الرئيسية / عربي / قرار أممي جديد يحمل رائحة التطبيع في ملف الصحراء الغربية: تكريس للواقع على حساب الشرعية الدولية
قرار أممي جديد يحمل رائحة التطبيع في ملف الصحراء الغربية: تكريس للواقع على حساب الشرعية الدولية

قرار أممي جديد يحمل رائحة التطبيع في ملف الصحراء الغربية: تكريس للواقع على حساب الشرعية الدولية

بقلم سارة منصور

اعتمد مجلس الأمن الدولي في جلسته الأخيرة بتاريخ 31 أكتوبر 2025 القرار رقم 2756 (2025) المتعلق بقضية الصحراء الغربية حيث جدد ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) لمدة عام إضافي ودعا إلى “حل سياسي واقعي وعملي ودائم قائم على التوافق” بين الأطراف المعنية.

هذا النص الذي يتطابق إلى حد كبير مع عشرات القرارات السابقة منذ عام 1991مثل القرار 690 الذي أنشأ المينورسو أصلا يعيد تكرار العبارات الدبلوماسية الغامضة دون أي آلية تنفيذية ملزمة لإجراء الاستفتاء الذي وعد به الشعب الصحراوي منذ أكثر من ثلاثة عقود مما يعكس عجزاً مزمناً في آليات الأمم المتحدة عن مواجهة التعنت المغربي.

الطبيعة القانونية للقضية: تصفية استعمار غير مكتملة وليست نزاعاً حدودياً

ليست قضية الصحراء الغربية كما يحاول الخطاب المغربي تصويرها مجرد “نزاع إقليمي” أو “خلاف حدودي” بين دولتين جارتين بل هي في جوهرها قضية تصفية استعمار (decolonization) مؤجلة ومُعطلة وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة (الفصل الحادي عشر، المواد 73-74) ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بحق الشعوب في تقرير مصيرها (self-determination). كانت الصحراء الغربية مستعمرة إسبانية مدرجة رسمياً في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي لدى لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة (القرار 1542 للجمعية العامة عام 1960) ولم تكن يوماً جزءاً عضوياً من المغرب التاريخي أو السياسي.

في رأيها الاستشاري الصادر في 16 أكتوبر 1975 (ICJ Reports 1975, p. 12) أكدت محكمة العدل الدولية بوضوح عدم وجود أي “روابط سيادة قانونية” (ties of territorial sovereignty) بين الصحراء الغربية والمملكة المغربية أو الجمهورية الإسلامية الموريتانية مستندة إلى فحص تاريخي للمعاهدات والعلاقات القبلية.

بل اعتبرت المحكمة أن مبدأ تقرير المصير كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة 1514 (XV) لعام 1960 المعروف بـ”إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة” ينطبق بشكل كامل على الشعب الصحراوي (المعروف باسم الشعب الصحراوي أو الساقية الحمراء ووادي الذهب).

هذا الرأي يُلزم الأمم المتحدة بتنظيم استفتاء حر ونزيه يتيح للسكان الأصليين الاختيار بين الاستقلال أو الاندماج أو الارتباط الحر.

رغم توقيع اتفاق هيوستن لوقف إطلاق النار في 6 سبتمبر 1991 بين المغرب وجبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعترف بها كممثل شرعي للشعب الصحراوي بموجب قرارات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة) فشلت المينورسو في إكمال عملية تحديد الهوية (identification process) بسبب الاعتراضات المغربية المتكررة على قوائم الناخبين، مما أدى إلى تعليق الاستفتاء إلى أجل غير مسمى منذ عام 2000.

التحولات الجيوسياسية: التطبيع كورقة مقايضة و”الواقعية السياسية” كغطاء للظلم

في سياق التحولات الإقليمية لم يعد ملف الصحراء الغربية معزولاً عن ديناميكيات النفوذ والتحالفات خاصة مع موجة اتفاقيات أبراهام (Abraham Accords) التي بدأت عام 2020، جاء الإعلان الأمريكي في 10 ديسمبر 2020 تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب بالاعتراف بـ”السيادة المغربية” على الصحراء الغربية مقابل توقيع المغرب اتفاق تطبيع مع إسرائيل ليُشكل سابقة خطيرة في اختزال حقوق الشعوب المستعمرة في صفقات ثنائية عابرة، مخالفاً بذلك التزامات الولايات المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن وقراراته السابقة (مثل القرار 242 ومبدأ عدم شرعية اكتساب الأراضي بالقوة).

منذ ذلك الحين تبنت قرارات مجلس الأمن لغة “الواقعية السياسية ” (political realism) و”الحلول العملية القائمة على التوافق” (pragmatic and compromise-based solutions) كما في القرار 2602 (2021) وما تلاه والتي تتجنب ذكر الاستفتاء صراحة وتركز على “عملية سياسية يقودها المبعوث الشخصي” (حالياً ستافان دي ميستورا).

هذه اللغة تُشبه إلى حد التطابق الخطاب المبرر لاتفاقيات التطبيع حيث يُقدم “الاستقرار الإقليمي” كذريعة لتجاهل الشرعية الدولية مما يعزز الاحتلال المغربي الذي بدأ بـ”المسيرة الخضراء” غير القانونية في نوفمبر 1975 والتي أدانتها الجمعية العامة في قرارها 34/37.

ازدواجية المعايير في الأمم المتحدة: دروس من تيمور الشرقية وجنوب السودان

تُبرز الحالة الصحراوية ازدواجية معايير الأمم المتحدة في تطبيق مبدأ تصفية الاستعمار.

نجحت المنظمة في تنظيم استفتاءات حرة ونزيهة في حالات مماثلة مثل تيمور الشرقية (1999 تحت إشراف UNAMET أسفر عن استقلال بنسبة 78.5%) وجنوب السودان (2011 بموجب اتفاق السلام الشامل أدى إلى استقلال بنسبة 98.83%).

في هذه الحالات تم تجاوز الضغوط الجيوسياسية لصالح الالتزام بالقانون الدولي.

أمّا في الصحراء الغربية فإن تعارض العدالة مع مصالح القوى الكبرى (خاصة الولايات المتحدة وفرنسا الداعمتين التقليديتين للمغرب) يحول القرارات إلى نصوص فارغة رغم إدانة الاحتلال المغربي من قبل محكمة العدل الأوروبية في أحكام 2016 و2018 التي أبطلت اتفاقيات التجارة مع الاتحاد الأوروبي بسبب عدم شمولها للإقليم المحتل.

الشعب الصحراوي: مطالب مشروعة مدعومة بالشرعية الدولية

لا يطالب الشعب الصحراوي الذي يعيش جزء كبير منه في مخيمات اللجوء بتندوف أو تحت الاحتلال بالمستحيل بل بتنفيذ الوعود الدولية المتمثلة في اتفاقية 1991 والقرارات الأممية المتتالية.

هذا الحق يُختطف اليوم تحت غطاء “الواقعية” ودفء التحالفات الجديدة مما يهدد بتصفية قضية تصفية استعمار نهائياً لصالح الاحتلال.

إلى الأعلى
×