأة النظام المغربي الذي يشكل اليوم قاعدة متقدمة للإمبريالية وكيان الاحتلال لتنفيذ سياستها في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، وضمن هذا السياق صدر القرار 2797 يوم 31 أكتوبر الجاري الذي فهمه مناهضو الامبريالية والنظام المغربي العميل على أنه مجازاة ومكافأة ومحالة التفاف على طموحات الشعب الصحراوي الذي يعاني الأمرين سواء في مخيمات الشرق أو حصار الغرب.
ثروات الصحراء الغربية وموقعها جلبا الاحتلال القديم والجديد
لا شك أنّ ثروات الصحراء المتمثلة خاصة في الفسفاط والحديد والثروات المعدنية التي تحوزها أحشاء أرضها أو سواحلها الأطلسية في منطقة هي الأثرى عالميا من جهة المقدرات السمكية كما ونوعا، وموقعها الاستراتيجي كبوابة لشمال إفريقيا ولمنطقة الساحل، هي التي تفسّر التكالب الاستعماري القديم والحالي على هذه البلاد، كما تفسّر تكالب النظام المغربي على ضمّ الصحراء حتى يبرز كقوة إقليمية وازنة خاصة أمام الجار/الخصم التاريخي وهو الجزائر، هذا البلد المستهدف اليوم مجالا وثروات ويعدّ المغرب أرض المراقبة والضغط عليه. لقد استنفر النظام المغربي كل إمكانياته لوضع اليد على مقدرات الصحراء لنهب خيراتها من قبل الرأسمال المخزني الطفيلي الريعي التابع للاحتكارات العالمية التي تعتبر الحاكم الفعلي للمنطقة والقارة، مثلما كان الأمر طيلة فترة الاستعمار المباشر حيث ظل الاحتلال الإسباني للصحراء على العموم في حالة تقاطع مع الاحتلال الفرنسي الذي كان يشمل كامل شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء. كان التقاطع لشل المقاومة التي كانت متداخلة ومتضامنة، ولوضع اليد على مقدرات المنطقة وثرواتها ضمن منطق الصراع والوحدة، وحدة المنطق الاستعماري وصراع مصالح الكارتيلات التي لا ترى في المنطقة إلا مقدراتها التي يجب نهبها وسرقتها وحرمان أصحابها الأصليين منها. لقد نهب التاج الإسباني مقدرات الإقليم و هو الذي أسس “الشركة الوطنية للمعادن الصحراوية” سنة 1962 بعد اكتشاف وجود ثروات هامة من الفسفاط خاصة في منطقة “بوكراع”، وقد استغلت الشركة بعضا من الثروة واشتركت بأسهم لدى الشركات الأجنبية العملاقة التي تنشط في كامل شمال إفريقيا وعلى طول القارة. كما نهب الاستعمار الفرنسي المباشر والجديد مقدرات الصحراء مثل مقدرات المغرب وموريتانيا، ولعبت الأنظمة المنصّبة دور الوكيل للرأسمال الأجنبي مقابل الفتات من ثروات منطقة من أغنى مناطق العالم لا تزال شعوبها تعيش الغبن والمهانة.
نضال الشعب الصحراوي من أجل تقرير المصير هو نضال عادل
إنّ نضال الشعب الصحراوي لا يمكن إلا أن يكون نضالا عادلا ومشروعا ضدّ الاحتلال الإسباني وحليفه الفرنسي، وضدّ التدخل المغربي الذي لم يطلق رصاصة ضدّ الاحتلال وكان “يتبرّأ” من الصحراء، وحين بدأ مسار تحررها بفضل النضال العنيد لشعبها انتصب لتعويض الاحتلال القديم. إنّ مناهضة الاحتلال المغربي ومساندة النضال التحرري للشعب الصحراوي هي واجب على كل القوى الوطنية والتقدمية في العالم، وهو موقف عبّرت عنه كل قوى التقدم المعادية للاستعمار في العالم التي ساندت الفضية الصحراوية مثل مساندة القضية الفلسطينية وقبلها الفيتنامية والجزائرية والجنوب إفريقية وغيرها. وقد ساندت القوى التقدمية في تونس هذه الفضية العادلة، ولم تنخرط في موقف بعض القوى الموالية للأنظمة التي تريد نشر مغالطة أنّ المطلوب من الشعوب العربية هو الوحدة وليس مزيد الانقسام والتفتّت. إنّ هذا الموقف متهافت ويعمد إلى خلط الأوراق متناسيا أنّ الوحدة الحقيقية هي التي تصنعها الشعوب الحرة وليس الأنظمة العميلة والتابعة. إنّ نظام المغرب لا هاجس له مطلقا في توحيد الشعوب بل هاجسه الوحيد والأوحد هو وضع الصحراء الغربية شعبا ومقدرات تحت كلاكل هيمنته الطبقية اللاوطنية، هدفه هو وضع شعب الصحراء تحت الهيمنة الامبريالية والصهيونية. إنّ مساندة الشعب الصحراوي لا تعني انخراطا في مزيد تفتيت المفتت وتقسيم المقسم بل انتصارا لحق شعب في تقرير مصيره وبناء كيانه الحر والمستقل ليناضل مع بقية الشعوب من أجل التقدم والوحدة التي لن تنجزها الأنظمة والطبقات السائدة، بل هي سيرورة تحرر معقدة تنجزها الشعوب بذاتها لذاتها.
إننا ننحاز إلى النضال المشروع للشعب الصحراوي الشقيق، ويعتبر التمسك بحق تقرير المصير وإنجاز الاستفتاء الشعبي بمعاييره وضوابطه العادلة مدخلا لتصفية احتلال شعب من قبل “دولة شقيقة” لم تستأسد إلا في وجه شعب مسالم، لكن إرادة الشعوب ستنتصر مهما كان حجم التآمر بما فيه الالتفاف على القرارات التي انتزعتها القضية الصحراوية من الأمم المتحدة والتي يراد اليوم وأدها تحت أوامر المجرمين ترامب وناتن ياهو ودعم حكام العار عصابة الحلف الابراهيمي.
صوت الشعب صوت الحقيقة
