الرئيسية / عربي / الصحراء الغربية: قرار مجلس الأمن بدعم مقترح المغرب للحكم الذاتي مع السيادة المغربية.. هل تدخل قضية الصحراء الغربية منعطفا جديدا؟
الصحراء الغربية: قرار مجلس الأمن بدعم مقترح المغرب للحكم الذاتي مع السيادة المغربية.. هل تدخل قضية الصحراء الغربية منعطفا جديدا؟

الصحراء الغربية: قرار مجلس الأمن بدعم مقترح المغرب للحكم الذاتي مع السيادة المغربية.. هل تدخل قضية الصحراء الغربية منعطفا جديدا؟

بقلم سمير جراي

أعادت أزمة الصحراء الغربية الجدل مجددا بشأن أحقية الشعب الصحراوي في تقرير المصير، كما طرحت عدة تساؤلات عن تداعيات الأزمة على العلاقات المغربية الجزائرية وهل يمكن أن تتأثر تونس بأي تطورات قد تحدث، دبلوماسية كانت أو عسكرية.

صوّت مجلس الأمن يوم 31 أكتوبر على قرار يدعم بشكل صريح مقترح الصحراء الغربية كمنطقة تتمتّع بحكم ذاتي تحت سيادة المغرب، لم تشارك الجزائر في التصويت فيما صوّت 11 عضوا لصالح القرار، وامتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، كما جدد القرار ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الإقليم (مينورسو)، داعيا إلى استئناف العملية السياسية عبر مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع.

لا شك في أن هذا القرار يُعدّ تغييرا نوعيا في موقف مجلس الأمن تجاه الصحراء الغربية، إذ أعطى دعما واضحا لمقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب عام 2007، ومن شأن هذا التوجّه أن يضع ضغطا أكبر على البوليساريو والجزائر للجلوس على طاولة المفاوضات، لكن القرار لا يعني تسوية نهائية أو إلغاء حقّ تقرير المصير بصورة مباشرة.

ونلاحظ هنا تراجع مجلس الأمن عما جاء في قراره رقم 972 لسنة 1994 والذي ينص صراحة على وجوب إجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، ولا يوجد فيه تنصيص على السيادة المغربية على الإقليم، لكن النظام المغربي الذي يحتل منذ 1975 جزءا كبيرا من الإقليم عرقل إجراء الاستفتاء. وهكذا يأتي القرار الجديد كما هو واضح لصالح النظام المغربي في سياق تفاهمات مع الإمبريالية الأمريكية. فهو دعم لنظام “المخزن” مقابل تطبيعه شبه الكامل مع الكيان الصهيوني، وهو ما يفسّر تهاني نتنياهو لملك المغرب إثر صدور القرار وما وصفه بـ”الانتصار الكبير للدبلوماسية المغربيّة.”

كما أن القرار يمثل من جهة أخرى مدخلا لأطماع ترامب الرأسمالية في استغلال ونهب ثروات ومقدرات الصحراء الغربية، في ظل صراعه مع بقية القوى الإمبريالية التي تعمل على حل أزماتها على حساب بعضها البعض، وأساسا على حساب شعوب العالم المفقّرة.

جبهة البوليساريو: حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير “غير قابل للتنازل”

إن القرار ولو حافظ على الصيغة الدبلوماسية المعتادة، فقد فجّر ردّا حادا من جبهة البوليساريو التي أعلن زعيمها إبراهيم غالي أنهم لن يكونوا طرفا في أية مفاوضات لا تحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. رغم تعبيره عن استعداد الطرف الصحراوي للتعاون البناء مع المسار السلمي للقضية، معتبرا أن المقاربات أحادية الجانب لن تؤدي إلا إلى تفاقم النزاع وتعريض المنطقة للخطر.

كما أشار غالي إلى أن القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي ذكر شعب الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو بالاسم وكذلك مسألة تقرير المصير، مبرزا أن المجلس احتفظ بالقرارات السابقة حول النزاع وأكد مبدأ تقرير المصير مع الترحيب بأية مقترحات من طرفي النزاع للوصول إلى حل عادل ودائم له، مع التأكيد على طرفي النزاع وتمديد بعثة الأمم المتحدة للإشراف على الاستفتاء مما يعكس التزامه بحل للقضية.

اعتبارا لهذا الردّ يبقى العنصران الحاسمان في المعادلة بشأن الصحراء الغربية هما الشعب الصحراوي و”جيش التحرير”.

موقف البوليساريو يشير إلى أنها لم تقبل بالمقترح كقاعدة تفاوضية، ورفض مشاركتها في أي مفاوضات لا تحترم حقها في تقرير المصير، يعني أن أي عملية تفاوضية مستقبلية ستكون دون طرف رئيسي من الأطراف التي تطالب بهذا الحق، مما يعقّد إمكانية التوصل إلى تسوية سريعة.

كما يؤكد الردّ أيضا أنّ النزاع لم يصل إلى صيغ نهائية للحلّ، وأنه لا يزال قائما على أساس الحقوق الأساسية والنزاع الإقليمي، وليس فقط مفاوضات شكلية.

من جانب آخر اعتبر وزير الخارجية والشؤون الأفريقية للصحراء الغربية، محمد يسلم بيسط، العضو القيادي في جبهة البوليساريو، أن اللائحة 97-27 (القرار) تعد إيجابية، وجاءت “بعد محاولة زرع الغموض”، فضلا على أنها “توضح بشكل لا لبس فيه، وفي بندين منها، أهمية وجوهرية ومركزية موضوع تقرير المصير.”

وتبرز اللائحة بشكل واضح مركزية الأمم المتحدة وإطارها لحل هذا النزاع المتعلق بتقرير المصير وتحافظ على الهيئة الأممية (مينورسو) التي وضعها المنتظم الأممي لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره.

على الجانب الأممي، يواصل المبعوث الخاص ستافان دي ميستورا مساعيه لإعادة إطلاق المفاوضات وفق مقاربة تقوم على “الواقعية وروح التوافق”، إلا أن جهوده تصطدم بجملة من العقبات، بينها تصلّب مواقف الطرفين، وتوتر العلاقات الجزائرية ـ المغربية.

في الخطاب الرسمي بين المغرب والجزائر.. الرسائل والخيارات

ورغم أن الملك المغربي دعا في خطابه بالمناسبة إصدار القرار، الرئيس الجزائري إلى “حوار أخوي صادق لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة تقوم على الثقة المتبادلة والأخوة وحسن الجوار”، إلا أن التفاوض سيستمر بين الجميع تحت إشراف الأمم المتحدة، خاصة وأن “خيار الاستقلال الكامل” الذي تريده البوليساريو لم يُدرج في القرار كمخرج مباشر.

مازالت الجزائر، الداعم الرئيس لجبهة البوليساريو، فاعلا إقليميا متصاعدا لذلك نتوقع حدوث جمود تفاوضي طويل والأرجح أن تتجمّد العملية السياسية، فمجلس الأمن تبنّى خيار الحكم الذاتي كمقاربة أساسية، فيما ترفض البوليساريو الانخراط في أي مسار لا يتضمّن حق تقرير المصير، ولن تشجّع الجزائر البوليساريو على العودة بلا مقابل سياسي، لتبقى النتيجة المتوقعة: لا مفاوضات رسمية أو اختراق سياسي كبير في العام المقبل على الأقل.

كما يمكن أن يحدث التصعيد العسكري منخفض الوتيرة واستمرار السيناريو الحالي من عمليات محدودة على طول الجدار مع حملات إعلامية كبيرة، فالبوليساريو تريد إثبات أنها ما زالت طرفا مقاوما، ويفضل المغرب الرد بالاحتواء وليس المواجهة المفتوحة.

هل نحن في منأى عن المؤامرات الصهيوأمريكية؟

وبينما تبقى شروط الحل النهائي غائبة في المدى القريب، فإن الحق في تقرير المصير هو الشعار الذي يجب أن يبقى مرفوعا مع التمسك بقرارات الأمم المتحدة الداعمة للاستفتاء، وحتى لو ذهبت بعض النفوس المريضة إلى اعتبار الدفاع على حقوق الشعب الصحراوي هو تماهيا والتقاء موضوعيا مع الموقف الجزائري، فإن الواجب هو التذكير بالموقف المبدئي لكل أنصار الحرية والانعتاق، أن محاولة النظام المغربي ربط هذا الأمر بالجزائر مرفوض، فالقرار الأول والأخير في تقرير المصير يعود إلى المعنيين به.

لن تكون القرارات الأممية وخاصة تلك التي تصدر عن مجلس الأمن بمقترحات أمريكية وبموافقة صهيونية من الكيان المحتل بأي حال من الأحوال في صالح شعب الصحراء والمنطقة، بل إن الرائحة التي تفوح من مثل هذه القرارات ليست إلا رائحة الدمّ والبارود، فلن تسعى أمريكا ولوبيات الصهاينة إلا إلى تأجيج الصراعات في المنطقة، ودفع المغرب، التي تتماهى مع كل رؤية صهيوأمريكية، إلى صدام مع البوليساريو يليه صدام أكبر مع الجزائر يجر بلادنا حتما إلى صراعات ليست في صالح أحد، وهنا نؤكد وليس من قبيل الحدس السياسي، بل من خلال تحليل مجريات التطورات الجيوسياسية، أن منطقتنا ليست بمعزل عن المآمرة الصهيونية بأدوات وقرارات أمريكية والساعية إلى إدخالنا في أتون صراع شامل قد لا ننجو منه إذا لم تتخّذ القرارات بكل حكمة وصرامة.

إلى الأعلى
×