بقلم علي البعزاوي
شكل نظام الأسد في سوريا أحد أذرع المقاومة، ولعب دورا في تشتيت جهود الكيان الصهيوني الذي اضطر للعمل على عدة جبهات في نفس الوقت، وعدم الاستفراد بالمقاومة في قطاع غزة. ورغم أن الجيش السوري كان خارج المعركة ولم يستطع الرد على الضربات المتتالية التي تلقاها، فيمكن القول بأنّ احتضان سوريا للفصائل الفلسطينية وتدفق السلاح عبرها نحو المقاومة اللبنانية والحيلولة دون توغل الجيش الصهيوني داخل التراب السوري مكّن محور المقاومة من الصمود وتسجيل بعض النقاط الهامة التي راكم من خلالها المكاسب، بمنع العدو الصهيوني من تحقيق أهداف الحرب، ما ساهم في تأجيج التناقضات الداخلية وخاصة الصراع الحاد بين المستوى السياسي والمستوى العسكري. لكن الجبهة السورية شكلت في نفس الوقت الحلقة الرخوة التي استطاع من خلالها العدو الصهيوني بعد إسقاط حكم عائلة الأسد بتخطيط من النظام التركي والامبريالية الأمريكية التوغل داخل الأراضي السورية وضرب البنية التحتية العسكرية ومحاصرة المقاومة اللبنانية من الجهة الشرقية ومنع تدفق السلاح القادم من إيران.
لقد شكل سقوط سوريا الذي تمّ مباشرة بعد اغتيال أمين عام حزب الله وبعض قياداته العسكرية والأمنية ضربة موجعة لمحور المقاومة. ويمكن القول بأنّ العد التنازلي بدأ منذ لحظة هذا السقوط حيث استطاع العدو الصهيوني التركيز على قطاع غزة والضفة الغربية في ظل تواطئ رسمي عربي رغم تواصل المساندة من طرف المقاومة اليمنية.
النظام السوري الجديد والدور التخريبي
منذ لحظة هروب الأسد وسيطرة المجاميع الإرهابية بقيادة أحمد الجولاني على السلطة في دمشق صرّح هذا الأخير بأن النظام الجديد لا يعادي أحدا بما في ذلك الكيان الصهيوني الذي شرع في التوغل داخل الأراضي السورية دون مقاومة تذكر. ولم يقع الرد حتى على ضرب المطارات ومخازن الأسلحة والمؤسسات ذات الطابع العسكري من معاهد بحوث وغيرها. في المقابل كانت الوحدات الأمنية للنظام الجديد شرسة في ملاحقة النشطاء السوريين والمحسوبين على النظام القديم من الطائفة العلوية ومصادرة الأملاك قبل أن تمتد أيدي الإرهاب التكفيري نحو المواطنين العزل في شتى المناطق السورية بما في ذلك الطائفة الدرزية التي اضطرت للاحتماء بالجيش الصهيوني.
لم يكتف النظام الجديد بذلك بل انخرط في مباحثات مباشرة مع هذا الكيان بحثا عن ترتيبات جديدة تمكّنه من رفع العقوبات وسحب صفة الإرهاب عن جبهة النصرة وتقدم خطوات في هذا المسار. وهو مستوى من التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يمكن نفيه.
كما استجاب لطلب ترامب الذي اشترط إخراج الفصائل الفلسطينية من سوريا مقابل تخفيف العقوبات. فأذن الشرع بإيقاف بعض قيادات الجهاد الإسلامي الفلسطينية وطالب الفصائل بتسليم سلاحها والاكتفاء بالأنشطة الإنسانية وشكل لجنة لمراقبة هذه الفصائل التي غادر بعض قادتها سوريا جراء التضييق والمنع. كما تمت السيطرة على مقار ومكاتب لفصائل فلسطينية قاتلت إلى جانب نظام الأسد ووقع تجميد أرصدتها. وانخرطت القوات الأمنية السورية للنظام الجديد في الاعتداء على الجيش اللبناني واستهدفت بعض جيوب المقاومة من جهة الحدود السورية اللبنانية بتعلة ملاحقة تجار المخدرات وتعهدت على الملأ بمنع تدفق السلاح نحو الداخل اللبناني.
إن المقاومة من وجهة نظر أحمد الشرع هي العدو الرئيسي للنظام السوري الجديد، أمّا الكيان الصهيوني والامبريالية وخاصة الأمريكية فهم من وجهة نظره أصدقاء سوريا الذين يمكن التعويل عليهم لضمان الاستقرار داخل سوريا ومعالجة الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى كسب الدعم للنظام الجديد. إن الشرعية بالنسبة للشرع لا تأتي من الشعب السوري بل من الكيان الصهيوني والامبريالية الأمريكية وتركيا والرجعية العربية التي عمل الشرع على كسب ودها وضمان مساندتها. وهي نفس الثقافة التي تميز الأنظمة الرجعية العربية العميلة التي تعادي شعوبها وتضطهدها وتسعى في المقابل إلى كسب دعم الامبريالية والصهيونية. لكن رغم هذا فإن الكيان الصهيوني لم يعبّر عن أيّ ثقة في أحمد الشرع واعتبره إرهابيا غير موثوق به. والهدف هو مزيد الضغط والابتزاز حتى تحقيق الأهداف الصهيونية.
نظام في خدمة المشروع الامبريالي الصهيوني
إنّ وصول الشرع إلى السلطة كان مدعوما بشكل غير مباشر من الكيان الصهيوني وبعض القوى الإقليمية والدولية التي رأت فيه “الصفقة الممكنة” لإدارة سوريا بعد بشار الأسد. وقد وجد الكيان الصهيوني الفرصة مواتية لتثبيت نفوذه في الجنوب السوري دون الحاجة إلى عمل عسكري مباشر، وأن حكومة الشرع قابلة بحكم طابعها البراغماتي لإدارة الملفات الأمنية بشكل يقلل المخاطر على الكيان الصهيوني مقابل تثبيت نفسها كحكومة شرعية.
في هذا الإطار دعم الكيان الصهيوني دروز السويداء ووسّع نفوذه في القنيطرة ودرعا لتقييد حكومة الشرع ضمن إطار تفاهم يسمح باستمرارها في السلطة مقابل عدم التصعيد في الجنوب.
لقد فرض الكيان الصهيوني نفوذه في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء بطرق غير مباشرة وهادئة من خلال:
- التوسع في القنيطرة ودرعا عبر شبكات استخباراتية وأمنية تتحكم في المعابر وإدارة تدفقات تهريب السلاح والمواد الخطرة وخلق تسهيلات اقتصادية لفرض واقع نفوذ فعلي دون مواجهة عسكرية.
- دعم الدروز في السويداء في شكل مساعدات اجتماعية وخدمات صحية ودعم اقتصادي محدود بهدف بناء شريك محلي قادر على لعب دور حامي للحدود مع الكيان الصهيوني ممّا يخلق حزاما أمنيا واجتماعيا يعزز النفوذ الصهيوني بشكل غير مباشر. يتمّ هذا مقابل التقليل من الوجود العسكري لحكومة الشرع كخطوة استراتيجية متفق عليها حيث تتم إعادة تموضع القوات بعيدا عن الحدود وترك الفضاء للنفوذ المحلي والصهيوني. وبهذا يتحوّل الجنوب السوري تدريجيا إلى منطقة نفوذ صهيونية غير معلنة.
هناك صفقة غير معلنة بين حكومة الشرع والكيان (مقايضة): استمرار الشرع في الحكم مقابل السماح للكيان بفرض قواعد نفوذ في الجنوب. ليس هناك بطبيعة الحال اتفاق رسمي أو إعلان سياسي لكن هذا يمارس عمليا عبر السيطرة الأمنية والدعم الاقتصادي للمكونات المحلية وتقليص الوجود العسكري للسلطة المركزية السورية.
إنّ هدف الكيان الصهيوني من هذه الخطة التي يجري تنفيذها هو إعادة هندسة المنطقة دون صدام مباشر وتحويلها إلى منطقة أمان وخدمة لمصالح الصهاينة بينما تتجنب حكومة الشرع أيّ مواجهة يمكن أن تهدد وجودها السياسي.
وتعمل الامبريالية الأمريكية والغربية على استقرار الوضع والحيلولة دون عودة سوريا إلى محور المقاومة في إطار إعادة تشكيل الخارطة السورية حيث تصبح إدارة الجنوب السوري نموذجا للاستقرار والتعايش المشترك بين الأطراف.
إنّ تقسيم وتفتيت سوريا وإخضاعها (جنوب تحت السيطرة الصهيونية وشرق تتقاسم النفوذ داخله القوات التركية والأمريكية) سيفتح الطريق أمام مزيد التقسيم والتفتيت في باقي الأقطار العربية بهدف ضرب أيّ إمكانية لوحدتها ونهوضها واستقلالها حتى تسهل السيطرة عليها ونهب ثرواتها إلى جانب اجتثاث المقاومة وضرب قدرتها على الصمود وفتح الطريق أمام الكيان الصهيوني لربط علاقات مع دول الخليج والسيطرة على الإقليم خدمة للأجندة الامبريالية المتمثلة في شرق أوسط جديد خاضع للهيمنة الامبريالية الأمريكية وإحياء مشروع إسرائيل الكبرى التي تربطها علاقات واسعة مع دول المنطقة وتضمن لها التفوق والسيطرة.
لقد جيء بنظام المجاميع الإرهابية بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام الإرهابية أبو محمد الجولاني المسمّى أحمد الشرع إلى السلطة في سوريا للعب هذا الدور الوظيفي الذي رسمته له الامبريالية الأمريكية بالتنسيق مع ربيبتها الصهيونية. وتعهد الشرع بالانخراط في المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وما سينجر عن ذلك من إعادة تنظيم وهيكلة الجيش السوري الجديد وضرورة تطهيره من العناصر الجهادية وانخراط الامبريالية الأمريكية في العملية، وتعهده بطرد وملاحقة عناصر الحرس الثوري الإيراني وحزب الله تؤكد انخراطه البيّن في هذا الدور.
فهل سينجح الإرهاب التكفيري في تنفيذ هذه المهمة على أرض الواقع أم أنه سيسقط بفعل صمود المقاومة المسنودة من شعوب المنطقة التي ستراكم على طريق استقلالها الكامل والفعلي وسيادتها وحريتها خاصة بعد افتضاح جرائم الكيان الصهيوني ودور الرجعيات العميلة المتعاونة والمساندة له.
صوت الشعب صوت الحقيقة
