الرئيسية / الافتتاحية / الأوضاع تتحرّك… والمطلوب توجيهها نحو تغيير حقيقي
الأوضاع تتحرّك… والمطلوب توجيهها نحو تغيير حقيقي

الأوضاع تتحرّك… والمطلوب توجيهها نحو تغيير حقيقي

تتعمّق القناعة في بلادنا من يوم إلى آخر بكون الأوضاع تتدحرج نحو مربّع “الزوابع” وبكون قيس سعيّد هو الذي يدفع بخطى حثيثة في هذا الاتجاه من خلال القرارات والإجراءات الاعتباطيّة التي يتّخذها في المجالين السياسي والاجتماعي، وهو ما من شأنه أن يعجّل بنهايته ونهاية حكمه الاستبدادي الفاسد. فقد صدرت في نهاية الأسبوع الماضي الأحكام فيما بات يعرف بقضية “التّآمر على أمن الدّولة” وكان من الواضح أنّ هذه الأحكام الثقيلة والجائرة التي سبقتها أحكام أخرى ضدّ الأستاذ المحامي أحمد صواب وضدّ عدد من الإعلاميّين وناشطات ونشطاء المجتمع المدني والمشاركين في احتجاجات اجتماعيّة، كما سبقتها أيضا إجراءات ضدّ عدد من جمعيات المجتمع المدني، لا تفسير لها سوى روح التشفي والانتقام التي تقود الحاكم بأمره الذي ما انفك يوظّف القضاء والبوليس على هواه بهدف زرع الخوف في المجتمع وتكميم الأفواه وإرساء دكتاتورية خانقة تأتي على كل المكاسب الديمقراطيّة التي حقّقها الشعب التونسي بنضالاته وتضحياته. وهو ما عزّز مشاعر الغضب في أغلب الأوساط السياسيّة والمدنيّة وأحرج أنصار النظام أنفسهم الذين لم يبق منهم سوى سقط المتاع من مرتزقة الحشود الفاشية للدفاع عنه ولتبرير أفعاله بل جرائمه.

ويتساوق هذا الغضب السّياسي الذي ما انفكّ يُترجم في احتجاجات ميدانيّة، مع تنامي السخط الاجتماعي على خلفية اقتناع فئات واسعة من الشعب وخاصة الفقراء منهم والمعطلين عن العمل بأنهم سقطوا مرة أخرى ضحية للتّلاعب والتحيّل من قبل رأس النظام الذي صدّع آذانهم بالوعود الزائفة التي تحطّمت مرّة أخرى على صخرة الميزانية الجديدة التي جاءت كسابقاتها لتعمّق فقرهم وبؤسهم بل لتعدهم بمستقبل حالك. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ إذ أنّ الحاكم بأمره أوغل في أساليبه الاستبدادية باستبعاد الاتحاد العام التونسي للشغل من أيّ مفاوضات حول الزيادة في الأجور كما جرت به العادة، وقرّر بنفسه نسبة الزيادة، وهي نسبة بائسة، وضمّنها في بند من بنود ميزانيّته. وهكذا يتدرّج الحاكم بأمره نحو ضرب العمل النقابي، اليوم إلغاء الدّور وربّما غدا إلغاء النقابة نفسها إذ لا حاجة للحاكم بأمره بـ”أجسام وسيطة”. وهو ما دفع بالهيئة الإداريّة للاتحاد العام لإقرار الإضراب العام يوم 21 جانفي 2026 ليس فقط دفاعا عن حقوق العمال والأجراء المهدورة بل أيضا دفاعا عن كيان الاتحاد نفسه الذي أصبح مهدّدا. وإلى جانب ذلك برمجت بعض القطاعات ومنها التعليم الثانوي عددا من التحركات في الأشهر القادمة. كما برمجت جهة قابس تحركات جديدة للدفاع عن حق الأهالي، الذين دمّرهم المجمع الكيمياوي بنفاياته، في الحياة. يضاف إلى كلّ هذا تصاعد موجات الاحتجاج المحلي ضدّ بؤس الخدمات التي تهمّ النّقل والصحّة والتعليم، وضدّ التدمير الممنهج لأوضاع الفلاحين وخاصة صغارهم وفقراءهم في قطاعات التمور والزيتون والعلف.

كلّ هذه المعطيات التي يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي تنذر بشتاء ساخن تعيشه بلادنا على وقع تكريس خيارات الاستبداد الشعبوي، هذا الاستبداد الذي يوسّع يوميا، كما قلنا، مساحات الغضب والسخط اللذين قد يتحوّلان في لحظة ما إلى تيّار جارف يهدّد نظام الاستبداد في وجوده. لذلك يتكاثر الحديث اليوم في الداخل التونسي وفي وسائل الإعلام الأجنبيّة عن مرحلة “ما بعد سعيّد” وكأنّ أمر الرّجل قد قُضي ولم يبق سوى التفكير في الفترة الانتقاليّة التي ستلي رحيله. وهو ما فتح الباب أمام العديد من التخمينات والمضاربات في مختلف الأوساط السياسيّة. ولئن كنّا من ناحيتنا نستشعر نهاية حكم الاستبداد الشعبوي فإنّنا نعتبر أنّ أخطر ما يهدّد بلادنا اليوم ليس رحيل الشعبوية في حدّ ذاتها بل ربّما في تعويضها بما هو أسوأ إذا لم يكن العمّال والكادحون والفقراء والشعب عموما على استعداد لفرض إرادتهم بما يخدم حقّا مصالحهم وهو ما يقتضي منهم أن يكونوا مسلحين ببرنامج ومنظمي الصفوف. إنّ من أهمّ المشاكل التي يواجهها الناس في بلادنا هو هذه العقليّة التي تحاول قوى اليمين الرجعي والإصلاحي زرعها وهي “خلينا نطيّحو سعيّد وبعد نشوفو”. وهذه العقلية لا تخدم سوى مصالح من لا هدف له سوى الوصول إلى السلطة والاستمرار في خدمة مصالح الفئات البورجوازية العميلة في الداخل والدول والشركات الاستعمارية في الخارج مع إمكانية إضفاء مسحة ليبرالية على نظام الحكم. هذا إن لم تعمد بعض الجهات في الحكم إلى استباق الجمبع والقيام بانقلاب “أبيض” على غرار ذاك الذي حدث في خريف 1987.

فلتكن قوى الثورة والحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية يقظة حيال كل التطورات وعالية الصوت والحضور ببرامجها الوطنية الشعبية الديمقراطية حتى لا يقع الشعب ضحية للتلاعب مرة أخرى.

إلى الأعلى
×